هدوء حذر في طرابلس.. وسليمان يدعو إلى النأي بلبنان عن المخاطر

اتصالات ومساع مكثفة لتثبيت الهدنة بين منطقتي جبل محسن وباب التبانة

لبنانيان يفران من نيران القناصة في حي باب التبانة بطرابلس أمس (رويترز)
TT

شهدت مدينة طرابلس، شمال لبنان، حالة من الهدوء المتقطع خرقها إطلاق رصاص قنص بين الحين والآخر واشتباكات متقطعة، ولا سيما بعد تشييع أهالي باب التبانة أحد قتلى جولة الاشتباكات العشرين والتي حصدت منذ يوم الخميس الماضي 12 قتيلا، وأكثر من 56 جريحا.

وفي حين تكثفت الاتصالات والاجتماعات أمس من أجل إعادة تثبيت الهدنة في المدينة، على أكثر من مستوى، أسف الرئيس اللبناني ميشال سليمان لـ«سقوط الشهداء من العسكريين والضحايا من المدنيين جراء عودة التوتر إلى طرابلس ومحيطها وتعرض بلدات بقاعية ولا سيما منها اللبوة وعرسال للقصف الذي يدفع ثمنه اللبنانيون من أرواحهم وأرزاقهم وممتلكاتهم، في وقت لا يزال العدو الإسرائيلي يواصل اعتداءاته وتهديداته وقصفه القرى الجنوبية خارقا القرار 1701 الذي دعا إعلان بعبدا إلى احترامه وتنفيذه».

وشدد سليمان، في بيان رسمي، على «أهمية وعي دقة المرحلة والتبصر في ما تحمله من مخاطر يفترض بلبنان واللبنانيين أن يكونوا بمنأى عن تداعياتها السلبية عليهم وعلى وطنهم»، مجددا «الدعوة إلى التفاهم والحوار وعدم قطع الطرق وسبل التواصل بين الأهالي والبلدات والتلاقي لأن الجلوس معا هو السبيل الوحيدة والممر الإلزامي والآمن لاجتياز هذه المرحلة والعبور إلى واحة الأمن والاستقرار وترسيخ السلم الأهلي».

وفي إطار المعالجات السياسية للحؤول دون استمرار الاشتباكات، عقد اجتماع في منزل النائب محمد كبارة حضره عدد من قيادات تيار المستقبل والمشايخ في التبانة، دعا المجتمعون إثره إلى «ضرورة اعتماد التهدئة والتصرف بحكمة، والعمل على وقف إطلاق النار بشكل فوري لتفويت الفرصة على المتربصين شرا الذين يحاولون جر طرابلس إلى معركة من دون أفق، لا تصب في مصلحة أحد».

وشدد المجتمعون، وفق بيان صادر عنهم، على أن «طرابلس مجتمعة، تريد العيش في كنف الدولة بأمن وأمان، ولكن بعدالة وتوازن وتواز بين الجميع، وترفض وضع أبناء المدينة في مواجهة الجيش والقوى الأمنية»، داعين إلى «ضرورة إعادة بناء الثقة بين أبناء المدينة وبين المؤسسات العسكرية والأمنية وعلى رأسها الجيش اللبناني، والعمل على إجراء التحقيقات اللازمة في ما يشاع عن عمليات تصفية جسدية لعدد من المطلوبين، وإعادة النظر بالإجراءات المتخذة وعدم الإفراط في استخدام القوة». وأكدوا تمسكهم بـ«ضرورة تطبيق العدالة على كل المخلين بالأمن والخارجين عن القانون، بدءا من المتورطين بتنفيذ التفجيرات الإرهابية في مسجدي التقوى والسلام»، خلال شهر أغسطس (آب) الماضي.

وكانت الجولة العشرون من اشتباكات طرابلس اندلعت يوم الخميس الماضي إثر مقتل مواطن من جبل محسن، ذات الغالبية العلوية، على أيدي مسلحين في طرابلس، مما أجج غضب الجبل وأشعل الاشتباكات مع باب التبانة، ذات الغالبية السنية.

وفي موازاة الاجتماع التشاوري في منزل كبارة، قال أحد فعاليات باب التبانة لـ«الشرق الأوسط» إن «الجيش اللبناني لم يتحرك من مواقعه أثناء الاشتباكات بل رد على مطلقي النار، وهو يعزز وجوده في المنطقة».

وأوضح المصدر، الذي رفض الكشف عن اسمه، أن «اتفاقا ضمنيا كان عقد بين أطراف طرابلسية وجبل محسن، منذ مقتل عبد الرحمن دياب من جبل محسن في طرابلس على يد مسلحين، يوم 20 فبراير (شباط) الماضي، وهو ما سمح بأيام من الهدوء لكن إطلاق النار على شخصين من جبل محسن، كان آخرهما وليد برهوم الذي قتل يوم الخميس الماضي، عد نكثا بالوعد، وهو ما دفع برفعت عيد (رئيس الحزب العربي الديمقراطي) إلى فتح المعركة من جبل محسن».

وأكد أن «الاتصالات، وعلى عكس كل ما يشاع، تواصلت بين جبل محسن ومسؤولين سياسيين في طرابلس». ولفت إلى أن «المساعي تبذل، ولا سيما مع مجموعات مسلحة في باب التبانة لضبطها، ووقف إطلاق النار بالكامل»، مشيرا إلى أن «النتائج تحتاج وقتا، فالمسؤول في جبل محسن واحد ويستطيع أن يعطي أمرا واحدا للجميع، بوقف إطلاق النار، في حين أن الولاءات في باب التبانة متعددة والمصالح متشابكة، وأحيانا متضاربة، مما يعقّد الأمر، ويجعل القيمين مضطرين لإجراء اتصالات عديدة وطويلة».

وكان رئيس الحكومة اللبنانية السابق نجيب ميقاتي أجرى أمس سلسلة من الاتصالات مع قيادات طرابلس وفاعلياتها والقادة الأمنيين في إطار معالجة الأوضاع الأمنية في المدينة وعودة الهدوء إليها. وأكد «ضرورة قيام القوى الأمنية بكل ما هو مناسب من إجراءات وتدابير لإعادة الهدوء إلى طرابلس»، مشددا على «دعم جهود الجيش اللبناني وإدانة التعرض له واستهدافه».

وأدان ميقاتي، وفق بيان صادر عنه أمس، «الانفلات الأمني الأخير في طرابلس»، ودعا الجميع إلى «التوقف عن العبث بأمن المدينة وأهلها»، مشيرا إلى أنه «حان الوقت لكي ينعم أبناء طرابلس بالهدوء والأمان بعد كل الأثمان التي دفعوها جراء استخدام مدينتهم كصندوق بريد للرسائل المتفجرة».

وشكل الوضع الأمني في طرابلس محور اتصالات واجتماعات أجراها أمس وزير العدل اللبناني أشرف ريفي مع فاعليات وعلماء منطقة باب التبانة من جهة، وقيادة مخابرات الجيش اللبناني من جهة أخرى، ولا سيما بعد التوتر الأخير إثر مقتل المواطن مصطفى النحيلي في التبانة، لـ«احتواء الإشكال وعدم السماح بوقوع فتنة بين أهالي المدينة والجيش». وطالب بـ«ضرورة إجراء تحقيق شفاف بحادث مقتل النحيلي، ومعاقبة المتورطين»، مؤكدا أن «أهالي طرابلس عموما، والتبانة خصوصا، هم تحت سقف القانون، ومطلبهم الوحيد هو العدالة، وتطبيق القانون بشكل متوازن على الجميع».

ونعت قيادة الجيش اللبناني أمس أحد عناصرها الذي قالت إنه قتل نتيجة «إلقاء رمانة بندقية من نوع (إينيرغا) على ناقلة جند في محلة الملولة»، مؤكدة استمرار قوى الجيش بـ«الرد على مصادر النيران». وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية في لبنان، أمس، بسماع إطلاق نار كثيف وسقوط بعض القذائف الصاروخية، تبين أنها أطلقت في أثناء تشييع مصطفى النحيلي أبو جمال في محلة باب التبانة، مما تسبب بعودة التوتر ظهرا بين جبل محسن وباب التبانة، بعد فترة من الهدوء الحذر قبل الظهر.