أساليب الاستبعاد والإقصاء السياسي تبلغ درجة «كسر العظم» بين مرشحي الانتخابات العراقية

عزة الشابندر: المشكلة تكمن في غياب الضوابط والمعايير الأخلاقية والمهنية

TT

طبقا لما كشف عنه رئيس المؤتمر الوطني العراقي أحمد الجلبي وهو الشخصية التي طالما وصفت بأنها هي من كان وراء قانون «الاجتثاث» فإنه لم يعد قادرا على ضمان وضعه كمرشح للانتخابات البرلمانية القادمة في العراق والتي ستجرى في الثلاثين من أبريل (نيسان) القادم. فبعد أن بدأت حرب الاستبعاد طبقا لقواعد حسن السلوك الانتخابي فضلا عن اتباع أساليب مختلفة وبعضها مبتكرة للتسقيط السياسي لا سيما مع انتشار مواقع إخبارية وصفحات على الـ«فيسبوك» والتي ترتب عليها استبعاد عدد من النواب الحاليين من المشاركة في الانتخابات فقد كتب الجلبي على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي الـ«فيسبوك» إن «المعلومات التي وردتني تفيد بتلفيق أي تهمة ضدي لإبعادي من الانتخابات» مبينا أن سياسة إبعاد الخصوم بهذه الطريقة غير ديمقراطية. وبلهجة بدت أقرب إلى اليأس أضاف الجلبي «لن أقف عاجزا أمام هذه المحاولات».

قصة الاجتثاث التي كان أبرز أبطالها في انتخابات مجالس المحافظات في العام الماضي النائب السابق مشعان الجبوري تحولت اليوم وفي انتخابات عام 2014 إلى أشبه شيء بـ«مجزرة سياسية» أصابت الوسط السياسي بالذهول. فبعد أيام من استبعاد النائب حيدر الملا وعبر قرار قضائي بات غير قابل للطعن بسبب شكوى رفعها ضده وزير التعليم العالي على الأديب بعد اتهامه بتزوير تواقيع نواب لغرض استجواب الوزير فقد أصدرت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات قرارا باستبعاد أربعة نواب دفعة واحدة ومن كتل مختلفة وهم سامي العسكري وعمار الشبلي (دولة القانون) وعالية نصيف (العراقية الحرة) وصباح الساعدي (نائب مستقل). وبينما ردت الهيئة القضائية بالمفوضية الشكوى المقدمة ضد مشعان الجبوري بما مهد الطريق أمامه للمشاركة في الانتخابات فإن الأسباب التي أدت إلى استبعاد النواب الأربعة بدت غريبة بالنسبة لهم. فالساعدي أعلن أن سبب استبعاده جاء بعد تقديم المفتش العام لوزارة الصحة السابق عادل محسن شكوى ضده. والسبب أن محسن سبق أن كسب دعوى ضد الساعدي بمبلغ 25 مليون دينار عراقي وهو ما عد مضرا بحسن سيرة الساعدي وسلوكه. أما سامي العسكري القيادي البارز في ائتلاف دولة القانون والمقرب من رئيس الوزراء نوري المالكي فقد عبر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» عن استغرابه مما يجري قائلا إن «هناك خفايا تقف خلف ذلك ربما تكون خلفها إرادات سياسية تسعى إلى تسقيط للخصوم وهو باب رهيب إذا ما فتح سوف لن يغلق». وردا على سؤال بسبب أن الشكوى التي أدت إلى استبعاده جاءت من رئيس كتلة الحل جمال الكربولي بخصوص القضية التي كسبها وزير الخارجية هوشيار زيباري ضده قال العسكري إن «هذا من أغرب الأمور حيث إنني لا أعرف الكربولي ولا إخوانه وليست لي معه أي خصومة بل حتى إنني لو أراه في الشارع لا أعرفه بينما القضية تتعلق بزيباري حيث إنني وبرغم امتلاكي المعلومات المؤكدة فإنني لم أتمكن من إثباتها في المحكمة لأسباب معينة ولكن تحليلي الوحيد إنها ردا على عملية استبعاد حيدر الملا وهو ما يعني أن هناك كتلا سياسية تقف خلف ذلك» مبينا أن «من أعلن قرار استبعادي وزملائي النواب كان كاطع الزوبعي نائب رئيس المفوضية وكان فرحا كما لو كان قد حقق إنجازا». وأوضح العسكري أن «البرلمان والعمل السياسي برمته مبني على الخصومات السياسية التي لا علاقة لها بحسن السلوك والسيرة وبالتالي فإنه يتوجب على المفوضية إعادة النظر بذلك وإلا فإن عملية الاستبعاد لن تتوقف وتحت حجج واهية».

السياسي المثير للجدل مشعان الجبوري الذي عاد إلى الانتخابات بعد سلسلة اجتثاثات قال لـ«الشرق الأوسط» بأن «من أغرب الأمور وطبقا لما نشرته بعض وسائل الإعلام والمواقع الإخبارية التي لا نعرف أصلا ولا فصلا لها أن النائب أحمد العباسي يحاول تقديم رشى للقاضي سعدي العبيدي من أجل أن يمرر ترشيحي للانتخابات علما بأنني لا أعرف العباسي ولم التق به فلماذا يتبرع لصالحي» عادا أن «أخبارا مثل هذه تتم صياغتها وفبركتها كما لو كانت حقيقية أمام العامة بينما هي غريبة من حيث الواقع وبالتالي فإنه جزء من عمليات التسقيط السياسي التي أوصلها البعض إلى مرحلة كسر العظم لا سيما إذا تابعنا ما ينشر في (فيسبوك) ومواقع إخبارية جرى إطلاقها لهذا الغرض فضلا عن بعض القنوات التلفزيونية التي بدأت تروج لأساليب مبتذلة من هذا النوع».

من جهته فقد أكد النائب المستقل عزة الشابندر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «المشكلة الرئيسية تكمن في غياب الضوابط والمعايير الأخلاقية والمهنية وبالتالي فإنه حين تغيب الضوابط ينفلت الإعلام وتأخذ حرية الرأي مدى أبعد من حدودها الطبيعية». وأضاف الشابندر أن «النظام السياسي أو الحكومة تتعامل مع هذا الانفلات بردات فعل وليست ضوابط وبالتالي فإن إجراءات الحكومة الخاصة بحرية الرأي تؤثر على مبدأ تطبيق العدالة وهو ما يعني أن يختلط الرأي الصحيح بغير الصحيح وما يجب أن يقال مع ما لا يجب أن يقال حيث إنه لا الحكومة لديها ضوابط ومعايير ولا المعارضة أو البرلمان» عادا أن «ما حصل للكثير من النواب في ضوء ذلك نتيجة طبيعية ونتوقع ما هو أكثر من ذلك». وردا على سؤال بشأن كيفية حل هذا الإشكال قال الشابندر «إذا أردت أن أضع نفسي وسيطا بين الطرفين فإني أحكم على كليهما فالحاكم لا يعرف واجباته والمحكوم لم يلتزم وبالتالي فإننا نحتاج إلى وقفة من قبل العقلاء والمتخصصين حتى لا تبقى الأمور محكومة بما هو مزاجي حيث إن ذلك أثر حتى على القضاء إذ بدأ القضاء يصدر أحكاما قضائية متهمة هي الأخرى». لكن للناشط المدني وعضو شبكة شمس لمراقبة الانتخابات حسين فوزي له رأي آخر. ففي تصريح لـ«الشرق الأوسط» قال: إنه «إذا كان الاستبعاد مبنيا على قواعد السلوك الانتخابي طبقا لقانون الانتخابات فهو أمر إيجابي حيث يجب تجنب المفردات الجارحة والاتهامات الجزافية»، مضيفا: «لكن ما يثير المخاوف هو أنها قد تستخدم بشكل يؤدي إلى إقصاء بعض الأطراف التي لا تحظى بقبول لدى القوى المتنفذة».