أوكرانيا تتأهب «لغزو روسي واسع» وتفتح باب التطوع للدفاع عن أراضيها

رئيس مجلس الأمن القومي والدفاع: 80 ألف جندي على حدودنا والانسحاب ليس من خياراتنا

TT

أعلنت أوكرانيا أمس، التأهب لما سمته بـ«غزو واسع الناطق» تعد له روسيا وجيشت له أكثر من 80 ألف رجل على الحدود، إضافة إلى عشرات الطائرات ومئات الدبابات، على خلفية أزمة إطاحة نظام الرئيس فيكتور يانوكوفيتش وما تلاه من تداعيات سريعة أبرزها إعلان منطقة القرم الأوكرانية استقلالها والاستعداد لتنظيم استفتاء قد يسمح لها بالانضمام إلى الاتحاد الروسي. وأمام الفارق الكبير في موازين القوى على الأرض بالشرق والجنوب الأوكرانيين، ووسط الحماس الملتهب بين الثوار الذين تمكنوا بحراكهم من الإطاحة بنظام يانوكوفيتش والتسبب لاحقا في التدخل الروسي، يريد المسؤولون الأوكرانيون الآن اللجوء إلى «شبان ميدان كييف»، الذين لا يزال بعضهم مرابطا في خيام، من أجل تجنيدهم في قوة أمنية جديدة قوامها 20 ألف رجل وستوكل إليها مهمة الدفاع عن البلاد ضد الغزو الروسي المحتمل. ويعتزم المسؤولون العسكريون والأمنيون مباشرة تقديم التدريبات اللازمة لهؤلاء الشبان ابتداء من اليوم الخميس. وموازاة مع هذه الإجراءات، يستعد البرلمان الأوكراني لعقد جلسة اليوم الخميس أيضا يعتقد كثيرون في كييف أنها ستفضي إلى حل المجلس الأعلى لجمهورية القرم، إثر القرار الذي اتخذه أول من أمس بإعلان المنطقة المتمتعة بحكم ذاتي مستقلة. وتأتي هذه التطورات كمؤشر على فشل المساعي الدبلوماسية لاحتواء الأزمة ورفض موسكو، على ما يبدو، الاستجابة للتحذيرات الأوروبية بفرض عقوبات متعددة الجوانب ضدها.

وقال أمين «مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني» أندريه باروبي، في كييف أمس، إن «أوكرانيا تواجه في الوقت الراهن خطر غزو كامل النطاق من مختلف الاتجاهات»، مضيفا أن «مجموعات واسعة من القوات المسلحة الروسية باتت على الحدود الأوكرانية». وأوضح خلال مؤتمر صحافي حضرته «الشرق الأوسط»، أن عدد هذه القوات الروسية يتجاوز 80 ألف رجل، مدعومين بنحو 270 دبابة و370 نظاما دفاعيا ونحو 140 طائرة مقاتلة و40 طائرة هليكوبتر و19 سفينة حربية وقوارب. وأشار إلى أن القوات الروسية باتت منتشرة على الحدود وعلى بعد نحو ساعتين أو ثلاث ساعات فقط بالسيارة من كييف. وشرح أن الحكومة الأوكرانية كانت تتحسب لمثل هذه الخطوة، منذ أعلنت موسكو بدء تدريبات عسكرية في مناطق قريبة من الحدود وأعقبتها بالقول إن التمارين ستدوم خمسة أيام فقط: «لكن ذلك لم يحدث بل جرى تعزيز القوات»، على حد تعبيره.

وقال: إن الحكومة المركزية في كييف تتواصل بشكل دائم مع القوات المسلحة في القرم «عبر الهاتف ووسائل أخرى»، لضمان تزود الجنود بالمؤونة وبقاء معنوياتهم عالية. وشدد على قدرة القوات الأوكرانية على الدفاع عن البلد، مؤكدا أن سحب الجنود غير وارد ولا يمكن اعتباره خطة «ب» بديلة.

وكشف المسؤول الأمني البارز أنه بموازاة التحركات العسكرية، تسلل نحو 6 آلاف روسي إلى الشرق الأوكراني وباتوا ينتقلون في مدن المنطقة محاولين إحداث عمليات «تخريبية». وقال: إن سلطات تطبيق القانون الأوكرانية ألقت القبض على بعض هؤلاء الأجانب في مناطق دونيتسك ولوغانسك وخيرسون الشرقية، وأحبطت «خططا تخريبية» كانوا يريدون تنفيذها، لكنه لم يقدم تفاصيل حول طبيعة تلك الخطط. وتابع أن هذه العناصر الموجودة في القرم الجنوبية، تنتشر أمام القواعد العسكرية التابعة للأسطول الروسي المتمركز في البحر الأسود. وذكر أن حرس الحدود الأوكراني منع نحو 3700 روسي يشتبه أيضا في كونهم مخربين، من دخول الأراضي الأوكرانية. كما تحدث عن «رصد دخول مبالغ مالية هائلة من الجانب الروسي مخصصة لزعزعة الوضع في شرق أوكرانيا».

وحذر باروبي من التخطيط لتكرار السيناريو الذي جرى في القرم الجنوبية في مناطق الشرق الأوكراني عبر الاستيلاء على المباني الإدارية ثم إعلان مطالب استفتاء للانفصال. وحدد لوهانسك ودونيتسك وأوديسا وخيرسون، باعتبارها أربع مناطق مرشحة لأن تعرف «مخاطر عالية» في المرحلة المقبلة. ولم يفصل في طبيعة تلك المخاطر، لكنه بدا أنه أراد الإشارة إلى احتمال أن تعرف هذه الأقاليم دعوات انفصالية على غرار القرم.

وفي تطرقه للوضع في القرم، عرج باروبي على «مخاوف» تنتاب السكان هناك قبل الاستفتاء المرتقب تنظيمه الأحد المقبل بشأن البقاء ضمن السيادة الأوكرانية أو الانضمام إلى روسيا. وقال: إنه جرى تسجيل 399 نازحا من القرم حتى الآن «يريدون المغادرة بعدما باتوا يشعرون بوجود تهديد لحياتهم». وأضاف أن «هؤلاء يتحركون في مناطق آمنة ونحن نسعى لضمان حمايتهم الدستورية». وقال أيضا إننا «نرصد تزايد أعداد النازحين الذين يريدون الالتحاق بأوكرانيا الأوروبية». ولم يخف المسؤول الأمني والدفاعي بأن السلطات الأوكرانية اتصلت بقادة بلدات جمهورية القرم وطلبت منها عدم التعاطي إيجابيا مع استفتاء الأحد، واعتبار هذا الحدث مجرد «مناورة سياسية» من روسيا والموالين لها في القرم، على حد قوله.

وفي إطار التحسب للأسوأ، باشر قادة الاحتجاجات في «ميدان الاستقلال» بكييف أمس، التعبئة من أجل الانضمام إلى قوة «الحرس الوطني» التي بدئ بتشكيلها مبدئيا الأسبوع الماضي وتسعى الحكومة والبرلمان الآن لإعطائها الإطارين القانوني والسياسي. ويتكون «الحرس الوطني» من 20 ألف شخص، غالبيتهم من مجموعات «الدفاع الذاتي» التي أطاحت باعتصامها في ميدان كييف بنظام يانوكوفيتش. وقال باروبي أمس، إن «الحرس الوطني» سيتشكل في غالبيته من ثوار ميدان الاستقلال، وتوفير التدريبات اللازمة لهؤلاء الشبان سيبدأ (اليوم) الخميس.

سياسيا، يستعد البرلمان الأوكراني لعقد جلسة اليوم ستركز على موضوع مصير القرم. وأشارت مصادر إعلامية في كييف أمس، إلى أن الجلسة تتجه لحل المجلس الأعلى للقرم بعد اتخاذه قرارا بإعلان الجمهورية المتمتعة بحكم ذاتي مستقلة. ويبدو أن مجلس القرم اتخذ هذه الخطوة أول من أمس، استباقا لمنح استفتاء الأحد الشرعية القانونية. ويذكر أن الدستور الأوكراني لا يعد نتائج أي اقتراع قانونية ما لم ينظم في كل أنحاء البلاد.

ويبدو أن هذه المشكلة الدستورية ستواجه حتى الحكومة الأوكرانية التي تعتزم تنظيم انتخابات رئاسية في 16 مايو (أيار) المقبل. وسيتعين على الحكومة المركزية في كييف تنظيم العملية الاقتراعية في كل أنحاء البلاد، بما فيها القرم التي لا تريد التفريط فيها، حتى يكون الاقتراع الرئاسي شرعيا. يذكر أن منطقة القرم ألحقت بأوكرانيا من قبل الاتحاد السوفياتي في عام 1954. لكن موسكو احتفظت بحق استخدام أسطولها العسكري المنتشر في البحر الأسود، في الميناء الرئيسي لمدينة سيفاستوبول القرمية. وتعد هذه المدينة المقر الرئيسي للأسطول الروسي منذ 250 سنة.