أمر الله إشلرلـ «الشرق الأوسط» : واثق من قدرة إردوغان وحزبه على تجاوز الحملات

نائب رئيس الوزراء التركي أعرب عن أمله أن يكون الفتور مع العالم العربي غمامة صيف

نائب رئيس الوزراء التركي أمر الله إشلر
TT

أبدى نائب رئيس الوزراء التركي أمر الله إشلر ثقته بفوز حزب العدالة والتنمية الحاكم في الانتخابات المحلية التي تنظم غدا، من دون أن يدخل في «أرقام الفوز»، مؤكدا أن حرب التسريبات التي تجري في البلاد منذ فترة، وعمليات التوقيف التي قامت بها الشرطة على خلفية مزاعم فساد، «أظهرت بما لا يدع مجالا للشك، وجود كيان يدير نشاطات في البلاد، تصل إلى مرتبة الخيانة». في إشارة مباشرة إلى الصراع القائم مع جماعة الداعية فتح الله غولن الذي يتجنب الساسة الأتراك تسميته شخصيا رغم اتهامهم إياه بطريقة غير مباشرة بالضلوع في الحوادث الأخيرة.

وقال إشلر في حوار مع «الشرق الأوسط» إن ما يجري هو عبارة عن «عملية تحريض تجري عبر وسائل إعلام مغرضة، تهدف إلى تأليب الرأي العام ضد حكومة حزب العدالة والتنمية». وشدد في المقابل على أن الشعب التركي «تمكن من رؤية الألاعيب التي تجري صياغتها ضد بلده بشكل واضح»، مؤكدا حقيقة رؤية المواطن وتعاطفه مع الحكومة.

وشدد إشلر على تمسك بلاده بأفضل العلاقات مع العالم العربي، مشيرا إلى أنه رغم ظهور فتور شاب العلاقات التركية - العربية، بعد مرحلة الربيع العربي، فإني على قناعة بأن الفتور ليس إلا عبارة عن غمامة صيف ستنقشع قريبا. وفيما يأتي نص الحوار:

* إن تركيا تمر بفترة صعبة، لكن ما المشكلة على وجه التحديد؟ وما المخاطر؟

- ينبغي علينا إجراء مقارنة بين تركيا قبل عام 2002 وبعده، وذلك للتمكن من فهم الأحداث التي تشهدها تركيا هذه الأيام، وكما هو معلوم، فإن تركيا بعد انقلاب عام 1960 شهدت انقلابات متتالية بمعدل انقلاب كل عشر سنوات، ما منع البلاد من تحقيق الاستقرار الذي تستحقه. لم تتمكن البلاد بسبب تلك الانقلابات من تسجيل أي تقدم في ميادين الاقتصاد والسياسة أو غيرها من القطاعات، كما أن الحكومات الائتلافية قصيرة العمر لم تحقق للبلاد الاستقرار المنشود، ما أجبر البلاد على التوجه بشكل مستمر نحو انتخابات مبكرة.

بإمكاننا تقييم المشكلات التي تشهدها بلادنا هذه الأيام، استنادا إلى ركيزتين أساسيتين، الأولى: حالة الانزعاج من حكومة حزب العدالة والتنمية التي كانت تعتري الشريحة التي تستحوذ على شغل المناصب الإدارية في الجمهورية التركية منذ تأسيسها، حيث إن الشريحة المذكورة كانت تمارس مبدأ «الطائفية السياسية» في دوائر الدولة، ولا تقلد المناصب المهمة في الدولة إلا للأشخاص الذين يشاركونها في الفكر والآيديولوجية، إذ إن تلك الشريحة كانت تعد نفسها الشريحة التي أسست الدولة، وبالتالي فإن الدولة هي ملك شخصي لها، لذا كانت مسألة القضاء على الآخر تشكل هاجسا وضرورة بالنسبة لضمان بقائها. الثانية: هي ما بإمكاننا أن نصفه بمرحلة الآلام التي رافقت فترة التحول من تركيا القديمة إلى تركيا الجديدة، لذا كان من الطبيعي وقوع بعض الأحداث المؤلمة التي رافقت عملية المخاض تلك. مما لا شك فيه أن حل المشكلات التي كانت تواجه تركيا طيلة قرن كامل، وبدء البلاد بالسير نحو استقلال كامل وبناء دولة قوية تشغل حيزا مرموقا بين الدول الكبرى، أزعج بعض الشرائح في الداخل والخارج.

* هل تسببت مزاعم الفساد بضرر لحزب العدالة والتنمية؟ تقولون إن هناك من يعمل على تشويه صورة الحزب، فمن هؤلاء؟

- إن المشاريع التي أنجزت من قبل حكومات حزب العدالة والتنمية المتعاقبة، أزعجت القوى التي تسيطر على المنطقة، كما أن تلك القوى قامت بشن هجمات كثيرة بهدف إعاقة بناء «تركيا الجديدة»، بدأت بـ«مسيرات من أجل الجمهورية»، ثم مذكرة 27 أبريل (نيسان) التي وجهها العسكر إلى رئاسة الجمهورية التركية بحجة حماية علمانية الدولة، ثم قضية رفعت من أجل إغلاق حزب العدالة والتنمية، وأحداث حديقة النزهة (جيزي بارك) المطلة على ميدان تقسيم وسط مدينة إسطنبول، ثم عمليات الاعتقالات التي جرت ما بين 17 و25 ديسمبر (كانون الأول)، والتي استهدفت أبناء ثلاثة وزراء وشخصيات أخرى، بحجة مكافحة الفساد، والتي أظهرت بما لا يدع مجالا للشك وجود كيان يدير نشاطات في البلاد، تصل إلى مرتبة الخيانة.

إن حملة الاعتقالات التي بدأت في تركيا يوم 17 ديسمبر الماضي، أرادت جر البلاد إلى حالة من الفوضى العارمة، فقضية تحقيق بدعوى قضايا فساد موجهة إلى بعض الشخصيات، هي قضية طبيعية من الممكن أن تجري في أي بلد، إلا أن القضية المذكورة لم تراعِ الحفاظ على مبدأ سرية التحقيقات، الذي تعرض للخرق، لتتحول القضية بعدها إلى عملية تحريض تجري عبر وسائل إعلام مغرضة، تهدف إلى تأليب الرأي العام ضد حكومة حزب العدالة والتنمية. عملت تلك الوسائل الإعلامية التي هي جزء من تلك العملية على شن حملة تشهير ضد الحكومة، لتشويه صورتها وتقويض هيبتها أمام المواطنين، من خلال معلومات ووثائق لم يرَها أو يسمع بها أي من المدعين العامين أو القضاة، لذا لم يعد ما يجري عبارة عن تحقيقات قانونية، بل عن عملية إعادة رسم للخارطة السياسة في تركيا، من خلال القضاء ووسائل الإعلام، قبيل الانتخابات المحلية. إن زعزعة إيمان المواطن بمبدأ سيادة القانون، وتوجيه ضربة قوية للاقتصاد التركي، وتشويه صورة البلاد في الخارج، كانت أبرز النقاط التي أريد تحقيقها من خلال عملية 17 ديسمبر، التي استخدمت وسائل غير قانونية من أجل تنفيذ مآربها، ومما لا شك فيه أن ما جرى لم يلحق الضرر بالحكومة أو بحزب العدالة والتنمية فقط، بل بتركيا كلها. ومع ذلك، فإن الشعب التركي تمكن من رؤية الألاعيب التي تجري صياغتها ضد بلده بشكل واضح، لذا نرى أن مشاركة أكثر من مليوني مواطن تركي في المهرجان الشعبي الحاشد الذي نظمه حزب العدالة والتنمية في مدينة إسطنبول، هو دليل ملموس يؤكد حقيقة رؤية المواطن وتعاطف مع الحكومة.

في الواقع، تقييم التطورات التي تشهدها تركيا وفق رؤية داخلية محضة هي في الحقيقة عبارة عن مقاربة غير صحيحة، ذلك أن حادثة 11 سبتمبر (أيلول) 2001 ترافقت مع خلط متعمد قامت به بعض القوى لمفهوم الإرهاب مع الإسلام، من خلال ذكرهما جنبا إلى جنب بشكل مستمر وفق خطة مدروسة، تهدف إلى خلق تصور سلبي عن العالم الإسلامي برمته، وأكدت تلك القوى أيضا أنه لا يمكن للإسلام والديمقراطية أن يشكلا منظومة عمل متكاملة، إلا أن تأسيس حزب العدالة والتنمية عام 2002 الذي عرف نفسه بأنه حزب ديمقراطي محافظ، وأطلق حزم إصلاحية كانت بمثابة ثورات حقيقية في تركيا، تمكن أيضا من حل مشكلات كثيرة تراكمت على مدار قرن من الزمن، وحمل البلاد إلى مصاف الدول المحترمة في العالم. إن القوى المنزعجة من كل تلك التطورات التي تشهدها بلادنا، لم تتوانَ أبدا عن استغلال أي فرصة لشن حملات تشويه، تستهدف صورة حزب العدالة والتنمية. إن الهدف من كل ذلك هو تقويض التجربة التركية الناجحة، إلا أن القائمين على تلك الحملات غير الأخلاقية نسوا أن السيد رئيس الوزراء والشعب التركي لا يرضخون للضغوط الداخلية أو الخارجية.

* هل تعتقدون أن شخص رئيس الوزراء التركي رجب إردوغان وحزب العدالة والتنمية أصيبا بأضرار بالغة خلال أحداث جيزي بارك وأحداث 17 ديسمبر الماضي؟

- بداية أعتقد أن من المفيد تحليل القيم والمعايير التي يستند إليها الناخب التركي عند الإدلاء بصوته الانتخابي. إن سمة الناخب التركي - عدا شريحة محددة من الناخبين - تقديم صوته الانتخابي إلى الحزب أو الزعيم الذي يعتقد أنه يسعى إلى تقديم خدمات للبلاد، لذا نرى أن الانتخابات الماضية شهدت أحيانا فوزا لأحزاب يسارية وأحيانا أخرى فوزا لأحزاب يمينية.

إن 34.28 في المائة من الناخبين الأتراك الذين دعموا حزب العدالة والتنمية في انتخابات 3 نوفمبر (تشرين الثاني) 2002 وجهوا، من خلال ذلك الدعم، رسالة لحزب العدالة والتنمية، مفادها أن دعمهم مستمر للحزب طالما استمر هو بتحقيق الوعود الانتخابية التي قطعها. رغم أن تلك النسبة أوصلت حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، فإنها لم تكن تسمح له بالقدرة على اتخاذ القرارات بمفرده، كما أن إردوغان الذي تمكن من القيام بقراءة صحيحة لتلك الرسالة تمكن من رفع رصيد حزب العدالة والتنمية من الأصوات الانتخابية في الانتخابات اللاحقة، من خلال تنفيذ الوعود الانتخابية الواحد تلو الآخر، مما أدى إلى تلقي حزب العدالة والتنمية دعما شعبيا متزايدا في ثلاثة انتخابات عامة، ودورتي انتخابات محلية واستفتاء واحد، أي ما مجموعه ستة انتخابات.

لم تكن أحداث حديقة «جيزي» عبارة عن ردة فعل اجتماعية حيال فشل تعرضت له الحكومة، بل بدأت تلك الأحداث بعملية احتجاج لعدد من الأفراد على نقل عدد من الأشجار وزرعها في مكان آخر، ضمن خطة عمل للبلدية، تهدف إلى تنظيم المساحات الخضراء في مدينة إسطنبول. تلقفت القوى الخارجية ذلك الموضوع وسارعت إلى الاستفادة من ذلك الوضع، وشرعت بالتنسيق مع حلفائها في الداخل لتغيير مجرى الأحداث وتأزيمها، لكي تتحول إلى تمرد ضد الدولة، وهكذا تحولت المطالب الديمقراطية المشروعة في «جيزي بارك» بسرعة، إلى أجواء من العنف، ساهمت شعارات وهتافات بعض المتظاهرين التي تجاوزت حدود القيم الأخلاقية وعملت على تعميق مشاعر الكراهية، على تأجيجها، واليوم، وفي هذه المرحلة، نستطيع من خلال تحليل التفاصيل الوصول إلى نتيجة مفادها أن أحداث جيزي بارك لم تكن وراءها مشاعر البعض الجياشة والمحبة للبيئة والمحافظة عليها، بل إن جهات خارجية ساهمت في تأجيج تلك الأحداث وإدارتها، ويمكن لنا ملاحظة ذلك من خلال الوقوف على ماهية المطالب التي قدمت لنائب رئيس الوزراء التركي بولند أرينج، خلال اجتماعه مع الهيئة التي مثلت متظاهري «ميدان تقسيم» والتي أطلقت على نفسها اسم «منبر جيزي بارك»، حيث إن المفاجئة تكمن في أن الهيئة لم تتقدم بأي طلب يخص الأشجار أو البيئة، بل لخصت مطالبها بإلغاء مشروع المطار الثالث في ولاية إسطنبول، والجسر المعلق الثالث الذي سيصل ضفة إسطنبول الأوروبية بالآسيوية، وإلغاء مشروع «قناة إسطنبول المائية»، التي أطلقت الحكومة التركية عليه اسم «المشروع العظيم»، وهو عبارة عن مضيق اصطناعي يصل البحر الأسود ببحر مرمرة، بهدف تخفيف حركة الملاحة البحرية في مضيق البوسفور، والضغط الكبير لحركة المرور على الجسرين المعلقين على المضيق، كذلك طلبت إلغاء مشروع «الممر البري» الذي يتكون من نفق عملاق من طابقين، يمر من تحت مضيق البوسفور. كل ما سبق يظهر مدى انزعاج القوى الخارجية من الإصرار التركي على إنجاز تلك المشاريع الحيوية بالنسبة للبلاد والمنطقة.

مما لا شك فيه أننا على دراية بأن تلك العمليات كلها كانت تستهدف السيد رئيس الوزراء إردوغان، إذ إن «تركيا الجديدة»، في ظل قيادته، تخلصت من أولئك الذين يسعون إلى تسيير البلاد وفقا لمصالحهم الخاصة، فتركيا التي تمكنت من إيجاد حلول لمشكلاتها المتراكمة عبر قرن كامل، من خلال حزم ديمقراطية فعالة، تمكنت أيضا من الوصول إلى مصاف الدول المحترمة عالميا. إن تركيا طالما عانت من ظاهرة «اليد الخفية» التي عملت على إعاقة أي عملية إنتاج لسلاح تركي خاص أو أجهزة اتصالات متطورة أو برمجيات أو أقمار صناعية أو طائرات أو سيارات، إلا أن تركيا الجديدة شهدت صناعة أقمار صناعية محلية، تشغل أهمية خاصة في مكافحة الإرهاب والقوى المعادية، كما شهدت إرسال تلك الأقمار إلى الفضاء لتتابع من هناك عملها في خدمة الوطن، كما أنتجت تركيا الكثير من الأسلحة والدبابات والصواريخ المحلية التي شاركت في الكثير من معارض الصناعات الدفاعية حول العالم، لذا فإن انزعاج بعض القوى الخارجية - التي أدركت حيلولة وصول أعوانها إلى السلطة في تركيا عبر الوسائل المشروعة - من الخطوات الإيجابية التي حققتها تركيا، دفعها إلى القيام بحملات تشويه لصورة حزب العدالة والتنمية.

* ما النسبة المئوية من الأصوات الانتخابية التي تتوقعون أن يحصل عليها حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البلدية التي ستشهدها تركيا في 30 مارس (آذار) المقبل؟ وهل تتوقع خسارة في تلك الأصوات؟

- في الواقع، تركيا عملت خلال السنوات الـ12 الماضية على تعويض الوقت الضائع من تاريخها، إذ تمكن حزب العدالة والتنمية من إنجاز مشاريع بحجم ضعفي المشاريع التي جرى إنجازها منذ تأسيس الجمهورية، وإن تلك المشاريع نالت قبول الشعب واستحسانه، الذي واصل دعم الحزب في جميع الانتخابات التي تلت انتخابات عام 2002.

مما لا شك فيه أن تركيا تمر في هذه الآونة بمرحلة مصيرية، وقد عرف السيد رئيس الوزراء هذه المرحلة بأنها «مرحلة الاستقرار والنضال من أجل الاستقلال». إن هذا التعريف يحتوي على معنيين مهمين، الأول: لفت الانتباه إلى المكائد التي تحاك ضد تركيا، خاصة أنها لأول مرة في تاريخها تمتلك زمام تقرير مصيرها، وبالتالي، فإن هذا التعريف يتضمن نداء من أجل النضال ضد كل من يريد تقويض هذه الفرصة التاريخية. الثاني: أن هذه العبارة تحتوي على رغبة قوية في تحقيق تركيا المستقرة والمستقلة؛ لأن الشعب التركي يفهم أن عبارة «الاستقرار» تعني الاستقرار الاقتصادي والسياسي، وأن عبارة «الاستقلال» تعني الاستقلال الكامل غير المشروط. وانطلاقا من هذا الفهم نرى أن حزب العدالة والتنمية يخوض الآن غمار حملة انتخابية عامة، لا حملة انتخابات محلية.

إن استطلاعات الرأي تظهر زيادة كبيرة في شعبية حزب العدالة والتنمية، قبيل الانتخابات المحلية المهمة، التي ربما تحدد مستقبل بلدنا، وأنا شخصيا أرجع سبب ذلك إلى أن شعبنا بات مطلعا على كل شيء، وسيدلي بالكلمة الفصل من خلال صناديق الاقتراع.

* كيف تقيمون التطورات التي شهدها العالم العربي خلال السنوات الثلاث الماضية؟ ما تصوراتكم حيال العلاقات التركية العربية في الفترة المقبلة؟

- مما لا شك فيه أن تركيا تراقب عن كثب التطورات الجارية في العالم العربي، لأن التطورات المذكورة تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على بلدنا، وذلك بسبب العلاقات التاريخية والاقتصادية والثقافية والبشرية المتجذرة التي تربطنا مع شعوب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على حد سواء، لذا نجد أنفسنا مضطرين للمساهمة في حل القضايا الإقليمية.

إن تقييم العلاقات التركية - العربية على أساس علاقات طارئة أو عابرة، هي مقاربة خاطئة تماما، إذ إن العلاقات التركية - العربية لطالما شغلت مكانة متميزة على أجندة الدولة والشعب التركي على مر التاريخ، وستواصل تلك العلاقات، بالمحافظة على مكانها الخاصة على مر الأزمان، ذلك أن ثقافة وعقلية الشعبين من ناحية سوسيولوجية، باتت كل واحدة منها تكمل الأخرى، بسبب العلاقات التاريخية الطويلة بين الشعبين، فاليوم عندما ننظر إلى المرحلة التي تشكلت فيها الهوية التركية - خاصة مرحلة تشكل الهوية التركية في ظل الإسلام - نلحظ أن غالبية المجتمعات التركية لم تعد تمتلك موروثا يعود إلى حقبة ما قبل الإسلام. اكتسبت العلاقات الثنائية بين تركيا ودول العالم العربي زخما كبيرا في عهد حكومات العدالة والتنمية، وشهدت العلاقات الثنائية تطورا ملحوظا في جميع المجالات، سيما المجال الاقتصادي، ورغم ظهور فتور شاب العلاقات التركية - العربية، بعد مرحلة الربيع العربي، فإني على قناعة بأن الفتور ليس إلا عبارة عن غمامة صيف ستنقشع قريبا.

لقد بذلت تركيا جهودا جمة خلال السنوات الثلاث الماضية من الأزمة، التي تعصف بالمنطقة، بغية تقليل حجم المشكلات إلى الحد الأدنى، وتضميد الجروح الناجمة عن الأزمة، كما أن تركيا كدولة اتخذت موقفا مبدئيا واضحا، اعتبارا من اليوم الأول للأزمة، يمكن تلخيصه بضرورة تحقيق المطالب المشروعة والديمقراطية للشعوب، ورفض مبدأ التدخل العسكري ودوره في تقويض الأنظمة الديمقراطية، وجددت دعواتها في كل مناسبة للعودة إلى الشرعية الديمقراطية.

إن تركيا، التي فتحت جميع أبوابها أمام الشعب السوري ليحلوا بها أهلا ويطأوا بها سهلا، سعت إلى تسليط الضوء على المعاناة الإنسانية التي حلت بسوريا، وبذلت جهودا جمة من أجل إنهاء تلك المعاناة، وذلك من خلال طرح معاناة الشعب السوري على جميع المنابر الدولية الممكنة، ذلك أن مفهوم العلاقات الثنائية بالنسبة لبلدنا - بخلاف قاعدة العلاقات الدولية - لا يقوم على مبدأ المصالح العمياء، فالموقف التركي الرسمي الذي أثار استغراب الدول التي أغلقت العيون وصمت الآذان حيال المأساة السورية، بات محل تقدير وإعجاب تلك الدول أيضا، فيما خط الشعب التركي أجمل المآثر عبر التاريخ، من خلال احتضانه للاجئين السوريين، في مشهد يحيي في قلوبنا وأذهاننا مجددا ملحمة المهاجرين والأنصار.

إن مشاهدة بزوغ حالة من الوعي بين الأتراك وجيرانهم العرب خاصة في السنوات الأخيرة، يعد تطورا يثلج الصدور، كما أن حالة التعاون والتنسيق والعمل المشترك وتبادل الرؤى والأفكار بين الأتراك والعرب، وخاصة فئة الشباب منهم، تظهر مدى إدراك الأهمية الحيوية لتلك العلاقات، فضلا عن أن أعداد الشباب الأتراك المقبلين على تعلم اللغة العربية باتت تسجل زيادة ملحوظة، كما أن ازدياد أعداد الشباب العربي الراغب في الاطلاع والتعرف على تركيا عن قرب بات يشكل أملا مشرقا لمستقبل واعد.