الأوروبيون يستعجلون فرض عقوبات على روسيا لكنهم مختلفون على نوعيتها ومداها

فابيوس: سنجمد الودائع ونمنع التأشيرات

TT

فيما تتكامل استعدادات شبه جزيرة القرم لإعلان انفصالها عن أوكرانيا ثم في مرحلة لاحقة، انضمامها إلى روسيا الفيدرالية، يسعى الأوروبيون والأميركيون إلى بلورة رد يكون بمستوى التحدي الذي ترفعه موسكو بوجههم وينهض أساسا على العقوبات الإضافية التي سيعملون على فرضها على روسيا.

بيد أن الأمور ليست بهذه البساطة بالنسبة للأوروبيين بالدرجة الأولى بسبب الانقسامات العميقة بين صفوفهم بخصوص نوعية العقوبات المطلوبة. وقالت مصادر أوروبية لـ«الشرق الأوسط» في باريس إن المشكلة تكمن في أن كل طرف «يريد أن يتحاشى العقوبات التي تؤثر على اقتصاده ويفضل تلك التي تؤثر على الاقتصادات الأخرى». ولذا، فإن اجتماعا عقد أمس في العاصمة البريطانية على مستوى الخبراء للتنسيق بين المواقف وللنظر في نوعية العقوبات التي يمكن فرضها في إطار ما اتفق عليه رؤساء الدول والحكومات الأسبوع الماضي خلال قمتهم في بروكسيل.

وكان الأوروبيون اتفقوا على فرض عقوبات «تدريجية» من ثلاث مراحل تطبق على ضوء ردود الفعل الروسية على مطالب الغرب لجهة «خفض التوتر» في أوكرانيا. ويعني الأوروبيون والأميركيون بذلك سحب القوات الروسية التي تسيطر على المرافق الحيوية في القرم وقبول انتشار المراقبين الدوليين وقبول تشكيل «مجموعة اتصال» للتوسط والبحث عن حلول. لكن تجاهل موسكو، وفق ما أعلنه وزير خارجية فرنسا لوران فابيوس أمس، للعرض الذي قدمه الوزير الأميركي جون كيري لنظيره الروسي سيرجي لافروف ثم إعلان برلمان القرم الانفصال عن أوكرانيا واستمرار التحضير لاستفتاء الأحد واستمرار تدفق الجنود الروس وقواتهم ومدرعاتهم إلى مدن القرم الرئيسية، كل ذلك نزع من أذهان الغربيين أي أمل بالعودة إلى الوضع السابق، بحيث لم يبق من مجال أمامهم سوى السير بالعقوبات الاقتصادية.

وأمس، استمرت الاتصالات الكثيفة بين الغربيين وموسكو. وعمد فابيوس للاتصال بلافروف بعد أن كان قد تشاور مع كيري. لكن الوزير الفرنسي وأيضا رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون ونظيره البولندي دونالد تاسك يريدون استعجال بدء العمل بالسلة الجدية من العقوبات التي يمكن أن تشمل، وفق فابيوس، تجميد ودائع مواطنين ومسوؤلين روس وأوكرانيين فرض حظر على الحصول على تأشيرات أوروبية على مجموعات من الأشخاص من الجانبين. لكن حتى الآن، لم تكشف أية مصادر أوروبية بدقة هوية الجهات التي سيفرض عليها الحظر ولا إلى موعد نقطة البدء بتطبيقها.

وفيما أشار الوزير فابيوس إلى إمكانية بدء العمل بالعقوبات الجديدة «انطلاقا من الأسبوع الحالي» فإن رئيس وزراء بولندا حدد إطلاقها يوم الاثنين القادم أي بعد حصول الاستفتاء على الانضمام إلى روسيا في القرم.

وترى باريس أن الأمور متجهة إلى التصعيد باعتبار أن موسكو لم ترد على المقترحات التي نقلها كيري واعدة بطرح مقترحات «مضادة». لكن حتى الآن ما زالت الوعود وعودا. فضلا عن ذلك، فإن التهديد بالعقوبات لم تحفز الرئيس الروسي على إبطاء الخطى أو التراجع عن الإجراءات التأديبية السابقة في أوكرانيا. وبرأي المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، فإن موسكو تريد أن تضع الغربيين أمام «الأمر الواقع الجديد وستبدأ بالتفاوض بعد أن تكون قد فرضته». وتذكر هذه المصادر بما فعله الرئيس بوتين، عندما كان رئيسا للحكومة عام 2008 في جورجيا، حيث أرسل القوات الروسية لاحتلال أجزاء من جورجيا في أبخارزيا وأوسيسيا الجنوبية ثم عمد إلى الاعتراف بهاتين المنطقتين جمهوريتين مستقلتين. وبعد التهديد والوعيد «تأقلم» الغرب مع المعطى الجديد وجاء أوباما إلى السلطة وسارع إلى «إعادة إطلاق» علاقات بلاده مع روسيا.

وقالت الخارجية الفرنسية أمس إن الاتصالات التي جرت حتى الآن مع موسكو «لم تسمح بالوصول إلى اتفاق حول تشكيل مجموعة الاتصال» التي طرحت فكرتها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قبل أسبوع والتي قالت إن الرئيس بوتين قبل مبدأها. وترى باريس أن هذه المجموعة يجب أن تضم الطرفين الروسي والأوكراني والأمم المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون في أووربا ولكن أيضا بلدانا أخرى معنية بالأمر في إشارة واضحة إلى البلدان الأوروبية. والحال أن روسيا لا تقبل الوجود مع ممثلين عن الحكومة الأوكرانية التي تعتبرها غير شرعية وقامت نتيجة انقلاب عسكري. وكررت موسكو أن الرئيس فيكتور يانوكوفيتش هو بنظرها الرئيس الشرعي لأوكرانيا.

وبحسب رومان نادال، الناطق باسم الخارجية الفرنسية، فإن العقوبات الأوروبية «الجديدة» يمكن أن تفرض من غير الحاجة إلى اجتماع على مستوى وزراء الخارجية باعتبار أن مبدأها قد أقر على مستوى القمة. ونزعت باريس «كغيرها من الدول الغربية» طابع الشرعية عن قرار البرلمان القومي لأنه يخالف الدستور الأوكراني والقانون الدولي، ونددت سلفا باستفتاء الأحد القادم. ويريد الأوروبيون اتباع نهج «المقاربة المزدوجة» مع موسكو، أي التشدد من جانب والانفتاح على الحوار من جانب آخر. لكن الصورة التي يعطيها الأوروبيون أقرب إلى من يسير إلى العقوبات رغما عنه. وبحسب دونالد تاسك، فإن «تبعية ألمانيا» إزاء الغاز الروسي تنزع عن أوروبا سيادتها في تعاملها مع موسكو.