الانتخابات المحلية في فرنسا: اليمين يأمل بهزيمة اليسار

الجبهة الوطنية تلعب دور الحكم في الدورة الثانية الأحد المقبل

TT

توجه الناخبون الفرنسيون أمس إلى صناديق الاقتراع في الجولة الأولى من الانتخابات البلدية وسط ترقب استثنائي لنتائجها باعتبار أنها الأولى التي تجري منذ وصول الاشتراكيين إلى السلطة مع انتخاب الرئيس هولاند قبل 22 شهرا. وبالنظر إلى انهيار شعبية هولاند ورئيس حكومته جان مارك أيرولت بسبب استمرار تدهور الوضع الاقتصادي في فرنسا وازدياد البطالة وعجز الرئيس عن تحقيق وعوده الانتخابية، فإنه من المؤكد أن تتراجع مواقع الحزب الاشتراكي واليسار بشكل عام. لكن السؤال يبقى: إلى أي مدى، وهل ستكون النتيجة هزيمة ماحقة لليسار أم خسارة لبعض المدن؟ فضلا عن ذلك، فإن السؤال الرديف يتناول الأرقام التي ستحققها الجبهة الوطنية (اليمين المتطرف) الذي تنمو شعبيته وأفكاره في الكثير من الأوساط الفرنسية؟

ومنذ الصباح، قام الرئيس هولاند وأعضاء الحكومة والمعارضة والمرشحون بواجبهم الانتخابي فصوت هولاند في مدينة تول (وسط فرنسا) فيما صوت الرئيس السابق نيكولا ساركوزي الذي يكثر الجدل بشأنه وبشأن فضائحه في باريس. ويبلغ عدد الناخبين الفرنسيين نحو 45 مليونا يضاف إليهم 280 ألف ناخب أوروبي غير حاصلين على الجنسية الفرنسية لكن القانون الانتخابي الخاص بالبلديات يعطيهم حق التصويت. كما أن عدد المرشحين للدورة الأولى يزيد على 900 ألف مرشح وذلك لملء المجالس البلدية في 36.6 ألف مدينة وقرية من العاصمة باريس وحتى تلك التي لا يسكنها سوى بضع مئات من الناس.

ويحرم القانون الفرنسي نشر أي نتائج فعلية أو توقعات للنتائج قبل الساعة الثامنة مساء. وفي أي حال، فإن الصورة النهائية لميزان القوى وتوزع المدن الكبرى بين اليمين واليسار لن تظهر إلا يوم الأحد القادم بعد صدور نتائج الدورة الثانية.

وتجتذب باريس اهتماما استثنائيا إذ إن اليسار الاشتراكي يديرها منذ 14 عاما مع رئيس بلديتها برتراند دولانويه الذي امتنع عن الترشح لولاية ثالثة مفضلا ترك المنافسة لمساعدته آن هيدالغو، الإسبانية الأصل. وتسعى الوزيرة السابقة اليمينية ناتالي كوسيوسكو موريزيه ذات الأصول البولندية انتزاع القصر البلدي من اليسار. ويعد هذا المنصب منصة للقفز لمناصب أخرى بسبب ما توفره لرئيس بلديتها من إمكانيات مادية وسياسية وفرص للبروز. وقد استفاد الرئيس الأسبق جاك شيراك الذي شغل المنصب طيلة 17 عاما من القصر البلدي التاريخي لباريس للانقضاض منه على قصر الإليزيه الرئاسي.

بيد أن باريس ليست وحدها محط اهتمام إذ إن اليسار يراهن على انتزاع مدينة مرسيليا (ثاني المدن الفرنسية) من اليمين فيما يبدو واثقا من الاحتفاظ ببلدية مدينة ليون «ثالث المدن الفرنسية» الأمر الذي سيمكنه من تخفيف وقع الهزيمة الانتخابية. لكن المؤكد أنه سيخسر عددا من المدن التي يزيد عدد سكانها على مائة ألف نسمة ومنها تولوز، استراسبورغ، أميان ريمس أو سان أتيان.. لكن هذه الانتخابات رغم أهمية النتائج التي ستسفر عنها سياسيا، إلا أنه لا تأثير لها قانونيا على الحكومة أو على رئاسة الجمهورية. فالأولى يمكن أن تستمر في السلطة طالما هناك أكثرية تدعمها في مجلس النواب. أما الرئيس فإنه محصن لخمس سنوات وقادر بالتالي على الاستمرار في منصبه بغض النظر عمن له الأكثرية أو الأقلية.

وكان اليسار متخوفا من مقاطعة الشرائح الشعبية لصناديق الانتخاب وبالتالي من ارتفاع نسبة المقاطعين. والحال أن البيان الصادر عن وزارة الداخلية في الساعة الخامسة من مساء أمس أفاد بأن نسبة المشاركة وصلت إلى 54.72 في المائة ما يمثل تراجعا بنسبة 1.5 في المائة قياسا للانتخابات البلدية في عام 2008. لكن يتعين توفر دراسات إحصائية معمقة لمعرفة هوية الجهة التي استفادت من هذا التراجع أو تلك التي نجحت أكثر من غيرها في تعبئة ناخبيها للدورة الأولى.

أما السؤال الثاني، الذي شغل بال السياسيين فيتمثل بنتائج اليمين المتطرف الذي يخيف اليمين واليسار معا. لكن اليمين يخاف منه أكثر من اليسار لأن نجاح لوائح الجبهة الوطنية في التنافس للدورة الثانية يخدم آليا لوائح اليسار. واليمين، في هذه الحال، واقع بين خيارين أحلاهما مر: فإذا انفتح على اليمين المتطرف وتحالف معه، فإنه سيتعرض لا محالة لحملات تنديد تبدأ ولا تنتهي. وإن رفض التحالف مع الجبهة الوطنية، فإنه يخاطر بخسارة الانتخابات حيث تكون المنافسة مثلثة «يمين ويسار ويمين متطرف».

لكن اليمين يعاني أيضا من تكاثر الفضائح المرتبطة بالرئيس ساركوزي من جهة وبرئيس الحزب الحالي جان فرنسوا كوبيه من جهة ثانية فضلا عن الانشقاقات داخل صفوفه والتنافس المرير بين الوجوه الطامحة للعب دور سياسي رئيس في السنوات القادمة وخصوصا التنافس على منصب رئاسة الجمهورية عام 2017.