الكويت تتريث تجاه الأزمة الخليجية وتهدف لاحتوائها خلال ثلاثة أسابيع

TT

رغم رئاسة الكويت للدورة الحالية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية فإنها لم تعلن موقفها من قرار نصف أعضاء مجلس التعاون سحب سفرائهم من «شقيقتهم» قطر.

المتابع للدبلوماسية الكويتية يعلم جيدا أسباب تحفظ الكويت على التعليق، فهي دولة تعتمد دبلوماسيا على شبكة من العلاقات الدولية التي تبقيها دائما بالمنتصف وعلى مسافة واحدة من الجميع، حتى لو كلفها ذلك تحفظ بعض الأطراف على حياديتها.

وعلى مدى عامين، استحدثت الكويت مكانة إقليمية ودولية عبر استضافتها أكثر من قمة ومؤتمر عالمي من بينها مؤتمر التعاون والحوار الآسيوي ومؤتمرا دعم الأوضاع الإنسانية في سوريا الأول والثاني، والقمة العربية الأفريقية وأخيرا القمة الخليجية في ديسمبر (كانون الأول) الماضي واستضافتها القمة العربية المقررة 25 مارس (آذار) الجاري، وهو ما أهلها لأن تحمل لقب عاصمة القمم العالمية والتي لا يمكن إغفال جانب من نجاحها لوجود عامل ثقة بين الدول والمؤسسات العالمية المشاركة والدولة المستضيفة.

الكويت التي رسم سياستها الخارجية بدقة أميرها الشيخ صباح الأحمد حينما تبوأ منصب وزير الخارجية على مدى خمسة عقود متواصلة (1963 - 2003) قبل تسميته رئيسا للوزراء ثم إعلانه أميرا للبلاد في 2006. تشاء الصدف أن تكون هي رئيسة الدورة الحالية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية.

وبدوره رعى أمير الكويت مصالحة سعودية - قطرية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي سبقت استضافة بلاده للقمة الخليجية، تمخض عنها احتواء الخلاف مؤقتا ثم استضاف الشهر الماضي في الكويت أمير قطر الشيخ تميم بن حمد ووزراء خارجية دول مجلس التعاون حول ذات الملف الذي لم يلبث أن تفجر عقب اجتماع استثنائي في الرياض لوزراء الخارجية الخليجيين برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الشيخ صباح الخالد الذي يعد من أنجب تلاميذ الشيخ صباح الأحمد خلال عمله الدبلوماسي الذي تنقل فيه بين عدة مؤسسات عالمية ودول آخرها توليه منصب سفير الكويت في الرياض قبل أن يبدأ رحلة عمله الحكومي الذي وصل به الآن نائبا أول لرئيس مجلس الوزراء ووزيرا للخارجية.

وفيما انتهت ساعات اليوم الأصعب أمس خليجيا دون إعلان الكويت موقفها من قرار سحب السفراء، كان قليلون يدركون أن الموقف الكويتي لا يمكن اتخاذه بسهولة عموما فما بالك تعليقا على سابقة خليجية بضخامة قرار سحب السفراء لعدة أسباب أبرزها أن صاحب القرار الدبلوماسي الأول في الكويت هو أميرها الشيخ صباح الأحمد يتواجد حاليا في الولايات المتحدة الأميركية حيث غادر أمس الثلاثاء المستشفى بعد إجرائه عملية جراحية بسيطة وناجحة كما ذكر الديوان الأميري الكويتي في بيان رسمي، وبالتالي لا يمكن إعلان موقف الكويت دون حصول الخارجية على توجيه مباشر لشكل الموقف ومدى مواءمته للحدث ومصلحة الكويت، وهو ما أخره بالطبع فارق التوقيت ولهذا فإن وزارة الخارجية لا تستطيع منفردة أخذ موقف رسمي في هذه المسألة دون الحصول على التوجيه الأميري.

أما الأمر الآخر المرتبط بموقف الكويت تجاه الأزمة الخليجية هو أنها هي راعية مبادرة احتواء الخلاف الخليجي القطري وبالتالي فإن أي موقف لها يجب أن يكون دقيقا ومتزنا دون أن تحسب على طرف أو يجير موقفها لمصلحة أي جانب، وهذا بحد ذاته تحد آخر يضاف على حساسية الموقف، ويزيد من ذلك أن الكويت دائما تسعى لتطبيق دبلوماسية فاعلة تعتمد قاعدة التحرك على الأرض والسعي لاحتواء الأزمة حتى عبر رحلات مكوكية يقوم بها وزير خارجيتها بين العواصم المعنية مثلما توجت جهود الدبلوماسية الكويتية بمصالحة قطرية مصرية والذي عاد بموجبها السفير القطري في القاهرة لمباشرة مهام عمله الأسبوع الماضي والتي لم تكن لولا سعي أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد لحل الخلاف بين البلدين.

وكان لافتا أمس أن رئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم هو من تطرق في تصريحه أمس عقب جلسة البرلمان إلى الأزمة الخليجية، حيث ذكر أنه يتطلع إلى أن يواصل أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد جهوده في رأب أي صدع بين الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي, وهو التصريح الذي سبق وبين أنه سيعلنه بعدما ينسق مع الخارجية الكويتية. الغانم بدوره بدأ يلعب دورا مساندا للخارجية الكويتية ينطلق من كونه الرجل الثالث بالدولة بعد الأمير وولي العهد فهو ممثل المجلس المنتخب الذي يتقاسم السلطة في الكويت بموجب الدستور المعمول به منذ 1962.

وسبق للغانم أن حمل رسالة من أمير البلاد للرئيس الإيراني حسن روحاني خلال زيارته إلى طهران الشهر الماضي للمشاركة في أعمال مؤتمر البرلمانات الإسلامية، كما ترأس وفدا نيابيا التقى مسؤولين في الاتحاد الأوروبي لبحث مسألة إعفاء المواطنين الكويتيين من الحصول على تأشيرة الدخول الشنغن وهو ذات الخط الذي تعمل عليه الخارجية الكويتية رسميا. ولخص الغانم أمس الموقف الشعبي الكويتي وإلى حد ما الخليجي بتمنيه أن «يتمكن أمير البلاد كعادته في تقريب وجهات النظر وأن يوفق في احتواء هذا الموضوع في أقرب فرصة ممكنة»، وهو ما يعني جهودا مضاعفة وتحديا جديدا للدبلوماسية الكويتية لاحتواء الأزمة الخليجية خلال أقل من ثلاثة أسابيع وهو الموعد الذي يفصل اليوم عن 25 مارس الجاري موعد القمة العربية التي تستضيفها الكويت.