روسيا تقرر مبدئيا غزو أوكرانيا وتترك القرار النهائي لبوتين

الموالون لموسكو يوسعون سيطرتهم.. وكييف تدعو إلى التعبئة العسكرية

جنود غير محددي الهوية يغلقون منطقة عسكرية في بالاكلافا في شبه جزيرة القرم الأوكرانية أمس (إ.ب.أ)
TT

وافق البرلمان الروسي أمس على السماح بعمل عسكري داخل الأراضي الأوكرانية، أمس، مما فجر ردود فعل دولية واسعة. إلا أن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، قال في وقت لاحق، إن الرئيس فلاديمبر بوتين لم يتخذ بعد قرارا في شأن اللجوء إلى الجيش الروسي في أوكرانيا. وقال بيسكوف كما نقلت عنه وكالة «ريا نوفوستي» الرسمية إن الموافقة على اللجوء إلى الجيش الروسي في أوكرانيا «هي وجهة نظر المجلس الاتحادي، والرئيس هو الذي يتخذ القرار، وحتى الآن ليس هناك قرار في هذا الاتجاه». كما صرح بيسكوف للتلفزيون الروسي أن الكرملين لا يزال يأمل في تحسن الوضع في أوكرانيا. وقال إن الرئيس «سيتخذ بالتأكيد القرارات في ضوء تطور الوضع. ينبغي الأمل في ألا يتطور الوضع وفق السيناريو الذي يرتسم حاليا مع تهديد للروس في (شبه جزيرة) القرم» ذات الغالبية الناطقة بالروسية.

وكان الرئيس بوتين قدم في وقت سابق أمس إلى المجلس الاتحادي (الشيوخ) في البرلمان يطلب منه الموافقة على استخدام قوات روسية في أوكرانيا، وعلى الفور بدأ المجلس مناقشة الطلب. ونقل الكرملين عن بوتين قوله في الطلب: «فيما يتعلق بالوضع الاستثنائي في أوكرانيا والتهديد الذي يطال حياة المواطنين الروس، أتقدم إلى مجلس حكام المناطق الروسية بطلب لاستخدام قوات الاتحاد الروسي المسلحة على الأراضي الأوكرانية إلى حين عودة الوضع السياسي في هذا البلد إلى طبيعته». وقال بوتين إن روسيا عليها كذلك واجب حماية العاملين في أسطولها في البحر الأسود الذي مقره في شبه جزيرة القرم الأوكرانية «بما ينسجم مع اتفاق دولي». ويستند الطلب إلى أحد بنود الدستور الروسي الذي ينص على السماح باستخدام القوات الروسية خارج حدود البلاد.

وتأتي هذه الخطوة بعد أن دعاه رئيسا مجلسي البرلمان أمس إلى اتخاذ إجراءات تجاه الوضع في أوكرانيا وخصوصا شبه جزيرة القرم الموالية لروسيا.

بدورها، نقلت وكالة «إنترفاكس» الروسية للأنباء أمس عن وزير الخارجية الأوكراني أندريه ديشيتسيا قوله إن روسيا ترفض إجراء محادثات مع أوكرانيا في ظل الاتفاق الذي يضمن وحدة أراضي أوكرانيا. وطلبت أوكرانيا إجراء مشاورات مع موسكو بعد أن اتهمت روسيا بنشر قوات في منطقة القرم، إلا أن الوزير قال: «إننا نشعر بقلق إزاء الأنباء التي تواترت عن رفض روسيا المشاركة»، وفق ما نقلت عنه الوكالة.

وكان مفترضا أن يجري مجلس الأمن الدولي مشاورات ضمن جلسة مغلقة بعد ظهر أمس في نيويورك حول تطورات الوضع في أوكرانيا والقرم. ويعد هذا الاجتماع الثاني الذي تجري الدعوة إليه بشكل طارئ في يومين حول هذا الملف، وكان مفترضا أن يضم سفراء الدول الـ15 الأعضاء في المجلس، بناء على طلب بريطانيا. وبعد الاجتماع الأول الذي عقد أول من أمس، طلب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون من موفده روبرت سيري الذي يزور كييف، التوجه إلى القرم في محاولة للتوسط. لكن سيري أعلن أمس أنه ألغى هذه المهمة إلى القرم بسبب التوترات التي تجعل من أي زيارة إلى المنطقة أمرا مستحيلا.

وأعلن المجلس الاتحادي الروسي أمس أيضا أنه سيطلب من الرئيس بوتين استدعاء سفير روسيا في الولايات المتحدة بحجة أن الرئيس باراك أوباما تجاوز «خطا أحمر»، حين حذر من تدخل عسكري في أوكرانيا. ورأى نائب رئيس المجلس الاتحادي يوري فوروبيف أن الرئيس أوباما تجاوز «خطا أحمر» و«أذل الشعب الروسي» عندما أعلن أول من أمس أن أي تدخل عسكري في أوكرانيا له «ثمن». وأضاف فوروبيف: «يوم الجمعة، سمعنا عبر وسائل إعلام مختلفة أن أوباما قال إن روسيا ستدفع غاليا ثمن سياستها. وينبغي التوجه إلى الرئيس واستدعاء السفير الروسي في الولايات المتحدة». وكان أوباما أعلن أول من أمس من البيت الأبيض أن الولايات المتحدة «قلقة بشدة حيال المعلومات عن تحركات للقوات قام بها الاتحاد الروسي في أوكرانيا». وأضاف في تحذير إلى موسكو أن «الولايات المتحدة متضامنة مع المجتمع الدولي للتشديد على أن أي تدخل عسكري في أوكرانيا سيكون له ثمن».

وفي المناطق الأوكرانية الموالية لروسيا، سيطر المحتجون المناهضون للسلطات الجديدة في كييف، أمس، على مدن أخرى بينها أوديسا ودنيبرو، إضافة إلى مدينة دونتسك، التي تعد مسقط رأس الرئيس المعزول فيكتور يانوكوفيتش وقاعدة سلطته. وأصيب عشرات الأشخاص في اشتباكات أمس عندما اقتحم نشطاء مؤيدون لروسيا مقر الحكومة الإقليمية في مدينة خاركيف بالشرق الأوكراني ورفعوا العلم الروسي. وقالت وكالة «يونيان للأنباء» إن آلافا تجمعوا خارج المبنى أثناء احتجاج على زعماء أوكرانيا الجدد، الذين أطاحوا بالرئيس يانوكوفيتش الأسبوع الماضي. وأشارت أعمال العنف إلى أن زعماء أوكرانيا الجدد قد يواجهون معارضة في المناطق الأوكرانية التي تسكنها أغلبية تتحدث اللغة الروسية وتعارض المسار المؤيد للغرب الذي تنتهجه الحكومة الجديدة في كييف.

وفي سيمفروبول، عاصمة جمهورية القرم الأوكرانية، أعلن المتحدث باسم رئيس الوزراء الموالي للروس في هذه المنطقة التي تتمتع بحكم ذاتي سيرغي أكسينوف أمس أن الاستفتاء حول حكم ذاتي موسع سيجري في 30 مارس (آذار) الحالي بعدما كان مقررا في 25 مايو (أيار) المقبل. وقال أكسينوف في تصريح لوسائل الإعلام الروسية «انطلاقا من الوضع وعلما بأن النزاع تجاوز حدود المنطق، قررنا تسريع تنظيم الاستفتاء الذي بات موعده في الوقت الراهن الثلاثين من مارس». وكان برلمان شبه جزيرة القرم، الموالية للروس في جنوب أوكرانيا، صوت الخميس على تنظيم استفتاء في 25 مايو حول المزيد من الحكم الذاتي. والسؤال الوحيد في هذا الاستفتاء سيكون التالي: «هل توافق على سيادة دولة القرم داخل أوكرانيا؟»، أي تعزيز الحكم الذاتي في القرم داخل أوكرانيا. وتتمتع منطقة القرم بوضع جمهورية ذات حكم ذاتي داخل أوكرانيا. ومنذ ثلاثة أيام، تمركزت فرق كوماندوز تضم جنودا مجهولي الهوية حول المؤسسات المحلية ومطاري سيمفروبول وسيباستوبول. وجمهورية القرم التي تقطنها غالبية من الناطقين بالروسية، هي المنطقة الأوكرانية التي تعارض بشدة السلطات الجديدة التي تولت الحكم في كييف. وانتمت في بادئ الأمر، داخل الاتحاد السوفياتي، إلى روسيا قبل أن تنضم إلى أوكرانيا في 1954. ولا تزال مقرا للأسطول الروسي في البحر الأسود في إطار اتفاق بين البلدين.

وفي كييف، دعا أحد أبرز القادة السياسيين الأوكرانيين فيتالي كليتشكو أمس البرلمان إلى إعلان «التعبئة العامة» في مواجهة ما عده «عدوانا روسيا» في أوكرانيا. وقال كليتشكو في بيان «على البرلمان أن يطلب من قائد الجيش إعلان التعبئة العامة بعد بدء العدوان الروسي على أوكرانيا»، داعيا أيضا إلى اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي.

من جانبهما، عبرت فرنسا وألمانيا أمس عن قلقهما إزاء الوضع في منطقة القرم، وأكدتا على حماية «وحدة وسلامة أراضي أوكرانيا». وقال رئيس الوزراء الفرنسي جان ماري آيرولت إن «وحدة وسلامة أراضي أوكرانيا يجب أن تحترم». وأضاف آيرولت على هامش مؤتمر للحزب الاشتراكي الأوروبي في روما «يجب فعل كل شيء لاحترام وحدة وسلامة أراضي أوكرانيا بالكامل»، موضحا أن هذا «يتطلب من الجميع حسا كبيرا بالمسؤوليات، والأمر يطبق أولا على القوى السياسية الأوكرانية بحد ذاتها وكل شركاء أوكرانيا». وتابع «الأوكرانيون يريدون الديمقراطية ويمكننا فهمهم. إنهم يتوجهون إلى أوروبا والديمقراطيات الأوروبية، على الأوكرانيين بناء مستقبلهم». كما صرح وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في باريس «ندعو كل الأطراف إلى الامتناع عن القيام بتحركات يمكن أن تؤجج التوتر وتمس وحدة وسلامة أراضي أوكرانيا».

وفي برلين، عبرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في خطاب أمس عن قلقها من الوضع في القرم. وقالت إن «ما نشهده حاليا في القرم يثير قلقنا»، مشددة على ضرورة «حماية وحدة وسلامة أراضي أوكرانيا». وأضافت «طبيعي أن ما ينبغي فعله هذه الأيام هو الحفاظ على الوحدة الترابية لأوكرانيا»، مشيرة إلى أن «كثيرين يعملون بجهد في سبيل ذلك عبر اتصالات هاتفية عدة مع الرئيس الروسي والمسؤولين الأوكرانيين».

ومضى رئيس المفوضية الأوروبية مانويل جوزيه باروسو الحاضر في برلين في الاتجاه ذاته وقال: «إن التحديات التي تواجهها منطقة القرم يجب أن يتم التعامل معها في إطار احترام وحدة أوكرانيا وسيادتها». وأضاف: «آمل أن يطبق المجتمع الدولي مبادئه ويضمن السلم الإقليمي والدولي». وفي بيان أمس، قال وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير إن «تطورات الساعات الأخيرة في أوكرانيا خطرة وخصوصا في القرم، حيث تفاقمت خطورة الوضع». ونبه شتاينماير روسيا إلى أن كل ما تفعله في القرم «يجب أن يجري بالتناغم التام مع سيادة أوكرانيا ووحدتها الترابية والمعاهدات الخاصة بالأسطول الروسي في البحر الأسود». ودعا روسيا إلى «اعتماد الشفافية في تحركات قواتها في القرم وأيضا في نياتها وأهدافها». وأضاف: «نحن على اتصال وثيق مع شركائنا. ومن وجهة نظري، من الضروري أن نتشاور نحن الأوروبيين سريعا للتوصل إلى موقف مشترك للاتحاد الأوروبي».