حزب الله يقرّ بغارة إسرائيلية على أحد مقراته شرق لبنان ويتوعد بالردّ

سليمان يكلف وزير الخارجية جمع المعلومات لتقديم شكوى لمجلس الأمن

عناصر من حزب الله في استعراض عسكري قبل نحو أسبوعين في ذكرى مقتل الشيخ عباس الموسوي الأمين العام السابق للحزب
TT

توعد حزب الله اللبناني، أمس، بالرد في «الزمان والمكان المناسبين»، على ضربة إسرائيلية استهدفت أحد مواقعه ليل الاثنين الماضي على الحدود السورية - اللبنانية، نافيا في الوقت نفسه استهدافها مرابض مدفعية أو صواريخ تابعة له في المنطقة.

وفي أول إقرار رسمي بوقوع الغارة داخل الأراضي اللبنانية، بعد اعتراف حزب الله باستهداف موقع له على الحدود اللبنانية - السورية قرب منطقة جنتا في البقاع (شرق البلاد)، طلب الرئيس اللبناني ميشال سليمان من وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل «جمع كل المعطيات والمعلومات المتوفرة عن هذا الاعتداء لتقديم شكوى إلى مجلس الأمن ضد هذا العدوان الذي يعد خرقا للقرار 1701».

وتعد هذه الضربة، التي كانت الأنباء متضاربة حول موقعها بالتحديد داخل الأراضي السورية أو اللبنانية، أول غارة جوية تنفذها الطائرات الحربية الإسرائيلية داخل الأراضي اللبنانية منذ نهاية حرب يوليو (تموز) 2006، رغم أن الطائرات الإسرائيلية تحلق في المجال الجوي اللبناني. ويمنع القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن عام 2006 إسرائيل وحزب الله من خرق اتفاق وقت النار.

ونفت الأمم المتحدة معرفتها بالغارة، علما بأن موقع استهدافها لا يخضع لنطاق عملها. وقال المنسق الخاص للأمم المتحدة ديريك بلامبلي بعد لقائه وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل: «ليس لدي أي معلومات مباشرة حول هذه الحادثة». وأضاف: «إننا نقوم بالتحقيق، وما أود قوله هو أنه من المهم جدا للأمم المتحدة الاطلاع على تقارير مثل هذه، لتشجيع الأطراف المعنية على تفادي أي أمر قد يؤدي إلى التصعيد أو زعزعة الأمن الذي يسود حاليا نتيجة القرار الدولي 1701».

ونفى حزب الله، في بيان أصدره أمس، التقارير التي تحدثت عن مقتل عناصر له في الغارة. وقال إن «هذا العدوان لم يؤد إلى سقوط أي شهيد أو جريح، وقد لحقت بالموقع بعض الأضرار المادية فقط»، من غير إيضاح طبيعة الموقع، مؤكدا أن «كل ما قيل في بعض وسائل الإعلام عن استهداف لمواقع مدفعية أو صاروخية أو استشهاد مقاومين وغير ذلك لا أساس له من الصحة على الإطلاق».

وكانت تقارير محلية وغربية تحدثت عن استهداف شاحنة صواريخ كانت تنقل من سوريا إلى حزب الله في لبنان، عبر منطقة جبلية في سلسلة جبال لبنان الشرقية، تحاذي سرغايا وريف الزبداني السوريتين.

ورأى حزب الله أن الغارة الأخيرة هي «اعتداء صارخ على لبنان وسيادته وأرضه وليس على المقاومة فقط، ويؤكد أيضا الطبيعة العدوانية للصهاينة»، لافتا إلى أن هذا الخرق «يتطلب موقفا صريحا وواضحا من الجميع». وشدد الحزب على أن «هذا العدوان الإسرائيلي لن يبقى بلا رد من المقاومة. وإن المقاومة ستختار الزمان والمكان المناسبين وكذلك الوسيلة المناسبة للرد عليه».

وكان الجيش اللبناني ذكر أن أربع طائرات إسرائيلية خرقت الأجواء اللبنانية من فوق البحر غرب شكا في الشمال نحو البقاع ليل الاثنين قبل أن تتوجه إلى الجنوب الغربي نحو البحر المتوسط بالقرب من حدود لبنان الجنوبية مع إسرائيل. وغالبا ما تحلق الطائرات الحربية الإسرائيلية بانتظام فوق الأجواء اللبنانية من دون إذن.

ويجمع المراقبون على أن رد حزب الله لن يتسع إلى حرب مع إسرائيل في هذا الوقت، باعتبار أن «إسرائيل لا تستطيع الدخول في معركة شاملة مع الحزب، وتجنبتها حين اخترق الحزب أجواءها بطائرة من دون طيار، العام الماضي، حملت اسم (طائرة أيوب)»، وسط تأكيد على أن إسرائيل «لا تمتلك خطة مبرمجة لشن حرب واسعة على حزب الله في هذا الوقت».

ويشرح الخبير الاستراتيجي الدكتور أمين حطيط في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، طبيعة رد حزب الله على إسرائيل، بالصيغة التي جاءت في البيان، ويقول إن حزب الله «رد بعمليات مؤلمة كثيرة في السابق ضد أهداف إسرائيلية من غير الإعلان عنها»، مؤكدا أن «إسرائيل تعرف تلك العمليات التي وقف حزب الله وراءها جيدا». ويشير إلى أن الرسائل التي حملتها الغارة «تؤشر إلى أنها لن تتطور إلى حرب ومواجهة شاملة عبر الحدود، وستكون ردا عسكريا محدودا يؤلم إسرائيل».

وخرجت الضربة الإسرائيلية الأخيرة من سياق العمليات الأمنية. ويقول حطيط، وهو عميد متقاعد من الجيش اللبناني ومقرب من حزب الله، إنها «ضربة عسكرية محدودة ذات طبيعة توجيه رسائل بما يتخطى حجمها التدميري أو القتل، إذ يراد منها البعد السياسي المعنوي».

وتقود كل المؤشرات إلى أن الرد، إذا حدث، لن يؤدي إلى إشعال المنطقة «بسبب الظروف الإقليمية والحرب السورية». ويقول الخبير الاستراتيجي العميد المتقاعد نزار عبد القادر لـ«الشرق الأوسط»، إن «الوعيد بالرد لا يعني القيام بعمل عسكري ضد إسرائيل من لبنان في ظل هذه الظروف الداخلية والخارجية وقتاله في سوريا»، موضحا أنه «في الداخل اللبناني، فقد حزب الله الإجماع الذي كان يتمتع به في الحرب على إسرائيل في السابق، فضلا عن أن قاعدته الشعبية باتت في حال حرجة». أما خارجيا، فيشير إلى أن الحزب «يدرك أن الوضع في المنطقة لا يسمح بحرب مع إسرائيل قد يقود إليها أي رد، حتى لو كان محدودا».

ويرى عبد القادر أن الحزب يدرك أن «ظروفه القتالية في سوريا ومشاركة قوات النخبة لديه، تجعله في وضع حرج عسكريا إزاء فتح أي جبهة مع إسرائيل، وهو سيحاول بكل الوسائل تفادي الوقوع بين نارين؛ النار السورية والنار في الجنوب». ويرى الحزب، إضافة إلى ذلك، «التزما لبنانيا ودوليا بتنفيذ القرار 1701 الذي يجعل من الصعب عليه تجاوز الخطوط الحمراء التي يفرضها القرار الدولي، ويدرك أن الوقت ليس مواتيا له للقيام بعمل يمكن أن يستجلب ردا إسرائيليا واسع النطاق».