خادم الحرمين الشريفين للعلماء والمفكرين: الأوطان الإسلامية تمر بحالة عصيبة زعزعت أمنها واستقرارها

أمير منطقة مكة المكرمة افتتح نيابة عنه المؤتمر العالمي الثاني «العالم الإسلامي.. المشكلات والحلول»

الأمير مشعل بن عبد الله لدى افتتاحه المؤتمر العالمي الثاني في مكة المكرمة أمس (تصوير: أحمد حشاد)
TT

أكد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، أن ما تمر به الأوطان الإسلامية من حال عصيبة، زعزعت أمنها واستقرارها، «أضعفت التواصل بين دول العالم الإسلامي وشعوبه، تستوجب ضرورة تكثيف بذل الجهود من المخلصين لنشر ثقافة التصالح والتسامح والاعتدال، ودعم جهود التضامن لرأب الصدع الذي أصاب الصف الإسلامي، والوقوف في وجه كل من يحاول المساس بديننا ووحدتنا».

وشدد الملك عبد الله على أن حرص بلاده على تحقيق التضامن بين المسلمين «أمر مستقر لا تتزحزح عنه ولا تتهاون فيه، لأنه التزام ناشئ من الأسس التي قامت عليها»، مبينا أن رعاية وحدة الأمة وتحقيق تضامنها «أصل من أصول الكتاب والسنة اللذين هما دستور المملكة والأساس لأنظمتها كافة».

وبين الملك عبد الله أن رؤية السعودية تقوم على الشمولية في المسؤولية نحو تحقيق التضامن، وأن هذه المهمة لا تناط بالحكومات والقادة السياسيين وحدهم، «بل لا بد من تعاون المنظمات والهيئات غير الحكومية وكذلك العلماء ورجال الفكر والدعوة والإعلام».

جاء ذلك ضمن كلمته التي ألقاها نيابة عنه الأمير مشعل بن عبد الله بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة، الذي افتتح بالنيابة عن خادم الحرمين الشريفين المؤتمر العالمي الثاني «العالم الإسلامي.. المشكلات والحلول» الذي تعقده رابطة العالم الإسلامي في مقرها بمكة المكرمة وانطلق أمس، وقال أمير منطقة مكة المكرمة خلال تقديمه كلمة خادم الحرمين:

«أصحاب المعالي والفضيلة والسعادة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد، فقد شرفني سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله بنقل تحياته الكريمة لكم، وترحيبه بكم في بلدكم الثاني المملكة العربية السعودية، وافتتاح هذا المؤتمر نيابة عن مقامه الكريم وإلقاء كلمته التالية:

أصحاب المعالي والفضيلة والسعادة أشكر رابطة العالم الإسلامي والمسؤولين فيها على عقد هذا المؤتمر مؤتمر العالم الإسلامي الثاني بعنوان (العالم الإسلامي.. المشكلات والحلول) واختيار التضامن الإسلامي موضوعا لأبحاثه ومناقشاته، فبالتضامن تتوافق جهودكم على المستويات الشعبية مع جهود القادة على المستويات الرسمية وتلتقي على خدمة أمتنا الإسلامية التي تعيش اليوم حالة حرجة من الفتن والصراع المرير، حتى أصبح إزهاق الأرواح من كثرته وتكراره أمرا مألوفا لا يثير هولا ولا استفظاعا، ناهيك عن ما تخلفه تلك الفتن والصراعات من هدم العمران وتردي الاقتصاد وتخلفه، وتعرض الأفراد والأسر لما لا يخفى عليكم من العناء والمآسي، وما يحل بالشعب السوري الشقيق منذ ثلاث سنين ما هو إلا مثال شاهد على ذلك.

إن هذه الحالة العصيبة التي أقلقت الكثير من الأوطان الإسلامية وزعزعت أمنها واستقرارها، وأضعفت التواصل بين دول العالم الإسلامي وشعوبه تستوجب ضرورة تكثيف بذل الجهود من المخلصين لنشر ثقافة التصالح والتسامح والاعتدال، ودعم جهود التضامن لرأب الصدع الذي أصاب الصف الإسلامي، والوقوف في وجه كل من يحاول المساس بديننا ووحدتنا امتثالا لقول رسولنا صلى الله عليه وسلم: (إن الله يرضى لكم ثلاثا؛ أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم).

والمؤمل - بعد الله عز وجل - فيكم أيها العلماء والدعاة وأصحاب التأثير الفكري والتوجيه الاجتماعي أن تكونوا على قدر ما آتاكم الله من نعمة العلم والفهم والدراية بعلل الأمة وأدويتها وأن تسهموا بما تستطيعون في لم شملها ورأب صدعها ونشر ثقافة التصالح والحوار والوسطية بين مختلف فئاتها وأن تحذروا شبابها من الانزلاق في مسارب الغلو والعصبية للآراء أو الأحزاب أو الطوائف أو الانتماءات الخاصة.

أيها الإخوة، إن حرص المملكة العربية السعودية على تحقيق التضامن بين المسلمين أمر مستقر لا تتزحزح عنه ولا تتهاون فيه لأنه التزام ناشئ من الأسس التي قامت عليها، فرعاية وحدة الأمة وتحقيق تضامنها أصل من أصول الكتاب والسنة اللذين هما دستور المملكة والأساس لأنظمتها كافة، ومن المعلوم أن الانتساب لهذه الأمة يقتضي واجبات من العمل على إصلاح أحوالها والحفاظ على دينها، ووحدة كلمتها والذب عنها، ولا يمكن أن يحفظ لها دينها من دون سياج من اللحمة والتعاضد بين شعوبها وحكوماتها ودولها.. قال جل من قائل: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)، وروى النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر).

لقد أعطت المملكة اهتماما عمليا للتضامن المنشود وعملت له في الماضي والحاضر من خلال الأطر التي تربطها بالدول والشعوب الإسلامية، وما دعوتنا الأخيرة إلى مؤتمر القمة الاستثنائي الرابع الذي كان موضوعه التضامن الإسلامي الذي عقد في رمضان من عام 1433هـ، بجوار بيت الله الحرام قبلة الإسلام ومهوى أفئدة المسلمين، إلا رعاية لهذا المبدأ والأصل المتين، وقد كان الهدف من عقده بجوار بيت الله الحرام أملا في أن يكون المكان الطاهر، مذكرا بأهمية الوحدة والتعاون بين أبناء الأمة الذين يولون وجوههم شطره كل يوم ويتبعون الرسالة التي انطلقت منه يتبعون رسالة الحق والعدل والتوحيد والإنسانية رسالة الرحمة والخير للبشرية جمعاء.

ولا يفوتنا في هذا المقام أن ننوه بأن رؤية المملكة تقوم على الشمولية في المسؤولية نحو تحقيق التضامن فلا تناط هذه المهمة بالحكومات والقادة السياسيين وحدهم، بل لا بد من تعاون المنظمات والهيئات غير الحكومية وكذلك تعاون العلماء ورجال الفكر والدعوة والإعلام وكل ذي تأثير في الرأي العام، وأن الأمر يحتاج إلى إخلاص النيات وتنسيق الجهود في إعداد البرامج والمشاريع المناسبة وتهيئة الشعوب إعلاميا وثقافيا.

وترى المملكة أن التضامن الإسلامي تتحدد قيمته بالأهداف المتوخاة منه ومن أهمها جمع الكلمة، وتوحيد الصف، وإخماد بؤر الصراع وأسباب الفتن وتجميع قدرات الأمة على ما يصلح حالها ويبعد عنها الشرور ويرفعها إلى مستوى المشاركة العالمية في خدمة القضايا الإنسانية.

ولا ريب أن العوائق كثيرة ولكنها تهون - بإذن الله - متى ما توافرت الاستعانة بالله، والثقة بوعده بالعون والتوفيق، وقد لا تؤتي المحاولة الأولى ثمارها من النجاح لكن ينبغي أن لا يثنينا ذلك عن إعادة الكره وتكرار المحاولة، فقد رأينا في سنن الله التي أجراها في خلقه، وأن الصبر مطية النجاح وأن طريقه محفوف بالمشقة والمكاره، وأن صدق النية وقوة العزيمة جناحان يبلغ بهما صاحبهما مبتغاه ويحقق مرامه.

والأمل في الخالق سبحانه وتعالى أن يحقق لنا مرادنا، ثم في الرابطة وأمثالها من الهيئات والمنظمات الشعبية أن تقوم بجهود التوعية بأهمية التضامن الإسلامي وضرورته لإصلاح أحوال الأمة والنهوض بها.

وفي الختام أشكر رابطة العالم الإسلامي بقيادة رئيس مجلسها الأعلى وأمينها العام، على ما تسهم به من جهود متميزة في توعية الأمة بواجباتها نحو دينها وأوطانها وقضاياها ورد الشبهات والأباطيل الموجهة ضد الإسلام وحضارته ورموزه ومقدساته، سائلا الله تعالى أن يكلل أعمالكم بالنجاح والتوفيق لما فيه الخير للأمة الإسلامية جمعاء، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».

وكانت أعمال المؤتمر بدأت بالقرآن الكريم، فيما ألقيت كلمة المشاركين في المؤتمر ألقاها بالنيابة عنهم رئيس مجمع الفقه الإسلامي بالسودان الدكتور عصام الدين بن أحمد البشير الذي أكد أن هذا المؤتمر الجامع يعد ثمرة لمؤتمر القمة الإسلامية للتضامن برعاية خادم الحرمين الشريفين في بلاد لها في عنق كل مسلم يد سلفت ودين مستحق، وأكد أن التضامن ودرء آفات الفتنة والتشرذم هو الذس يصبو إليه الجميع لمناقشة قضاياه وهمومه.

فيما ألقى الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي كلمة، أكد خلالها أن الأمة الإسلامية تتعرض اليوم لمحن أليمة، مما يستوجب على كل ذي تأثير فيها أن يسهم بما يستطيع في تجاوزها أو تخفيفها، وقال: «لقد تابعت الرابطة مؤتمر القمة الاستثنائي الرابع، المنعقد في مكة المكرمة في رمضان عام 1433هـ، بدعوة ورعاية خادم الحرمين الشريفين حول التضامن الإسلامي، ورأت أن تسهم في تنفيذ توصياته، فجاء عقد هذا المؤتمر لتوعية الأمة بأهمية التضامن الإسلامي ونشر ثقافته بين فئاتها المختلفة، والاهتمام بالمشاريع والبرامج العملية ودعم مؤسسات التواصل والتعاون بين المسلمين، والتصدي لما يزعزع الثقة بينهم.

وبين الدكتور التركي أن الدعوة إلى التضامن الإسلامي انطلقت منذ أن أنشئت الرابطة قبل 50 سنة لإصلاح ما تأثر في تلك الحقبة العصيبة من المبادئ والقيم التي تجمع الأمة وتصل بعضها ببعض، وتذكر وعيها وضميرها بأن انتماءها الإسلامي الجامع لم يكن في يوم من الأيام إلا عاملا من عوامل الوئام والتعايش بين المكونات القومية والعرقية والطائفية لشعوبها، وأكد أن خادم الحرمين الشريفين يقوم بجهود عظيمة في جمع شمل الأمة الإسلامية وتضامنها.

وأوضح أن التوعية بضرورة التضامن للأمة والعمل على تحقيقه مسؤولية مشتركة بين الجهات الرسمية والشعبية، مبينا أن من أبرز العوائق أمام التضامن الإسلامي تتمثل في الواقع الإسلامي وتصور الحلول لمشكلاته بمنطلقات تتنكر لتراث الأمة الذي يختزن ثقافتها ويحافظ على هويتها الإسلامية المنطلقة من رسالة خاتم الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام.

ورأى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي أن مما يؤثر على وحدة الأمة التعصب الطائفي والحزبي، اللذين زاد انتشارهما، محملا وسائل الإعلام ومؤسسات العلم والدعوة والثقافة مسؤولية كبيرة في تأصيل ثقافة التضامن في نفوس الناس، وتحقيقه في مختلف المجالات والتخصصات وتحذير الأمة من التحزب والطائفية المثيرة للعداء وإذا خلصت النوايا، وأخذ المسلمون بالأسباب فإن النتائج ستكون إيجابية وهذا ما طمح إليه خادم الحرمين الشريفين، في الاهتمام بتضامن المسلمين وعقد مؤتمر القمة الاستثنائي لزعمائهم من أجله.

من جانبه ألقى الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ مفتي عام المملكة رئيس المجلس الأعلى لرابطة العالم الإسلامي كلمة، دعا فيها الأمة إلى أن تسعى إلى وحدة الكلمة في التعاون والتضامن على مواجهة التحديات، مطالبا وسائل الإعلام الإسلامية بأن تقوم بدورها في تعزيز وحدة المسلمين وتضامنهم.