الكرادة.. حديقة بغداد الخلفية أصبحت الواجهة الأمامية للمسلحين

خبير أمني أكد أنها مستهدفة كونها مفتوحة وشيعية

عراقيون يعاينون موقع انفجار سيارة مفخخة في محلة الكرادة بينما تجري عملية ترميم الموقع أمس(أ.ب)
TT

تعرض حي الكرادة (داخل) في بغداد على مدى الأيام الماضية إلى ثلاثة تفجيرات كبرى وفي الأمكنة نفسها بل وحتى بالطريقة نفسها وتتلخص في ركن سيارة مفخخة على جانب الرصيف وما أن يترجل منها سائقها حتى تنفجر بعد دقائق من اختفائه في مكان مجهول.

وأكد الخبير الأمني الدكتور معتز محيي عبد الرحمن مدير المركز الجمهوري للدراسات الأمنية لـ«الشرق الأوسط» أن «الاستهداف المتكرر للكرادة يعود إلى أن القوة التي تحميها قليلة وتتكون من الشرطة الاتحادية بينما مداخلها كثيرة وأزقتها منتشرة على الكرادة (خارج) من جهة، وعلى أبي نواس، من جهة أخرى». ويضيف عبد الرحمن أنه «لا توجد قوة كافية تراقب السيارات الداخلة إليها وهي كثيرة جدا،وبالتالي فإن الجماعات المسلحة وجدت فيها بطنا رخوة برغم أن فيها منازل مسؤولين كبار، مثل النائب السابق لرئيس الجمهورية عادل عبد المهدي ومكاتب أحزاب مثل المجلس الأعلى الإسلامي فضلا عن مكاتب الصحف والفضائيات وغيرها».

وأدى انفجار سيارة مفخخة مساء أول من أمس، كانت متوقفة قرب سوق مزدحمة في الكرادة إلى مقتل 14 شخصا على الأقل ليرتفع العدد الإجمالي للقتلى في العنف بالعراق إلى 27. حسبما ذكرت مصادر أمنية وطبية لـ(رويترز)».

وانفجرت السيارة في شارع جانبي في حي الكرادة الشيعي في شرق بغداد. وأدى الانفجار إلى اشتعال النار في سيارات وتحطيم نوافذ وواجهات بعض المتاجر. وقال شاهد عيان يدعى أبو علي بأن السيارة كانت متوقفة على مقربة، وأن الشرطة حضرت وأبلغت الناس أن تلك السيارة قد تكون ملغومة وطالبوهم بالابتعاد عنها ثم جاءت الشرطة وحرس عبد المهدي. وأضاف الشاهد أن السيارة انفجرت أثناء مرور أحد حراس عبد المهدي بقربها وقتل كثيرون.

وأطلقت قوات الأمن وابلا من الأعيرة النارية التحذيرية عقب الانفجار. وقالت مصادر طبية وأمنية بأن ما لا يقل عن 14 شخصا قتلوا وأصيب آخرون.

الكرادة تقسم فعليا الى قسمين هما، كرادة مريم في جانب الكرخ من العاصمة العراقية بغداد وجزء منها ابتلعته «المنطقة الخضراء» ، المنطقة الوحيدة المحصنة في العراق،والكرادة الشرقية في جانب الرصافة من بغداد، هي مثلما يطلق عليها النائب المستقل في البرلمان العراقي والمفكر حسن العلوي «حديقة بغداد الخلفية» وقد تحولت إلى الواجهة الأمامية للمسلحين ممن استهوتهم لعبة تكرار التفجيرات في هذه المنطقة التي تكاد تنفرد بين كل مناطق بغداد بكونها الأكثر حيوية وجذبا للمواطنين من كل أنحاء العراق وليس أحياء بغداد، مشيرا إلى أن تاريخ هذه المنطقة يعود إلى العصر العباسي.

وعن أسباب استهداف هذا الحي من بغداد، قال العلوي لـ«الشرق الأوسط» إن «هذه المنطقة الهادئة جلبت انتباه القوى المسلحة حيث إن الكرادة تختلف عن باقي مناطق بغداد كونها الأكثر حيوية حتى إنها لا تنام حتى منتصف الليل ولكونها ذات غالبية شيعية فإن هدف الجماعات المسلحة هو ضرب ما تفتخر به السلطة من حياة آمنة ومستمرة في بغداد إلى ساعات متأخرة من الليل». وعد العلوي أن «الموقف من الحكومة حيال تكرار مثل هذه الأعمال يتراوح بين الفشل والتواطؤ».

وطبقا لتاريخ بغداد فإن الكرادة الشرقية كانت في عام 1917 عند دخول الإنجليز قرية صغيرة فيها بضعة قصور لأثرياء بغداد والباقي دور للفلاحين مبني معظمها من الطين.

وكان أهل الكرادة يسقون بساتينهم بالكرود، فسميت قريتهم بالكرادة.

يقطن الكرادة غالبية شيعية بدليل كثرة المساجد والحسينيات فيها والمؤسسة في بداية ومنتصف القرن العشرين، منها حسينية الزوية، إحدى أهم وأكبر الحسينيات في العراق ، ومسجد الزوية وحسينية الحاجة سعدة ، في منطقة الجادرية ،وحسينية عبد الرسول علي وحسينية آل مباركة ،مقابل شارع عباس الديك، وحسينية الرسول الأعظم، قرب مستشفى الراهبات، وحسينية ألبو شجاع، في منطقة ألبو شجاع بالقرب من الجسر المعلق، وحسينية ألبو جمعة، قرب منطقة رخيتة. وبعد عام 2003 تحولت الكرادة إلى مقصد لإيواء جميع المتضررين والمهجرين من مختلف الطوائف والأديان والقوميات في العراق. لكن الأمر بالنسبة للمواطن محمد ياسين «صاحب محل عقارات» بدا سلبيا في كثير من جوانبه.

ويقول ياسين لـ«الشرق الأوسط» إن «ما حصل للكرادة بعد عام 2003 أشبه بغزو من قبل حديثي النعمة الذين امتلكوا الأموال من الصفقات وغيرها وبدأوا يزحفون على الكرادة» ،مشيرا إلى أن «هناك شوارع وأزقة أغلقت بسبب سكن هؤلاء المسؤولين الجدد حيث جعل كل واحد لنفسه منطقة خضراء خاصة به وسط الكرادة بينما كل أهالي الكرادة باتوا وقودا لسياساتهم الفاشلة».