هزيمة مؤلمة لليسار وصعود اليمين المتطرف في الانتخابات الفرنسية المحلية

اليمين يراهن على «الموجة الزرقاء» لمحو آثار الخسارة الرئاسية

TT

الجميع كان يتوقع خسارة اليسار (رئيسا وحكومة وحزبا) الانتخابات المحلية التي جرت دورتها الأولى في فرنسا يوم الأحد الماضي. لكن أحدا لم يذهب إلى حد توقع تلقيه هزيمة ساحقة ماحقة بهذا الحجم. والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم هو: هل سينجح الاشتراكيون ومعهم حلفاؤهم من الخضر وبقية مكونات اليسار في تعبئة أنصارهم وناخبيهم وقاعدتهم الشعبية يوم الأحد المقبل (الدورة الثانية) للحد من مفاعيل الهزيمة، أم أن الفرنسيين الذين عبروا عن خيبتهم من سياسة الرئيس والحكومة والوزراء على السواء لن يرموا لهم بطوق النجاة وسيتركونهم لمصيرهم السياسي الأسود؟

الأرقام في حد ذاتها تتكلم: على مستوى فرنسا ككل، لم يحصل اليسار إلا على 37.74 في المائة من الأصوات، مقابل 46.54 في المائة لليمين الكلاسيكي، مما يشكل تراجعا بمعدل عشر نقاط.

في أول انتخابات تجرى بعد وصوله إلى قصر الإليزيه، يجد الرئيس فرنسوا هولاند نفسه في وضع غير مريح. فمن جهة، استطلاعات الرأي تعكس ثقة محدودة من مواطنيه (واحد من أصل أربعة فرنسيين يثق في سياسته)، ومن جهة أخرى، لم تعط السياسة الاقتصادية والاجتماعية التي ينتهجها مفاعيلها بعد، لا بل إن العكس هو ما يحصل. ورغم أن الانتخابات محلية، فإن الناخبين اغتنموا الفرصة لتوجيه رسالة بالغة الوضوح للسلطات العامة، فهل من يسمع؟.. وماذا سيكون عليه رد الفعل؟

ميزتان بارزتان دمغتا الدورة الانتخابية الأولى: الأولى، نسبة المقاطعة الاستثنائية التي وصلت إلى 38.8 في المائة، وهو أمر مقلق. أما الثانية فتتمثل في «الوثبة» الاستثنائية التي حققها اليمين المتطرف تحت راية الجبهة الوطنية بقيادة المرشحة الرئاسية السابقة ماري لوبن. ففي ما يخص الامتناع عن التصويت، أظهرت استطلاعات الرأي السابقة أن نسبة عالية من الناخبين فقدت ثقتها في السياسة والسياسيين ولم تعد ترى أن ثمة جدوى من الانتخابات ما دامت الأمور لا تتغير، لا بل إنها تسير نحو الأسوأ. ولذا، فإن المقاطعة بدت «طبيعية». لكن ما فاجأ فيها هو هذه النسبة العالية التي لم تصل إليها في السابق.

أما الجبهة الوطنية ذات الأفكار والآيديولوجيا المتطرفة، خصوصا بالنسبة للهجرة والإسلام والبطالة والهوية الفرنسية، فإنها المنتصر الأكبر من غير منازع، إذ إن عددا لا بأس به من اللوائح التي تقدمت بها احتلت المرتبة الأولى وتتأهل للفوز في الدورة الثانية. وسارعت مارين لوبن لتعلن منذ اللحظات الأولى لظهور النتائج أن «عهد الثنائية الحزبية» أي وجود حزب يميني مهيمن يقابله حزب يساري من الحجم نفسه «قد انتهى»، وأن الجبهة الوطنية أصبحت حزبا له موقعه وأتباعه ويتمتع بحضور محلي ومناطقي في كل أقاليم الجمهورية الفرنسية. وبحسب أرقام وزارة الداخلية الفرنسية، فإن لوائح الجبهة الوطنية حصلت على أكثر من 10 في المائة من الأصوات في 230 مدينة يزيد عدد سكانها على 10 آلاف نسمة، كما أنها احتلت المرتبة الأولى في 17 مدينة من هذا الحجم، وبعضها مدن كبرى مثل أفينيون التاريخية وفريجوس وبربينيان وبيزيه.. لا بل إن لائحة الأمين العام للجبهة ستيف بيروا فازت منذ الدورة الأولى في مدينة هينان بومون العمالية (شمال).

من جانبه، يعتبر اليمين الكلاسيكي (الموجة الزرقاء) أنه محا الصفعة التي أصيب بها في الانتخابات الرئاسية السابقة. ولا شك أن هذه النتائج وعودته بقوة إلى الواجهة واسترجاعه عشرات المدن من الحزب الاشتراكي واليسار بشكل عام ستغطي على مسلسل الفضائح الذي ضربه في الأسابيع الأخيرة، إن بشأن الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، أو بشأن رئيسه الحالي جان فرنسوا كوبيه. ومنذ الدورة الأولى، فاز العديد من أركان اليمين أمثال آلان جوبيه في بوردو وكوبيه في مدينة مو (شمال شرقي باريس).

غير أن الخيبة الكبرى لليسار جاءته من مدينة مارسيليا التي يديرها اليمين منذ 18 عاما وكان الاشتراكيون يحلمون بالفوز فيها. والنتيجة أن اللائحة الاشتراكية حلت في المرتبة الثالثة بعد لائحة اليمين بقيادة الوزير السابق جان كلود غودان، وبعد لائحة اليمين المتطرف. كذلك، خابت آمال الاشتراكيين من تحقيق اختراق بارز في باريس، حيث تتواجه لائحة الاشتراكية آن هيدالغو، ولائحة اليمينة ناتالي كوسيوسوكو موريزيه. ورغم الاستطلاعات، فقد حلت لائحة موريزيه في المرتبة الأولى. لكن تقسيم العاصمة لدوائر يرجح أن يمكن الاشتراكيين من الاحتفاظ بالعاصمة. وفي أي حال، فإن الاشتراكيين يراهنون على بقاء لوائح اليمين المتطرف في المنافسة، مما سيقسم أصوات ناخبي اليمين واليمين المتطرف ويزيد من فرص اليسار بالاحتفاظ بعدد من المدن الرئيسة. يبقى السؤال الأخير: ما هي العبر التي سيستخلصها الرئيس هولاند مما جرى؟ واضح أن هولاند مضطر للقيام بمبادرة ما، والأرجح أن تكون تغيير الحكومة أو إجراء تعديلات أساسية عليها بعد الكبوات والعثرات التي عانت منها في الأشهر الأخيرة. غير أن الناطقة باسم الحكومة نجاة فالو بلقاسم سارعت أمس إلى القول إن هولاند «لن يعدل في سياسته». وربما يتعين فهم ذلك على أن الرئيس لا يتحرك تحت الضغط، بل إنه سينتظر بعض الوقت قبل أن يبادر.