إردوغان «يكسر الجرة» مع غولن بإقرار قانون يحرمه من «المال والنفوذ»

نائب من العدالة لـ «الشرق الأوسط» : لن نوقف الحملة على الدولة الموازية

مئات المتظاهرين ينثرون في أنقرة أمس نسخا غير حقيقية لعملة اليورو مطبوع عليها صورة رجب طيب إردوغان رئيس الحكومة التركية في إشارة إلى اتهامه بتخزين ملايين اليورو ببيته (أ.ف.ب)
TT

كسر رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان «الجرة» مع حليفه السابق، الداعية الإسلامي فتح الله غولن، بإقرار البرلمان التركي قانونا يلغي تدريجيا «المدارس الخاصة» التي تديرها جماعة غولن في البلاد وتحظى من خلالها بمردود مالي وشعبي بالإضافة إلى النفوذ من خلال خريجي هذه المدارس وغيرها من المؤسسات الأكاديمية التي يديرها غولن، المقيم منذ عقود في الولايات المتحدة.

وكان مشروع إقفال هذه المدارس هو السبب الرئيس للأزمة التي اندلعت الصيف الماضي، وهي مجموعة من المدارس الخاصة التي تعمل على تقوية التلاميذ لإعدادهم للدخول إلى الجامعات والثانويات الرسمية التركية، التي تقدم مقاعد محدودة يتنافس عليها مئات آلاف التلاميذ. ويرى مصدر رسمي تركي أن هذه المدارس «تلغي الفرص المتساوية» بين المواطنين الأتراك، بحيث تعطي الأغنياء وأصحاب النفوذ الفرصة للدخول إلى الجامعات وتبوؤ المراكز العليا في الدولة ومؤسساتها على حساب محدودي الدخل. واعترف المصدر لـ«الشرق الأوسط» بـ«أسباب سياسية» أيضا وراء الإقفال، معتبرا أن الجماعة تدخل إلى هذه المدارس بالمجان من تريد إيصالهم إلى المراكز العليا في الدولة وفي المؤسسات الخاصة، وهؤلاء يدينون بالولاء لهذه الجماعة لا للحكومة، مشيرا إلى أن ما حصل في الآونة الأخيرة من تداعيات، يؤكد حقيقة هذا الأمر، في إشارة غير مباشرة منه إلى ما تتهم به الحكومة غولن من مد لنفوذه في أوساط الشرطة والقضاء، ووقوفه وراء عملية 17 ديسمبر (كانون الأول) التي أوقف خلالها عدد من أبناء المسؤولين، ومقربون من إردوغان بتهم فساد.

وأقر البرلمان التركي في جلسة امتدت إلى وقت متأخر من ليل الجمعة - السبت القانون الذي ينص على إقفال هذه المدارس في مهلة أقصاها سبتمبر (أيلول) 2015، وسط رفض نواب المعارضة لم يحل دون إقراره بأصوات نواب حزب العدالة والتنمية الذي يرأسه إردوغان ويتمتع بالأغلبية المطلقة في البرلمان.

ويرى الكاتب والمحلل السياسي التركي مصطفى أوزجان أن إقرار القانون هو بمثابة «إعلان حرب شاملة ضد غولن». وجاء هذا المشروع تتويجا لحملة واسعة قام بها إردوغان لتقليص نفوذ الجماعة بإقرار قانون جديد ينظم عمل السلطة القضائية التي يعتقد أن لغولن نفوذا واسعا، كما أجرى مناقلات واسعة في صفوف الشرطة طالت مؤيدي الداعية الإسلامي، بالإضافة إلى قانون للرقابة على الإنترنت يهدف من خلاله إلى منع عملية التسريبات التي يتهم الحزب الحاكم جماعة غولن بالوقوف خلفها وآخرها التسجيل الصوتي المنسوب لإردوغان ونجله، ويوحي بتورطه شخصيا في قضايا فساد. وهو تسجيل نفاه إردوغان، وعده أنه حصيلة «عملية مونتاج».

ويلاحظ أوزجان أن هناك وضعا من عدم الاستقرار في البلاد نتيجة هذه الحرب المفتوحة بين الجانبين، مشيرا إلى أنه لا يستطيع التكهن بمجرياتها ونتائجها، مبررا ذلك بأن الرأي العام هو إجمالا مع الحكومة، لكن الجماعة تشكل قوة فعلية داخل الدولة، والطرفان يقومان بما يستطيعان للفوز بهذه المعركة.

وتقول النائبة عن حزب الشعب الجمهوري المعارض مالدي أونور إن السبب الذي يكمن وراء إعادة طرح ملف التغيرات القانونية للمجلس الأعلى للقضاء لمناقشته ثم إقراره من قبل البرلمان، هو تخوف الحكومة من الادعاء ومن القضاء الذي قد يقوم بفتح التحقيق في العشرات من ملفات الفساد التي يتورط بها الوزراء والنواب وحتى رأس الحكومة. واستخفت بما تتحدث به الحكومة وأنصارها عن وجود «دولة موازية» داخل الدولة، مشيرة إلى أن ما يسمونهم بـ«الهيكلية الموازية» ويتهمونهم بالتأمر عليهم، هم من كانوا شركاء لهم في الحكم لمدة 12 عاما. وهم يعلمون بأن الهيكلية تمتلك العشرات من الملفات والتسجيلات ضدهم، ولهذا يحاولون الهيمنة الكاملة على القضاء من خلال إصدار قانون جديد لهيكلة المجلس الأعلى للقضاء والنيابة حتى يكون تحت سيطرتهم مباشرة، مما سيتيح لهم إغلاق أو مسح أي ملفات حكومية تتعلق بالفساد.

واستبعدت النائبة المعارضة أن يمتنع رئيس الجمهورية عبد الله غل عن توقيع القانون الجديد بعد أن وقع قانونين سابقين مثيرين للجدل. وقالت: «إن الجميع يعرف بأن مكانة وموقع رئيس الدولة في قصر الرئاسة تتحول إلى كاتب عدل بالنسبة للحكومات التي تسيطر على أغلبية البرلمان، ولكني أعتقد بأن الرئيس غل لن يكون هكذا خاصة، لأنه رجل يتمتع بأفق ونظرة عالمية أوسع من أعضاء الحكومة نفسهم، لأن تلك القوانين ستضع تركيا في خانة الدول التي تحكم بالديكتاتوريات».

أما ياسين أقتاي، النائب عن حزب العدالة والتنمية الحاكم فقد أشار إلى أن الحكومة أرادت من تغير قانون المجلس سحب البساط من تحت أقدام من حول القضاء والسلطة القضائية إلى دمية تخدم مصالح مجموعة قليلة من الشعب تحرك من خارج البلاد». وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «هدفنا تحويل القضاء إلى مؤسسة تخدم الشعب بجميع أطيافه دون أي تمييز، ولكن المعارضة تستخدم نفس الأسلوب الذي تستخدمه منذ 12 عاما فقط وهو الاعتراض من أجل الاعتراض».

وأكد أقتاي أن «الحكومة لن تتوقف عن مكافحة الهيكليات الموازية للدولة لا اليوم ولا بعد الـ30 من مارس (آذار)، حيث موعد الانتخابات البلدية، وستستمر هذه الحرب على الهيكليات إلى أن نجفف منابعها، ولن نسمح للجماعة بأن تدير الدولة حسب أهوائها ومصالحها، فإذا كانوا يريدون الحكم في البلاد فليتفضلوا ويبنوا حزبا سياسيا ويخوضوا الانتخابات بالطرق الديمقراطية المتعارف عليها فإذا فازوا هنيئا لهم».

إلى ذلك، أعلن نائب رئيس الكتلة البرلمانية لحزب «العدالة والتنمية» مصطفى علي طاش، عن تأجيل مناقشة مشروع قانون توسيع مهام وصلاحيات جهاز المخابرات إلى ما بعد الانتخابات المحلية.