حكومة كييف تتهم موسكو بـ«إعلان الحرب» بعد محاصرة قواتها في القرم

أوكرانيا تتأهب عسكريا وتقيل قائد سلاح البحرية بتهمة «الخيانة»

عسكر أوكرانيون محاصرون داخل ثكنتهم في القرم أمس (إ.ب.أ)
TT

شهدت أوكرانيا تصعيدا عسكريا وسياسيا أمس، مع تفاقم الأزمة التي اندلعت بعد الإطاحة بالرئيس الموالي للروس فيكتور يانوكوفيتش وإرسال قوات روسية إلى جزيرة القرم. واتهمت الحكومة الأوكرانية روسيا أمس بـ«إعلان الحرب» عليها مع فقدان سيطرتها سريعا على شبه جزيرة القرم.

وقال رئيس الوزراء الأوكراني ارسيني ياتسينيوك أمس إثر توعد روسيا بالتدخل عسكريا في أراضي بلاده «إذا أراد الرئيس (الروسي فلاديمير) بوتين أن يكون الرئيس الذي بدأ حربا بين بلدين جارين وصديقين، فإنه على وشك تحقيق هدفه. نحن على شفير كارثة». وأضاف متحدثا بالإنجليزية لإسماع ندائه بوضوح للغرب «أنه الإنذار الأحمر. هذا ليس تهديدا إنه في الواقع إعلان حرب على بلادي».

من جهته، كرر الرئيس الأوكراني الانتقالي الكسندر تورتشينوف أن كييف تأمل بالتوصل إلى حل «سلمي» للأزمة. لكن مسؤولا كبيرا أعلن تعبئة جنود الاحتياط الأوكرانيين بهدف ضمان «أمن الأراضي وسلامتها». وتأهبت أوكرانيا عسكريا بينما نشرت صورا لمتطوعين أوكرانيين يتوجهون إلى مراكز تطوع للجيش بعد الأنباء عن محاصرة قاعدة عسكرية في القرم.

وحصل بوتين على تفويض من برلمانه أول من أمس باستخدام القوة العسكرية لحماية المواطنين الروس في أوكرانيا مما دفع الدول الغربية إلى مناشدته عدم التدخل. وسيطرت القوات الروسية بالفعل دون إراقة دماء على القرم وهي شبه جزيرة منعزلة في البحر الأسود بها قاعدة بحرية روسية. وحاصرت موسكو أمس عدة مواقع عسكرية أوكرانية صغيرة هناك وطالبت القوات الأوكرانية بترك سلاحها. ورفض بعض الجنود إلقاء سلاحهم لكن لم يتم إطلاق أعيرة نارية. وأجرت روسيا مناورات حربية شارك فيها 150 ألف جندي على طول الحدود البرية بين البلدين لكنهم لم يعبروا حتى الآن. غير أن متظاهرين مؤيدين لروسيا نظموا مسيرات في شرق البلاد ورفعوا الأعلام الروسية على المباني الحكومية في عدة مدن فيما تقول كييف بأنه تحرك دبرته موسكو لتبرير غزو أوسع. وأعلن أندريه باروبي الأمين العام لمجلس الأمن الأوكراني أن المجلس أمر هيئة الأركان العامة بأن تضع على الفور القوات المسلحة بالكامل في حالة التأهب القصوى. وتلقت وزارة الدفاع أوامر باستدعاء جميع قوات الاحتياط وهو ما يعني نظريا أن جميع الرجال حتى سن 40 سنة في بلد التجنيد فيه إلزامي على الرجال انضموا للجيش الأوكراني غير أن أوكرانيا ستواجه صعوبة لإيجاد أسلحة إضافية وملابس عسكرية لأعداد كبيرة منهم.

وأعلنت وزارة الدفاع الأوكرانية في بيان صباح أمس أن ألف مسلح حاصروا مدخل مقر تابع لوحدة من حرس الحدود الأوكرانيين في القرم لإرغام الأوكرانيين على إلقاء السلاح. ويذكر أن المسلحين كانوا في لباس عسكري ولكن من دون أعلام أو دلائل واضحة تثبت أنهم روس، وامتنعوا عن الحديث مع الصحافيين في المنطقة، ليتحاشوا الكشف عن هويتهم. وقالت الوزارة الأوكرانية بأن «اللواء 36 من حرس الحدود في بيريفالن (قرب سيمفيروبول كبرى مدن القرم) محاصر من قبل نحو ألف رجل مسلح و20 شاحنة. هناك خطر وقوع هجوم»، من دون توضيح جنسية المسلحين. وبحسب وسيلة إعلامية محلية، فإن نحو 400 عسكري أوكراني من سلاح البحرية محاصرون صباح أمس في قاعدتهم البحرية في فيودوسيا على بعد 200 كلم من سيمفيروبول، من قبل عسكريين روس يطالبونهم أيضا بإلقاء السلاح.

وفي تطور هز الأوساط العسكرية والسياسية الأوكرانية أمس، أعلن قائد سلاح البحرية الأوكرانية الأميرال دنيس بيريزوفسكي ولاءه للسلطات الموالية للروس في شبه جزيرة القرم، وذلك في مؤتمر صحافي عقده في مقر قيادة أركان الأسطول الروسي في سيباستوبول. وقال الأميرال بيريزوفسكي: «أعلن الولاء لسكان جمهورية القرم ذات الحكم الذاتي (...) أقسم بالطاعة لأوامر القيادة العليا لجمهورية القرم ذات الحكم الذاتي».

من جهته رحب رئيس حكومة القرم سيرغي اكسيونوف الموالي للروس في مؤتمر صحافي بهذا «الحدث التاريخي» عادا أن الأميرال بيريزوفسكي يوافق بذلك على وضع نفسه «تحت أوامر السلطات الشرعية في شبه جزيرة القرم.

وكان الرئيس الأوكراني الانتقالي تورتشينوف عين الأميرال بيريزوفسكي الجمعة الماضي على رأس سلاح البحرية الأوكرانية.

ووجهت أوكرانيا تهمة الخيانة لقائد البحرية، إذ أعلنت فيكتوريا سيومار نائب سكرتير مجلس الأمن الأوكراني: «خلال حصار القوات الروسية للمقر الرئيسي للبحرية رفض إبداء المقاومة وألقى أسلحته». وأضافت: «بدأ مكتب المدعي العام قضية جنائية ضد دينيس بيريزوفسكي بموجب القانون 111 خيانة الدولة». وتم تعيين الأميرال سيرهي هايدوك قائدا للبحرية بدلا منه. وسحبت أوكرانيا سفن خفر السواحل من ميناءين في القرم ووجهتهما إلى قاعدتين أخريين في البحر الأسود أمس في مؤشر على أن القوات الروسية تستكمل سيطرتها على شبه الجزيرة المطلة على البحر الأسود. وقال خفر السواحل في بيان بأن السفينتين انتقلتا من ميناءي كريتش وسيفاستوبول إلى ميناءي أوديسا وماريوبول. وأضاف البيان أن الوضع على حدود أوكرانيا مستقر باستثناء القرم. وكانت أجواء التوتر عالية في القرم بين الجانبين رغم عدم تسجيل أي مواجهات بين الطرفين.

وفي عاصمة القرم، كانت الشوارع المؤدية إلى وسط المدينة مقطوعة فيما توارى المسلحون الذين كانوا استولوا على مبنى البرلمان الخميس الماضي، لكنهم بقوا قرب مبنى الحكومة المحلية الذي رفع عليه العلم الروسي.

وسعيا إلى تهدئة الوضع في مناطق شرق أوكرانيا الناطقة بالروسية والتي شهدت اضطرابات ومظاهرات خلال اليومين الماضيين، أفادت وسائل الإعلام الأوكرانية أن الحكومة المركزية ستعلن تعيين رجلي الأعمال الأوكرانيين سيرغي تاروتا وايغور كولومويسكي حاكمين لمنطقتي دونيتسك ودنيبروبيتروفسك.

وتجمع نحو خمسين ألف شخص ظهر أمس في ساحة الميدان وسط كييف، وعلت أصواتهم بهتافات تخاطب روسيا منها «لن نستسلم»، فيما حمل بعضهم لافتات تحمل شعارات مناهضة للرئيس الروسي. وخاطب الرئيس الجورجي السابق الموالي للغرب ميخائيل ساكاشفيلي الحشد من على المنصة قائلا: «لقد تدخل بوتين في بلادكم، هذا ليس دليل قوة بل دليل احتضار».