توافق أميركي ـ فرنسي على تدابير بحق روسيا في حال عدم تراجعها عن سياستها في أوكرانيا

الإليزيه ينبه لانعكاسات سلبية على علاقات موسكو بالأسرة الدولية

TT

لم تنجح الضغوط الأميركية والأوروبية حتى الآن في زحزحة موسكو عن موقفها ولا في إلزامها بالتراجع عن الخطوات العسكرية والسياسية التي اتخذتها في أوكرانيا. وما زال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصم أذنيه عن النداءات والدعوات والإدانات التي تنصب عليه من كل حدب وصوب لحمله على قبول مخرج سياسي لهذه الأزمة.

وفيما يبدو أن موسكو عازمة سريعا على وضع الأسرة الدولية أمام الأمر الواقع الجديد من خلال الاستفتاء المقرر في شبه جزيرة القرم يوم الأحد القادم الذي لا يشكك أحد في أن النتيجة التي سيفرزها هي طلب ضم القرم إلى روسيا، يسعى الغربيون سلفا إلى نزع طابع الشرعية عن الاستفتاء وإلى التنبيه للنتائج المترتبة عليه.

وأصدر قصر الإليزيه بيانا عقب اتصال هاتفي مطول بين الرئيسين الأميركي والفرنسي تضمن تحذيرا لروسيا من أن «غياب أي تقدم» باتجاه مخرج سياسي للأزمة الأوكرانية فإن «تدابير جديدة سيجري اتخاذها ومن شأنها الإضرار بالعلاقات بين روسيا والأسرة الدولية، الأمر الذي لا يخدم مصلحة أحد».

كما أن البيان ندد باستفتاء الأسبوع المقبل في القرم باعتبار أن «لا قاعدة شرعية له»، وطالب روسيا بسحب قواتها التي وصلت إلى القرم منذ نهاية فبراير (شباط) الماضي والسماح بنشر المراقبين الدوليين المنتمين إلى منظمة الأمن والتعاون الاقتصادي التي لم يسمح لها حتى الآن بالوصول إلى القرم. فضلا عن ذلك، حث البيان الذي يعكس التوافق الأميركي الفرنسي الأوروبي روسيا على القبول «سريعا» بتشكيل لجنة الاتصال التي من شأنها تسهيل الحوار بين روسيا وأوكرانيا وتغليب الحل السلمي وتمكين أوكرانيا من استعادة سيادتها وسلامة أراضيها، بيد أن البيان الرئاسي لا يحدد مهلة زمنية لروسيا للبدء في ما سماه رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي خلال اجتماعهم الخميس الماضي في بروكسيل «خطوات لخفض التوتر» تحت طائلة اتخاذ عقوبات إضافية «تصاعدية»، كما أنه لم يفصل طبيعة «التدابير الجديدة» التي من شأنها، وفق بيان الإليزيه، «الإضرار بعلاقات روسيا والأسرة الدولية». لكن من الواضح أنها تشير إلى العقوبات التي يمكن أن تلجأ إليها واشنطن والعواصم الأوروبية بعد أن اكتفى الجانبان، حتى الآن، بعقوبات «سياسية ورمزية» وفق وصف مصادر فرنسية. وكان الاتحاد الأوروبي قد أقر خطة من ثلاث مراحل للتعاطي مع الأزمة، بيد أن المصادر الفرنسية أشارت إلى وجود «تمايزات» بين المجموعة الأوروبية حول ما يتوجب القيام به لردع موسكو حيث ترفض بريطانيا (وهي أحد رعاة «تفاهم بودابست» الذي يضم روسيا والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا) العقوبات المالية التي ستصيب السوق المالية في لندن، بينما تتردد برلين وروما في فرض عقوبات اقتصادية تنعكس سلبا عليها. وبالمقابل، فإن بولندا ودول البلطيق تدفع باتجاه موقف متشدد. أما فرنسا فإنها لم تقرر حتى الآن تجميد بيع فرقاطتين من طراز ميسترال أوصت عليهما روسيا أثناء ولاية الرئيس ساركوزي.

تقول المصادر الفرنسية إنها «تعي» خطة الرئيس بوتين التي تقوم برأيها على الإسراع في وضع العالم أمام الأمر الواقع الجديد «انضمام القرم إلى روسيا» من خلال «عملية ديمقراطية» هي الاستفتاء الشعبي ومن غير إطلاق رصاصة واحدة أو مقتل شخص واحد. وبما أن الجميع، أوروبيين وأميركيين، استبعدوا سلفا اللجوء إلى الوسائل العسكرية، المباشرة أو غير المباشرة، فإن وسائل الضغط «الوحيدة» المتوافرة هي الضغوط السياسية والاقتصادية. والحال أنها أثبتت حتى الآن عدم فائدتها في لجم موسكو ومنعها من وضع يدها على القرم اليوم، وربما مناطق أوكرانية أخرى غدا. ولذا فإن التدابير «الإضافية» الواردة في بيان الإليزيه أو تلك التي جاءت في تصريح لوزير الخارجية جون كيري، حيث نبه موسكو من «إقفال الباب أمام الدبلوماسية»، يرجح أن لا تكون ذات أثر، خصوصا إذا جرى اعتمادها بعد ضم القرم إلى روسيا.

وكان البيت الأبيض قد أصدر بيانا عقب جولة مشاورات موسعة للرئيس الأميركي مع خمسة من القادة الأوروبيين لا يختلف بشيء عن بيان الإليزيه ويكرر مواقف الإدارة الأميركية التي ترى في الاستفتاء «انتهاكا للدستور الأوكراني» وفي استمرار السياسة الروسية «انتهاكا للقانون الدولي» ومغامرة «ستقودها إلى العزلة الدولية». وفي أي حال، يرى الغربيون أنه لا يمكن تنظيم استفتاء في القرم من غير موافقة الحكومة المركزية في كييف التي ترفضه وباشرت إجراءات لحل برلمان القرم.

ويرى مراقبون في باريس أن موسكو «تتبع سياسة حافة الهاوية» وتراهن على أن الغرب لن يكون له رد فعل جدي، بل سيكرر النهج الذي اتبعه عندما دخلت القوات الروسية إلى جورجيا ووصلت إلى مشارف العاصمة تبيليسي ثم دفعت إلى انفصال جمهورية أبخازيا وجمهورية أوسيسيا الجنوبية عن جورجيا وبادرت إلى الاعتراف بهما بعد عشرة أيام فقط. والحال أن التهديدات الغربية وقتها لم تتبعها أفعال جدية ونسي الغربيون جورجيا، ورهان موسكو هو أن ينسوا بعد زمن قد لا يطول شبه جزيرة القرم التي لم تصبح أوكرانية إلا في عام 1954.