إشكالية الانتخابات واختطاف السلطة

في سبيل ولاية ثالثة.. حكومة المالكي تواصل «اجتثاث» الثروة والديمقراطية (الحلقة الأخيرة)

TT

تناولت حلقة أمس، بعض ملامح العراق في ظل ولاية نوري المالكي الأولى وسمات تلك الفترة. وتعرضت في السياق، إلى حجم الفساد الذي انتشر في البلاد، والعنف الذي ارتفعت وتيرته، وخصوصا في السنوات القليلة الماضية. وكذلك العلاقة مع إيران، ودور قاسم سليماني، قائد فيلق القدس السابق، والمسؤول الآن في الجيش الثوري الإيراني، وكيف انقلب موقف المالكي من سوريا ونظامها، من مشار لها بدعم الإرهاب في العراق إلى حليف داعم لاقتصادها بالنفط.

في هذه الحلقة، وهي الثالثة والأخيرة، نتابع ملف المالكي خلال ولايته الثانية في الحكم، وأبرز ما حصل فيها، بدءا من التجديد إلى تلاعبه بالسلطة القضائية، واستخدام مادة (4) لإرهاب خصومه منتقديه على مستوى السلطات الثلاث، مع استمرار لجوئه إلى قانون الاجتثاث كلما احتاجه في واحدة من معاركه الكثيرة. والبداية مع ملابسات تجديد الولاية.

حسب من توسطوا لأن يكون نوري المالكي رئيسا للوزراء مرة ثانية، فقد عاش المالكي لحظات شديدة القلق، إلى درجة أنه لم يتوقف عن الاتصال بالمعنيين، للاستفسار عن توقيع الاتفاق المتعلق بذلك، وعقد جلسة البرلمان الأولى، لكن المالكي الذي حصل ما أراده، سرعان ما أدار ظهره لمن ساعدوه وساهموا في تجديد ولايته. كيف حدث ذلك، وما الذي جرى حتى انقلب المالكي على مريديه.

جرت الانتخابات العامة في أبريل (نيسان) 2010، وأظهرت النتائج حصول «القائمة العراقية» على الأصوات الأكثر، جن جنون المالكي، فهدد بتحريك الجيش، فقد عمل لهذه اللحظة طيلة السنوات الأربع الأولى، لحظة الفوز بولاية ثانية والاحتفاظ برئاسته للوزراء، ولا يستبعد مراقبون، أن يكون انشغاله في الحكم والرئاسة والاحتفاظ بالسلطة، واحدا من أسباب فشله في إدارة العراق، وكان بإمكانه إجراء مصالحة حقيقية مع الأطراف السياسية الأخرى ضمن شراكة وطنية حقيقية، لكن المشكلة أن الجيش الذي بني ليكون للعراق، أصبح جيش المالكي عمليا، بينما صارت أجهزة الشرطة تابعة له.

كذب المالكي النتائج، ومفوضية الانتخابات على إعلانها بأن الانتخابات أسفرت عن فوز القائمة العراقية برئاسة إياد علاوي، بـ91 مقعدا، وحصول دولة القانون على 89 مقعدا، لو لم يكن نوري المالكي في السلطة، ولم يشاركه جعفر محمد باقر الصدر، الذي أدخل لقائمته عددا من النواب، ما كانت دولة القانون لتحصل على ما حصلت عليه من مقاعد. ولأن الأصوات للقوائم وليست للأفراد. فقد اضطرت المفوضية العامة للانتخابات إلى إعادة الفرز للخروج من المأزق، فظهرت النتائج عينها، وكان المالكي رفض التحالف مع القوى الشيعية الأخرى، ظنا منه أنه سيحصل على العدد الكافي لتشكيل الحكومة منفردا، اعتمادا على تكتله الانتخابي، أي دولة القانون. مساء ذلك اليوم، ظهر المالكي غاضبا متجهما مكتئبا، فقد أعد نفسه لمقاعد كافية تعيده إلى رئاسة الوزراء من دون حاجة إلى دعم أي من الكتل الأخرى.

بكل المعايير والمقاييس القانونية، كانت رئاسة الوزراء من حق إياد علاوي، الذي تزعم الكتلة الانتخابية الأكبر في البرلمان، أي القائمة العراقية، لجأ المالكي وكتلته إلى لعبة القضاء الأعلى، الذي كان على رأسه أشخاص يبدو أنهم تعرضوا للتهديد بالاجتثاث، فهم كانوا قضاة في العهد السابق. عرضت المادة (73) من الدستور العراقي (2005)، التي تقول: «أولا: يكلف رئيس الجمهورية، مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا، بتشكيل مجلس الوزراء، خلال 15 يوما من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية». وكانت النتيجة متوقعة سلفا، بعد أن شعر الآخرون بميل القضاء والهيمنة عليه، فجاء تفسير المحكمة العليا بأن الكتلة المقصودة، هي التي تتألف داخل البرلمان وليست الفائزة. ومعلوم أن الكتلة التي تتألف داخل البرلمان تسقط قيمة الفوز، فإذا فاز شخص بصوت واحد، وتكتل مع آخرين داخل البرلمان يصبح رئيسا للوزراء، بينما الذي فازت كتلته من دون تأليف داخل البرلمان فإنه يقصى.

مع ذلك ظلت القائمة العراقية تطالب بحقها الدستوري، معتبرة حكم المحكمة غير صحيح وفيه انحياز ملحوظ، استمر الخلاف من شهر أبريل 2010 وحتى نوفمبر (تشرين الثاني)، وظل نوري المالكي يقدم تنازلات مختلفة وفي مجالات عدة، حتى كاد يتنازل عن كل شيء، إلا رئاسة الوزراء. وأخذ يلعب على وتر الطائفية، قائلا إن القائمة العراقية تتألف من السنة برئاسة شيعي، هو إياد علاوي، وإنها قائمة حزب البعث، وأكثر الكلام في ذلك، بينما استجابت القوى الأخرى للنتائج، ومنها المجلس الأعلى والقوى الكردية، وصرحت علانية، بأن رئاسة الوزراء من حق القائمة العراقية، غير أن الوضع لم يشهد انفراجا إلا بعد المبادرة التي قدمها رئيس إقليم كردستان، فالمالكي ظل يرفض حتى فكرة تحويل الحكومة إلى حكومة تصريف أعمال، على أساس أن رئاسة الوزراء من حقه، بل رفض أي بديل آخر من الكتلة الشيعية، أي التحالف الوطني.

ودخلت إيران على الخط، وهي لم تكن بعيدة عما يجري على أي حال، وأصدر المرجع الدعوي محمد كاظم الحائري، فتوى تحرم انتخاب سياسي علماني، كي يلزم بها التيار الصدري الذي لم يكن موافقا على المالكي، وهذا الموقف الإيراني يشابه موقفهم الذي اتخذوه ضد أحمد الجلبي أيضا، عندما قدم اسمه مع آخرين، وأصروا أن يكون رئيس الوزراء إسلاميا من حزب الدعوة. فكان إبراهيم الجعفري الذي رافقه الفشل منذ أيامه الأولى.

جاءت مبادرة رئيس إقليم كردستان بعد اجتماعات مطولة، وقد لعب فخري كريم، الشخصية الإعلامية ورئيس مستشاري الرئيس جلال طالباني دورا كبيرا في إقناع القوى الكردية. وهذا ما كتبه صراحة فخري كريم نفسه، وبين أسفه على موقفه ذاك، في مقالات عدة نشرها في جريدة «المدى»، في أعقاب العنف الذي أطلقه المالكي وجماعته ضد المتظاهرين في ساحة التحرير، فقد استدعى المالكي العشائر لتفريقهم بالقوة، ثم قتل أبرز المناصرين، وهو هادي المهدي، في داره ليلة تسلمه تهديدات من عناصر مقربة من نوري المالكي، وهذا ما كشفت عنه زوجة هادي لوسائل الإعلام في حينها.

وأدناه بعض بنود وثيقة أربيل، التي وفقها جرى التجديد لنوري المالكي، وكان قد التزم بكلام كثير أمام الجميع، بل أقسم على تنفيذها.

بعد الديباجة، تأتي بنود الوثيقة، وهي بمثابة خارطة طريق لتجاوز الأزمة العراقية، التي تراكمت أثناء ولاية نوري المالكي الثانية: ففي محورها الأول الإداري والمالي، تعالج مسألة امتيازات أعضاء البرلمان والحكومة وكل الرئاسات، كإعادة النظر في القوانين الخاصة بامتيازات الأعضاء (الحقوق، الرواتب، الحمايات، التقاعد، السلطات القضائية والإدارية). فقد وصلت هذه الامتيازات إلى مستوى غير معقول، من رواتب ورواتب تقاعدية. وتحسين أداء البرلمان العراقي. ثم إعادة تشكيل لجنة التعديلات الدستورية بما يحقق مشاركة حقيقية لكل الكتل الفائزة في الانتخابات، وإكمال التعديلات المتفق عليها. وأن يصار إلى وضع سقف زمني لإكمال جميع القوانين التي يجيزها الدستور وإصدارها، شرط أن يكون هناك تنسيق متكامل بين الدائرة البرلمانية واللجنة القانونية واللجان المختصة بالبرلمان من جهة، وبين رئيس المجلس والكتل السياسية من جهة أخرى. ووفقا للترتيب التالي: قانون المحكمة الاتحادية، قانون النفط والغاز، قانون المصالحة الوطنية، قانون تنظيم المؤسسات الأمنية، قانون الأحزاب، قانون المجلس الاتحادي، قانون الانتخابات، قانون مفوضية الانتخابات، قانون الشبكة الإعلامية، قانون هيئة النزاهة، قانون المفتش العام، قانون ديوان الرقابة المالية، قانون هيئة التوازن، قانون الموارد الاتحادية، قانون السلطة التنفيذية، قانون العمل الصحافي وحماية الصحافيين. إنهاء مسألة مسؤوليات المناصب بالوكالة ومعالجتها (الوزير بالوكالة، رئيس الهيئات، وكلاء الوزارات... إلخ)، خلال فترة ثلاثة أشهر من بداية عمل المجلس، وتحقيق التوازن الدستوري في هذا المجال. تفعيل دور المؤسسات الإعلامية المختلفة باعتبارها السلطة الرابعة، وإصدار قانون العمل الصحافي وقانون حماية الصحافيين. ووضع آلية واضحة لاستدعاء ومحاسبة الوزراء وأعضاء السلطة التنفيذية وعدم حصر هذه المسألة بالرئاسة.

كذلك جاء في الملف الأمني: إصدار قانون الأجهزة الأمنية الذي يحدد واجبات الأجهزة الأمنية العامة وسلطاتها، بهدف تحقيق التكامل والابتعاد عن ازدواجية السلطات في الأجهزة الأمنية. وضرورة تدريب عناصر المؤسسات الأمنية بما يحقق تدعيمها بأكبر عدد من الحرفيين وأصحاب الخبرات. والأهم من ذلك، وضع المؤسسات الأمنية تحت مسؤولية مجلس النواب وفق السياقات الدستورية، وإصدار حزمة من القوانين لمعاقبة الأطراف التي تستخدم تلك المؤسسات لصالح الأطراف الخارجية أو الاستخبارية. وتحقيق التوازن الوطني في المناصب التالية: وكلاء الوزارات، السفراء، رؤساء الهيئات والمفوضيات المستقلة، في الوزارات الفردية والمؤسسات العسكرية والأمنية من درجة مدير عام فما فوق (قادة الفرق وديوان الوزارات.. إلخ).

ومن البنود المهمة أيضا: إصلاح أعمال السلطة التنفيذية. والعمل وفقا لأسس الكفاءة والحرفية، وتحقيق التوازن الدستوري في الوظائف العامة وفقا لقانون مجلس الخدمة العامة.

وإعادة النظر في التعيينات التي جرت سابقا، وتحقيق حقوق المحافظات وفقا للدستور. وتحقيق المشاركة الحقيقية للأطراف المشاركة في الحكومة في القرارات السياسية والاقتصادية والأمنية. والمصادقة على نظام داخلي لتنظيم عمل مجلس الوزراء، وتحديد صلاحيات المجلس وأعضائه. كذلك منع التدخل المباشر في أعمال الوزارات عن طريق الوكلاء أو المديرين العامين لمصلحة حزبية، والتعامل مع الوزير باعتباره الرئيس الأعلى للوزارة، وهذا ما دفع بعض الوزراء إلى الاستقالة، بسبب تدخل مكتب مجلس الوزراء في عمل الوزير بصلاحيات شفوية من رئيس الوزراء.

أما المنصب المتفق عليه، وكان مطروحا منذ وزارة إياد علاوي، وهو مجلس السياسات، وكان ضمن اتفاق أربيل، فقد سوفه المالكي في الجلسة الأولى للبرلمان، بحجة أنه ليس من الدستور، بينما هو أهم نقطة في اتفاق أربيل. ولم يعلن نوري المالكي عن نياته تلك إلا بعد أن أجري التجديد بتكليف من رئيس الجمهورية. وبعدها أخذ يسوف في موضوع الوزارات الأمنية، فربطها كلها بمكتبه، من وزارة الدفاع، التي جعلها وكالة لوزير الثقافة، وتلك إحدى العجائب أن يكون وزير الثقافة وزيرا للدفاع، وعلى وجه الخصوص في بلد مثل العراق. وها هي السنة الرابعة، أي نهاية ولايته الثانية، تمر بينما البلاد بلا وزير داخلية ولا أمن ولا دفاع، فقد وضعها المالكي كلها في يده، لهذا كيف يساءل عن الوضع الأمني؟

بعدها أخذ المالكي في تشتيت القائمة العراقية، من طريق تقديم اتهامات عبر القضاء، مثلما حصل لنائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي. هنا لم يصدر القضاء مذكرة اعتقال بحقه، إلا بعد أن أصبح خارج بغداد، وخرج المالكي يقول: إن لديه وثائق الإدانة منذ ثلاث سنوات، وهذه بحد ذاتها جريمة، إذ هي تستر على جريمة. وصدر بحق الهاشمي ثلاثة أحكام غيابية بالإعدام. وما زال حتى هذه الساعة، من الناحية البرلمانية، نائبا لرئيس الجمهورية. ثم فعل المالكي قانون الاجتثاث ضد الآخرين، وعلى وجه الخصوص في الانتخابات التي كانت على الأبواب.

أما على صعيد الموقف مما يجري في سوريا، فقد التزم المالكي جانب نظام بشار الأسد، وقدم له العون، بتمرير أسلحة من إيران، وإمداده بالنفط، والسماح للمقاتلين من الميليشيات بالعبور إلى سوريا، ومنها لواء أبو الفضل العباس، وعصائب أهل الحق وسيد الشهداء. ويشرف محمد كوثراني، عضو المكتب السياسي لحزب الله اللبناني، على تجنيد العراقيين إلى سوريا. وتدخله يوازي تدخل قاسم سليماني في الشأن العراقي وقوته. وصار مشهد تشييع القتلى العراقيين داخل المدن العراقية ملحوظا، من دون أن تتقدم حكومة المالكي بموقف لصد ذلك، بل على العكس إذ حاربت الميليشيات، لكنها أبقت على ميليشيا عصائب أهل الحق، لاستخدامها وقت الحاجة، ضد التيار الصدري الذي يرفض الولاية الثالثة للمالكي.

وعلى صعيد آخر، عمد رئيس الوزراء إلى تجميد دور المؤسسات المستقلة، كالبنك المركزي. لقد جرى استغلال سفر محافظ البنك، وهو رجل معروف بنزاهته واختصاصه المالي والاقتصادي، وأحد العاملين في مؤسسات دولية تابعة للأمم المتحدة، وأصدر القضاء الذي صار ألعوبة بيد المالكي، أمرا بإلقاء القبض عليه بتهمة الفساد. وقد ألقي القبض على نائبه، الاختصاصي الآخر في مجال المال محمد صالح مظهر، وجرى اعتقال الموظفات في البنك أيضا. ويتعلق الأمر بالاحتياط المالي، وهو نحو 68 مليار دولار، كما صرح الدكتور الشبيبي، إذ أراد المالكي الحصول على قرض منها، ما يعرض البلاد إلى هزة مالية.

ومع أن شأن البنك المركزي حسب الدستور، تابع للبرلمان، وكذلك هيئة النزاهة، إلا أن المالكي راح يصدر التعليمات عن طريق مجلس القضاء الأعلى. وإذا تمكن من قمع مظاهرات الشباب ضد الفساد المالي والإداري، وضد العنف واستخدام كواتم الصوت ضد المخالفين، فإن مظاهرات المنطقة الغربية تمكنت من الصمود لأكثر من عام، مع ما أصاب منطقة الحويجة من هجمة شرسة راح ضحيتها أكثر من 30 متظاهرا، لكن الاعتصامات ظلت تحرج نوري المالكي، حتى اتهمها بحماية الإرهاب، مع أنها كانت سلمية.

كاد عام 2012 يكون الأخير في ولاية نوري المالكي، فقد جمع معارضوه في البرلمان، نحو 170 صوتا، تكفي لسحب الثقة منه وتزيد، بعد أن رفض المثول أمام البرلمان بعد أن استدعي مرات عدة، وقد تسلم رئيس الجمهورية جلال طالباني قائمة الأسماء، ولم يبق سوى أن يقدمها إلى البرلمان لسحب الثقة. هنا تدخلت إيران، مثلما تدخلت في المرة الأولى في تعيين إبراهيم الجعفري، وفي التجديد لنوري المالكي في ولايته الثانية. ولم يبق ذلك سرا، فقد أفشى أحمد الجلبي الأمر في لقاء مع قناة «البغدادية»، إذ سئل عن تعطيل سحب الثقة، فقال: «إيران أوقفته بالضغط على جلال طالباني». وبطبيعة الحال لها اليد الطولى. ثم قالها نواب من كتلة التيار الصدري أيضا، إن إيران أوقفت سحب الثقة.

إلا أن حدثا وقع لم يكن في الحسبان، إذ فرت عناصر إرهابية من سجني التاجي وأبو غريب، فخرج وزير العدل العراقي حسن الشمري، يتحدث عن تفاصيل مذهلة، تتعلق بما حدث، بعد أن أشارت أصابع الاتهام إلى وزارته. وصرح على فضائيات، بأن هروب هذه المجاميع له علاقة بالوضع السوري، فهناك من أمر بسحب فوج الحماية من السجون، التي فتحت أبوابها للإرهابيين، كي يلتحقوا بـ«القاعدة» وما يسمى بـ«داعش»، على خلفية التخويف من سقوط النظام السوري من قبل الأميركيين، وقد تزامن هذا مع ما تناقلته الأخبار من اتجاه الأميركيين إلى اتخاذ قرار باستخدام القوة ضد النظام السوري.

في تلك الأثناء، بدا نوري المالكي كمن كان نائما واستيقظ فجأة ليكتشف وجود إرهاب، مع أن الإرهاب لم يتوقف على امتداد فترتي ولايتيه الأولى والثانية في مدن العراق كافة، وعلى وجه الخصوص بغداد والموصل. قرر المالكي شن حملة عسكرية على المناطق الغربية. واتجهت القوات إلى أماكن الاعتصامات لتفريقها وإزالة الخيم التي كان المتظاهرون يستخدمونها في الساحات. وجرت اعتقالات عشوائية. لكن الأهم، هو أن تحريك القوة العسكرية لا يجري بأمر من رئيس الوزراء والقائد العام، إنما يتعلق بموافقة البرلمان العراقي والتنسيق مع مجلس الأمن الوطني الأعلى، وهذا ما لم يحصل. ووجهت هذه الحملة، ذات الحسابات الانتخابية لا الأمنية، بالاعتراض من قبل التيار الصدري والمجلس الأعلى والأحزاب الكردية، التي فتحت أبوابها لاستقبال ضحايا الهجمة العسكرية من الأسر والأفراد.

غير أن تلك الحملة، التي استعرض بها نوري المالكي قوته وصلاحياته التي لم يمنحها له الدستور، لم توقف الإرهاب. فهذه بغداد والأنبار والموصل والحلة وكربلاء تتعرض يوميا إلى هجمات إرهابية، فما فائدة الحملة العسكرية والحرب على المدن؟

بعد فشل الحملة العسكرية، راح المالكي يتوسل العشائر لمحاربة المسلحين، وأخذ يتحدث عن الوحدة الوطنية، وينتقد المحاصصة، ويدعو إلى اعتماد الكفاءة في المناصب، مع أنه لم يعتمد كفؤا في أي منصب من المناصب الخطيرة، سوى في الأمن أو التعليم أو إدارة البلاد. وكم من عراقي كفؤ أتى من الخارج ليخدم بلاده بما تحصله من علوم وخبرات ووجد الأبواب وقد سدت أمامه بسور حزبي وأسري أخذ يزحف بقوة من داخل المنطقة الخضراء إلى خارجها؟

كان يمكن للعراق، خلال فترة الثماني سنوات التي قضاها نوري المالكي رئيسا للوزراء وقائدا عاما للقوات المسلحة وغيرهما من المناصب، أن يتقدم كثيرا في سياسته الداخلية وفي تحقيق المصالحة الوطنية، وفي سياسته الخارجية أيضا. لكن تبين أن أهم ما لدى المالكي هو البقاء في المنصب. وهو يطمح الآن، في ولاية ثالثة، ويتقدم باتجاهها بقوة، على الرغم مما بينه وبين بقية الكتل السياسية الأخرى.