بعد أن هجرها السياح.. العنف والنهب آخر زوار مدينة تدمر الأثرية

جدران «لؤلؤة الصحراء» السورية شوهتها شظايا القذائف

TT

وصل آخر السياح إلى مدينة تدمر، الواحة اليونانية الرومانية الصحراوية، في سبتمبر (أيلول) 2011 وذلك بعد ستة أشهر من اندلاع الاحتجاجات في سوريا. أما الآن فلم يعد يزورها سوى العنف والنهب.

وتنتشر آثار الحرب الحالية في أرجاء تدمر العريقة، كما تفوح في أرجائها رائحة الطمع التي تبدو واضحة في القبور المنهوبة.

كانت مدينة تدمر الملقبة بـ«لؤلؤة الصحراء» والمدرجة كموقع أثري في قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) والواقعة على بعد أكثر من 200 كلم شمال شرقي دمشق، واحدة من أهم المراكز الثقافية في العالم القديم.

وحسب تقرير أوردته وكالة الصحافة الفرنسية، فإن تدمر لا تزال تحتفظ بعظمتها حتى اليوم، رغم الأضرار التي لحقت بمعبد بعل الذي يتميز بأعمدته العالية، جراء شظايا القذائف التي أطلقت خلال تبادل للقصف المدفعي بين المسلحين وقوات الجيش السوري.

ويحمل الحائط الشرقي من المبنى الذي يجسد الحضارة الهلنستية آثار انفجار القذائف. كما ألحقت قذائف هاون أضرارا بأحد مداخل المعبد وأسكفة عتبة الباب المعلقة على ثمانية أعمدة.

كما لحقت أضرار بالجدار المحيط بالمعبد. وانهارت التيجان الكورثينية لثلاثة أعمدة في شارع الأعمدة جنوب المعبد.

وقال محمد الأسد من دائرة الآثار السورية (44 عاما): «وصلت جماعات مسلحة إلى هنا في فبراير (شباط) 2013 وتمركزت في بساتين النخيل الشاسعة جنوبا إلى أن جاء الجيش وطردهم منها في سبتمبر الماضي». وأضاف: «أطلقوا النار على المدينة من البساتين، ولحقت أضرار بالمعبد الذي كان في مرمى القذائف».

وقال المسؤول إن مبنى الآثار القريب من المعبد تعرض للنهب، والأسوأ من ذلك أن مواقع الدفن القديمة نهبت.

والى الجنوب من تدمر يقع وادي القبور الممتد كيلومترا واحدا، حيث بنى التجار الأغنياء أضرحتهم قبل آلاف السنين.

وعرض خليل الحريري مدير متحف تدمر ثلاث مسلات حجرية وأجزاء من توابيت حجرية نحتت عليها صور أطفال. وقال: «قطعت هذه بمنشار.. واستعدناها قبل يومين من قبو أحد المنازل».

وأوضح الحريري، الذي لا يعلم كم عدد المقابر التي نهبت: «يوجد نحو 500 قبر، ولم يتمكن علماء الآثار سوى من التنقيب على نحو 200 فقط». وأضاف: «إن القبور التي لم تنقب هي التي تعرضت للعمل القذر الذي قام به اللصوص».

وأشار إلى استعادة بعض المسروقات، موضحا «منذ سيطرة الجيش على المنطقة، استعدت 130 قطعة. ولكنني لا أستطيع تخمين عدد القبور التي أخذت منها لأن اللصوص حرصوا على إغلاق القبور بعد نهبها».

وإضافة إلى أجزاء من النعوش الحجرية، استعيد عدد من القطع من بينها تماثيل علوية لأشخاص توفوا قبل فترة طويلة تظهرهم يرتدون ملابس يونانية - رومانية، وديكورات حائط تدمرية نموذجية.

وتقول السلطات السورية إن «الجماعات المسلحة» و«الإرهابيين» يريدون «بيع ثقافتنا وجذورنا».

إلا أنه من الواضح أن بعض السكان استغلوا الاضطرابات في البلاد لتحقيق الربح لأنهم يعلمون قيمة هذه الآثار.

ويعترف الحريري بذلك، ويقول: «عثرت الشرطة على هذه القطع هنا في منازل وبساتين، وكذلك في أنحاء مختلفة من البلاد. وعثر على 15 قطعة في مطار بيروت استعدادا لنقلها جوا خارج البلاد».

والأربعاء دعت الأمم المتحدة جميع أطراف النزاع في سوريا إلى حماية تراث البلاد الثقافي.

وجاء في بيان للمنظمة الدولية أن «المواقع الأثرية تتعرض للنهب بشكل منهجي، كما أن الاتجار غير المشروع بالقطع الثقافية وصل مستويات غير مسبوقة». ودعت المنظمة تجار الفنون والسياح الذين تعرض عليهم قطع أثرية إلى الحذر.

ولم يعد للسياحة التي كانت مربحة في تدمر أي وجود. ويقول رئيس بلدية المدينة فيصل الشريف إن آخر سائح وصل إلى المدينة الأثرية في سبتمبر 2011.

وصرح الشريف (57 عاما): «كان يأتينا نحو ربع مليون زائر سنويا، وفجأة اختفى السياح تماما». وأضاف: «كان نحو 5000 من سكان المدينة البالغ عددهم 85 ألف شخص يعملون في الفنادق والمطاعم والمتاجر وفي قيادة السيارات وكمرشدين سياحيين أو منظمين لرحلات صحراوية». أما الآن فقد أغلقت المؤسسات السياحية.

أما فندق قصر زنوبيا الذي بناه مغامر فرنسي في عشرينات القرن الماضي وسماه تيمنا بملكة تدمر الشهيرة، فقد أصبح خرابا بعد أن تعرض للنهب والحرق. وقال الشريف: «آمل أن تنتهي المعاناة ويعود السياح».