خيارات بوتين تتقلص بعد سقوط نظام حليفه يانوكوفيتش

خبراء لا يستبعدون سيناريو التدخل الروسي أو حث المنطقة الشرقية المتاخمة على التمرد

بوتين قبل انطلاق أشغال اجتماع مجلس الأمن القومي قرب موسكو مساء أول من أمس وهيمن الوضع الأوكراني على الاجتماع (أ.ب)
TT

مع اضطلاع الاتحاد الأوروبي بدور رئيس في التوصل إلى اتفاق السلام الأوكراني الأخير، بدأت خيارات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تشكيل الأحداث في دولة يرى أنها تقع ضمن نطاق نفوذ بلاده، في النفاد. كان بوتين يبدو قبل عدة أسابيع صاحب اليد العليا بعد تقديمه طوق نجاة لأوكرانيا عبر مساعدات بقيمة 15 مليار دولار واتفاقية للحصول على الغاز بسعر مخفض لإنقاذ اقتصاد البلاد، بيد أن الحليف الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش غادر القصر الرئاسي وانهار نظامه أمس.

وجاء هذا غداة تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أن الخطة التي رعتها الدول الأوروبية لإجراء انتخابات مبكرة، ووافقت عليها حكومة يانوكوفيتش والمعارضة أول من أمس، «ليست سوى حيلة لحمل أوكرانيا على اختيار الخيار الأوروبي».

سيكون على بوتين، الذي وصف من قبل تفكك الاتحاد السوفياتي بأنه أضخم كارثة جيوسياسية في القرن العشرين، تحديد مدى استعداده لقبول هذا الخيار. ويرى مستشارو الكرملين الحاليون والسابقون أن خياراته الآن في أوكرانيا تتمثل في تشجيع الأقاليم الأوكرانية الناطقة باللغة الروسية إلى الانفصال أو القيام بتدخل عسكري محدود، في استراتيجية محفوفة بالمخاطر.

ويقول غليب بافلوفسكي، مستشار الكرملين السابق الذي يرأس «مؤسسة السياسة» الفاعلة في موسكو: «يجب أن يكون بوتين مليئا بالغضب. فهو حث يانوكوفيتش على إعادة فرض سيطرته على البلاد، لكنه لم يكن يدرك ما يجري، والسبب وراء انفلات زمام السيطرة على الأوضاع في البلاد».

ويبدو أن استراتيجيات بوتين، المتمثلة في استخدام مزيج من العقوبات التجارية والحوافز المالية لإقناع يانوكوفيتش بالانسحاب من اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في نوفمبر (تشرين الثاني)، لم تفلح. فقد حافظ آلاف الناشطين الذين كانوا يريدون إقامة أوكرانيا علاقات أوثق مع الاتحاد الأوروبي، على مواقعهم في ساحة الاستقلال في كييف حتى إسقاط النظام أمس.

وليس معروفا الآن ما سيفعله بوتين مع الحكومة المرتقبة الجديدة في أوكرانيا في موضوع الديون. وقال وزير المالية الروسي أنطون سيلانوف في مقابلة أجريت معه في هونغ كونغ أول من أمس إن بلاده تعتزم الانتظار حتى يستقر الوضع قبل منح أوكرانيا مساعدات مالية إضافية في إطار حزمة المساعدات التي تقدر بنحو 15 مليار دولار. وأشار إلى أن البنك المركزي في أوكرانيا قد يبدد الاحتياطي الأجنبي دفاعا عن الهريفنا الأوكرانية.

وعبرت روسيا عن استيائها برفض مبعوث الرئيس بوتين، فلاديمير لوكين، التوقيع على الاتفاق الذي جرى التوصل إليه تحت رعاية الاتحاد الأوروبي ومشاركته في المفاوضات كييف، وفقا لمقابلة مع وكالة أخبار نوفوستي وقال ديمتري ترينين، مدير «مركز كارنيغي» في موسكو، في تصريحات صحافية أول من أمس «إن روسيا غاضبة من الاتحاد الأوروبي لأنه صاغ صفقة تستثنيها».

وحث لافروف الاتحاد الأوروبي على إدانة «المتطرفين» الأوكرانيين و«احترام سيادة أوكرانيا وسلطة الحكومة الشرعية» في محادثة هاتفية أول من أمس مع منسقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون، وفقا لبيان نشر على موقع وزارة الخارجية الروسية. وأكد يورغ فوربريغ، مسؤول برنامج وسط وشرق أوروبا في مكتب برلين لصندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة أن الجهود الروسية التي كانت تسعى لإقناع يانوكوفيتش بسحق الاحتجاجات المستمرة منذ أشهر، أسهمت في تعزيز صفوف من المعارضة، مشيرا إلى أن يانوكوفيتش فقد السيطرة على الأوضاع في الأخير، والسبيل الوحيد للخروج من الأزمة كان تخليه عن منصبه.

وبعد هذا السيناريو قد يتدخل بوتين بشكل مباشر في أوكرانيا المجاورة. وقال سيرغي ماركوف، مستشار الكرملين ونائب رئيس جامعة بليخانوف الروسية للاقتصاد في موسكو، قبل انهيار نظام يانوكوفيتش أمس، إن نشر القوات الروسية في شرق وجنوب أوكرانيا ربما يكون مطلوبا إذا ما أطلقت الاضطرابات العنان لحرب أهلية تهدد السكان الناطقين بالروسية هناك. ونقلت عنه مؤسسة «بلومبيرغ» الإخبارية قوله إن «أوكرانيا دولة شقيقة وربما يتعرض بوتين لضغوط شعبية كبيرة وهو ما قد يدفعه إلى التدخل». وجدير بالذكر أن الدولتين السلافيتين يجمعهما تاريخ مشترك يعود إلى كييف روس، الدولة التي كانت مهد كلتا الدولتين قبل 1100 عام. وإضافة إلى ذلك، تعد أوكرانيا طريقا لعبور أكثر من نصف صادرات الدولة الروسية من شحنات شركة «غازبروم» من الغاز الطبيعي.

وسيكون إرسال الجيش إلى أوكرانيا محفوفا بالمخاطر لكل من روسيا وأوروبا، التي تعتمد على الغاز الروسي في ربع استهلاكها، بحسب بافلوفسكي. وتكمن الخطورة في أن روسيا قد تنجر إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع خصمها إبان الحرب الباردة (حلف شمال الأطلسي)، بحسب ماركوف. وحث الأمين العام لحلف شمال الأطلسي أندرز فوغ راسموسن، في تصريحات للصحافيين في أثينا أول من أمس الجيش الأوكراني على عدم تحويل فوهات بنادقه ضد الشعب الأوكراني.

وكان بوتين أظهر استعدادا لإرسال قوات إلى الدول المجاورة، متبعا في ذلك خطى أسلافه السوفيات. فخاضت جورجيا الحليفة للولايات المتحدة حربا مع روسيا عام 2008 في محاولة فاشلة لاستعادة المنطقة الانفصالية التي تدعمها روسيا إلى سيطرتها.

وأسفر الصراع الأخير في أوكرانيا عن أكبر توتر بين الغرب والكرملين منذ الحرب الباردة، ودفع المستثمرين لسحب ما لا يقل عن 290 مليار دولار من الاستثمارات من روسيا، وفقا للمجموعة البنكية «بي إن بي باريبا».

وربما يشجع بوتين الآن على انفصال شرق وجنوب أوكرانيا، بحسب ماركوف. ففي كريميا، التي كانت جزءا من روسيا حتى عام 1954 ومقر الأسطول الروسي في البحر الأسود، حثت بعض المنظمات، الحكومة الروسية على التدخل، وهناك مناطق في معقل الصناعة بشرق أوكرانيا تطالب بالحكم الذاتي. وبعيدا عن كييف، توجد أعلى 10 مناطق من حيث الناتج الاقتصادي في شرق وجنوب أوكرانيا فيما يوجد أقل خمس مناطق من حيث الناتج الاقتصادي في الغرب، حيث تزداد المشاعر المؤيدة للاتحاد الأوروبي، بحسب بيانات إحصائية لعام 2011.

ويشير فيودور لوكيانوف، رئيس مجلس السياسات الدفاعية والخارجية في موسكو إلى أن هناك احتمالا بأن تكون القيادة الروسية تواصلت بالفعل مع حكام الأقاليم الشرقية مثل خاركيف ودونيتسك ولوهانسك. وقال لوكيانوف قبل سقوط نظام يانوكوفيتش: «لم يعد يانوكوفيتش يستحق المراهنة، ولو تصرف بشكل حاسم منذ البداية، ما كنا لنصل إلى ما نحن عليه اليوم».