الكتل السياسية المتنفذة في العراق تعول على المال لتحقيق نجاحات انتخابية

في غياب الرقابة التشريعية على مصادر تمويلها

TT

عرفت القوى السياسية العراقية، وفي المقدمة منها المتنفذة في البرلمان أو الحكومة، على مدى التجارب الانتخابية على مدى السنوات العشر الماضية في العراق، طريقة واحدة للنجاح في الانتخابات وتتمثل في أن بطن المواطن هي الطريق الأقصر لتخطي العتبة الانتخابية. فثنائية الجوع والتخمة هي التي يعول عليها الجميع في الاستفادة المباشرة من موسم الانتخابات، إذ إن هذه الثنائية هي وحدها الكفيلة بخلق مجال واسع للنفوذ مرة والاستقطاب مرة أخرى.

ورغم أن كلا من طرفي المعادلة، السياسيين المرشحين للانتخابات والمواطنين سواء كانوا رجال دين أم شيوخ عشائر أم مجرد أصوات انتخابية، يبدوان في كثير من الأحيان كأنهما معروضان للبيع والشراء في مزاد انتخابي، إلا أن كليهما يريد الذهاب إلى أبعد مدى على صعيد الإفادة مما توفره هذه اللعبة من أصوات للمرشح الباحث عن قبة البرلمان ومن أموال لمن يملك بنك الأصوات الانتخابية، رجل دين كان أم شيخ عشيرة.

ومع وجود حاضنات طائفية أو عرقية أو عشائرية لكل مرشح يروم الفوز في الانتخابات، فإن التنافس على هذه الحاضنات من قبل من يرون أنهم الممثلون الوحيدون لأبناء هذه الحاضنة ربما يكون أحيانا أخطر من التنافس بين كتل وقوى سياسية تراهن على حصد الأغلبية في الانتخابات، سواء من خلال الأصوات المؤهلة للفوز بالعدد الأكبر من مقاعد البرلمان أو من خلال التحالفات التي تلي عملية الفوز. أيضا، هناك مناطق نفوذ تعتقد بعض الأطراف أنها محسومة لها بهذا القدر أو ذاك. فعلى سبيل المثال، هناك من يراهن على أصوات المدنيين أو الليبراليين حتى في حاضنة محسومة طائفيا أو عرقيا لمن سواه. كما أن هناك من يراهن على أصوات المرأة أو الطبقة العاملة أو المثقفين.

ولذا، فإن كل واحدة من الحاضنات أو مناطق النفوذ هذه باتت اليوم تحتاج إلى المال السياسي الذي اخترق الآن كل قواعد اللعبة الانتخابية. ولعل السؤال المطروح الآن هو: كيف يتدفق المال السياسي بهذه السهولة، بحيث أصبح هو العامل الرئيس في تغيير المعادلات السياسية في البلاد؟

يقول المستشار القانوني أحمد العبادي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إنه «في ظل عدم تشريع قانون للأحزاب السياسية في العراق، فإنه ليس بوسع أحد معرفة مصادر تمويل الأحزاب الكبيرة أو الصغيرة الآن التي سبق أن دخلت الانتخابات في الدورات السابقة أو ستدخل الانتخابات المقبلة»، مشيرا إلى أن «قانون الأحزاب الذي يحدد كشف الذمة المالية للحزب ومعرفة مصادر تمويله، هو الكفيل بوضع حد لكل ما يجري الآن إنفاقه من أموال، سواء كانت على صعيد الدعاية الانتخابية المباشرة أو من خلال عمليات أخرى غير منظورة». وقال إنه «في حال تخطى الحزب حدود الإنفاق المعروف في إطار موازنته، يتعين سؤاله قانونا عما أنفقه من أموال إضافية». وأوضح أن «قانون الأحزاب موجود الآن في البرلمان، وهو قانون طبيعي ولا مشاكل كبيرة فيه، إلا أن الأحزاب المتنفذة الساعية لترسيخ وجودها لا ترغب في تشريعه، لأنه يفضح مصادر التمويل»، مشيرا إلى أن «قانون الأحزاب لا أحد يريد تشريعه في العراق من كل الأحزاب، سواء كانت كبيرة أم صغيرة، لأن معظم تمويل الأحزاب العراقية من الخارج».

وانسجاما مع هذه الحقيقة، فإن المال السياسي، سواء كان الذي يتدفق من الخارج أم الذي استحوذت عليه الكتل المتنفذة من المال العام عبر صفقات الفساد أو هيمنة عدد من رجال الأعمال على حركة الأموال في العراق وإنفاقها بطرق وأساليب مختلفة على الأحزاب والقوى السياسية المقربة منها، هو الذي باتت تعول عليه القوى المتنفذة وهو ما باتت تخشاه القوى المدنية والليبرالية التي وحدها ينطبق عليها اليوم في عراق النهب والسرقات المثل القائل «المفلس بالقافلة أمين».