ملك المغرب يدعو إلى مقاربة استشرافية لمواجهة كل ما يمس استقرار البلدان العربية

قال إن مفهوم الأمن الحقيقي يقوم بالأساس على جعل المواطن في صلب السياسات العمومية

TT

دعا العاهل المغربي الملك محمد السادس، مجلس وزراء الداخلية العرب، إلى اعتماد مقاربات ذات أبعاد استشرافية، تتسم بالموضوعية وبعد النظر، لمواجهة كل ما من شأنه أن يمس أمن واستقرار البلدان العربية.

جاء ذلك خلال افتتاح أشغال الدورة الـ31 لمجلس وزراء الداخلية العرب أمس في مراكش، الذي ينعقد في ظل إجراءات غير مسبوقة اتخذتها السعودية لمواجهة الإرهاب بتصنيفها عددا من المنظمات على قائمة المنظمات الإرهابية من بينها «الإخوان المسلمون» وتشديد حظر التعامل معها.كما ينعقد في ظل توتر العلاقة بين الدول الخليجية الثلاث السعودية والإمارات والبحرين وبين قطر، بسبب خلفيات أمنية.

وفي هذا السياق، قال الملك محمد السادس في رسالة وجهها إلى المشاركين في الدورة 31 للمجلس التي تختتم اليوم، تلاها محمد حصاد، وزير الداخلية المغربي، إن هذه المقاربات الاستشرافية، يتعين أن تسهم بشكل فعال في «بلورة خطط متجددة، عمادها التنسيق والتعاون، لمواجهة كل ما من شأنه أن يمس أمن واستقرار بلداننا، وسلامة مواطنينا».

وشدد الملك محمد السادس على أن السياسات الأمنية الناجحة، والعمليات الاستباقية الناجعة، رهينة بمساهمة المواطن، وشعوره بدوره البناء في استتباب الأمن والطمأنينة، على غرار مشاركته الفاعلة في العملية التنموية، وفي خلق المناخ المناسب للتنمية والاستثمار.

وأوضح العاهل المغربي أن التئام الدورة الحالية للمجلس في ظل التحولات والإصلاحات العميقة، التي يعرفها الوطن العربي، «سيشكل بلا شك، فرصة لاستيعاب حقيقة التطور العميق لمفهوم الأمن، مما سيسهم بشكل فعال، في تحصين أمتنا العربية وتأمينها، من مخاطر التطرف والإرهاب، وكل أنواع الجريمة المنظمة، بما فيها تهريب السلاح والاتجار في البشر والمخدرات»، مشيرا إلى أن هذا الاجتماع يعكس الإرادة القوية للقائمين عليه في الحفاظ على الأمن والاستقرار بالوطن العربي، وتوطيد قيم التماسك والسلام والانفتاح الحضاري، التي تقوم عليها هذه المجتمعات.

وأوضح الملك محمد السادس أن مفهوم الأمن الحقيقي، لا يقتصر فقط على معناه الضيق، بل إنه يقوم بالأساس على جعل المواطن في صلب السياسات العمومية، وذلك في إطار شراكة مجتمعية ناجعة وفاعلة، قوامها التكامل بين الدولة والمواطن، والاندماج الإيجابي بين متطلبات الأمن، ومستلزمات التنمية، وصيانة حقوق الإنسان.

وأضاف الملك محمد السادس أن اعتماد ميثاق أمني عربي اليوم «لن يتأتى إلا من خلال تبني رؤية عربية مشتركة وموحدة لمفهوم الأمن، في سياقاته الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية المتجددة»، مضيفا أن هذا اللقاء، الذي يجمع نخبة من مسؤولي البلدان العربية، والخبرات الدولية، سيتوج بإقرار مجموعة من التوصيات العملية، الكفيلة بإيجاد حلول ناجعة، تستجيب لتطلعات الشعوب العربية إلى المزيد من الأمن والطمأنينة والاستقرار، والتقدم والازدهار، في ظل الحرية والكرامة الإنسانية.

وعد الملك محمد السادس اجتماع مجلس وزراء الداخلية العرب بمدينة مراكش، بمثابة انطلاقة جديدة للمجلس، لا سيما في ظل المتغيرات الكبرى، التي تعرفها المنطقة، والظروف المحيطة بالعالم العربي، وهو ما يضع على المجلس مسؤوليات جسيمة في القطاعات التي يشرف عليها، والتي تستوجب «العمل على توحيد المواقف، وتعزيز سبل التنسيق الوثيق والتشاور البناء، الكفيلين بالدفع بالعملية التنموية، وضمان الأمن والاستقرار».

ونوه الملك محمد السادس بالجهود التي بذلها الأمير الراحل نايف بن عبد العزيز الرئيس الفخري السابق للمجلس، والذي كان له «الدور الطلائعي والفضل الجليل في دعم وضمان استمرارية اجتماعات هذا المجلس، منذ انطلاق أشغال دورته الأولى بمدينة الدار البيضاء سنة 1982».

وأضاف العاهل المغربي، أن انعقاد الدورة الـ31 لمجلس وزراء الداخلية العرب بمراكش، يجسد أيضا الالتزام القوي للمغرب بدعم العمل العربي المشترك، وخصوصا بين المسؤولين على قطاع الداخلية، اعتبارا للدور الحاسم الذي ينهضون به، وذلك من خلال تعزيز آليات التشاور والتنسيق، والرفع من قدراتهم على بلورة استراتيجيات خلاقة، كفيلة بمواكبة متغيرات الظرفية الراهنة، وتأمين ضرورات استتباب الأمن والاستقرار الاجتماعي. وأضاف الملك محمد السادس أنه اعتبارا للدور الحاسم الذي يقوم به المواطن، كشريك أساسي في ضمان الأمن والاستقرار، وفي العمل التنموي على حد سواء، وكعنصر مركزي في المساهمة في خلق المناخ الاجتماعي السليم، المتشبع بالديمقراطية وثقافة حقوق الإنسان، اعتمد المغرب مفهوما جديدا للسلطة، يرتكز على حفظ وتوسيع فضاء الحريات، وصيانة كرامة وحقوق المواطنين، في إطار دولة الحق والقانون، وترسيخ ديمقراطية القرب، والمنهجية التشاركية في تدبير الشأن العام.

استعرض الملك محمد السادس في رسالته، المبادرات التي أطلقها في هذا المجال ومنها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، عام 2005، التي تقوم على جعل المواطن في صلب عملية التنمية وغايتها الأساسية، بالإضافة إلى إقرار تنظيم ترابي جديد، يقوم على اللامركزية، وإطلاق ورش الجهوية المتقدمة، من أجل ترسيخ نهج الحكامة الترابية الرشيدة، والتأسيس لمنظومة تدبير ديمقراطي للشأن المحلي.

وسجل الملك محمد السادس أنه «تتويجا للتراكمات الإيجابية والإصلاحات العميقة، التي حققتها بلادنا في المجال الحقوقي والتنموي، فقد حرصنا على تضمين دستور المملكة ميثاقا متكاملا من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية».كما أشار في نفس السياق إلى اعتماد سياسة شاملة ومتعددة الأبعاد لقضايا الهجرة واللجوء في البلاد، ترتكز على الرصيد العريق للمغرب، كبلد لحسن الضيافة والاستقبال، ويحترم التزاماته الدولية، ويراعي حقوق المهاجرين، وظروفهم الإنسانية. وذكر أن كل الأوراش والإصلاحات التي اعتمدها المغرب ترتكز على تكريم الإنسان، وعلى جعل المواطن محور وغاية السياسات العمومية. كما أنها تؤسس لمقاربة شاملة، تتلازم فيها الديمقراطية والتنمية، وضمان الأمن والاستقرار.