شيخ سلفي أفرج عنه بعد إدانته في قضايا إرهاب يلقي خطبة الجمعة أمام العاهل المغربي

الفزازي: حققت أمنيتي وتشرفت بالسلام والحديث إلى الملك محمد السادس

صورة تلفزيونية للملك محمد السادس وهو يتحدث مع خطيب مسجد طارق بن زياد في طنجة الشيخ السلفي محمد الفزازي المفرج عنه بعفو ملكي (الشرق الاوسط)
TT

في بادرة غير مسبوقة، ألقى محمد الفزازي أحد الشيوخ السلفيين المغاربة المفرج عنهم، أمس، خطبة الجمعة أمام العاهل المغربي الملك محمد السادس، بمسجد طارق بن زياد، بمدينة طنجة شمال البلاد.

وكان الفزازي أحد شيوخ ما يُعرف بـ«السلفية الجهادية» قد حُكم عليه بالسجن 30 سنة، في أعقاب التفجيرات الإرهابية التي عرفتها مدينة الدار البيضاء، في 16 مايو (أيار) 2003، إذ وجهت له تهمة التحريض، والتنظير للتيار السلفي الجهادي، بيد أنه استفاد من عفو ملكي رفقة الشيخ عبد الكريم الشاذلي في 14 أبريل (نيسان) 2011، بعد قضاء ثماني سنوات في السجن. وكتب الفزازي، وهو مدرس سابق للرياضيات واللغة الفرنسية وأحد الدعاة المشهورين بمدينة طنجة، في صفحته على «فيسبوك»، أمس: «الحمد والشكر لله، لقد وفقني الله عز وجل وحقق أمنيتي بإلقاء خطبة الجمعة بين يدي جلالة الملك أمير المؤمنين نصره الله وأيده وسدد خطاه، وتشرفت بالسلام عليه والحديث إليه». ونشر الفزازي صورته مع الملك محمد السادس. وقبل ذلك كان الفزازي قد كتب أنه «من المحتمل أن يؤدي الملك محمد السادس صلاة الجمعة المقبلة بمسجد طارق بن زياد، سأكون سعيدا بإلقاء خطبة الجمعة بين يدي أمير المؤمنين (أعز الله أمره) وأتشرف بالسلام على جلالته، فاللهم يسر».

وقال مصدر مغربي مأذون لـ«الشرق الأوسط» إن الملك محمد السادس، الذي يوجد حاليا في طنجة للإشراف على تدشين مشاريع تنموية وثقافية، مرّ قبل أيام بجوار مسجد طارق بن زياد، وعبر عن رغبته في أداء صلاة الجمعة فيه، فأبلغته الحاشية لاحقا أن خطيب المسجد هو محمد الفزازي، المعتقل السلفي السابق، بيد أن الملك محمد السادس ألح على الصلاة في المسجد ذاته، ولم يعترض على إلقاء الفزازي خطبة الجمعة.

وتناقلت الصحف الإلكترونية، ومواقع التواصل الاجتماعي، خبر إلقاء الفزازي خطبة الجمعة أمام الملك محمد السادس على نطاق واسع.

وكان الفزازي قد ظهر في يناير (كانون الثاني) الماضي، على القناة التلفزيونية المغربية الثانية «دوزيم»، وشارك في حلقة من برنامج «مباشرة معكم» الأسبوعي، تناولت موضوع التطرف والتكفير في المجتمع، هي المرة الأولى التي يُسمح فيها لشيخ سلفي كان متهما بالإرهاب بالظهور على قناة رسمية، وحققت الحلقة نسبة متابعة عالية، لا سيما أنه تطرق لموضوع تعدد الزوجات، ودافع عنه، وكشف أنه متزوج من ثلاث نساء. وكانت آراؤه تقابل بالتصفيق داخل استوديو البرنامج. ومنذ الإفراج عنه، كثف الفزازي حضوره في المواقع الإلكترونية والإدلاء برأيه في مختلف القضايا، وتخصص في الرد على «العلمانيين». كما يشارك في البرامج الإذاعية، ويلقي من حين لآخر محاضرات حول الديمقراطية والتحول السياسي في المغرب. ويلبي دعوات الأحزاب السياسية، ومنها مشاركته في المهرجان الخطابي الذي نظمه حزبا الاستقلال والاتحاد الاشتراكي المعارضين، في ذكرى تقديم وثيقة الاستقلال في 11 يناير الماضي، ليؤكد اندماجه الكامل في الحياة المجتمعية والسياسية ونبذه للتطرف.

ولم يسلم الفزازي من النقد، إذ يرى كثيرون أن الدولة نجحت في «تدجينه».

وساهم المحامي مصطفى الرميد وزير العدل والحريات الحالي المنتمي لحزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية، متزعم الائتلاف الحكومي في الإفراج عن الفزازي، وكان من أبرز المدافعين عن الإفراج عن الشيوخ السلفيين، الذين سجنوا على خلفية قضايا الإرهاب، وبينهم أيضا حسن الكتاني وعمر الحدوشي، وعبد الوهاب رفيقي، الذين أفرج عنهم في دفعة ثانية في فبراير (شباط) 2012.

وتطرق الفزازي في خطبته أمام الملك محمد السادس إلى شرح قوله تعالى: «لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف»، مبرزا أن الله سبحانه في هذه السورة القصيرة المبنى، العظيمة المعنى، يذكر قريشا، وهم قبيلة النبي (صلى الله عليه وسلم)، بما مهّده لهم سبحانه من أسباب الطمأنينة والاستقرار، وبما جلبه لهم من احتياجهم إلى الطعام والشراب، وأرشدهم إليه من اتخاذ ما يمهد لذلك من الأسباب.

وأشار في هذا الصدد، إلى أنه ما من نعمة أعظم من نعمة أمن الإنسان على نفسه، وعرضه، وماله، ووطنه، إذ في ظل الأمن تستقيم العبادة والمعاملة، وفي غيابه وفقدانه تتعذران، فلا إيمان بلا أمن، ولا أمن بلا إيمان، إذ بالخوف والفتن لا يقوى الإنسان على الثبات على عقيدة، ولا على ممارسة عبادة أو معاملة.

وأشار الفزازي في خطبته إلى أن الملك محمد السادس لم يزل يتخذ المبادرة تلو الأخرى، وإنجاز المشاريع الكبرى، ليمهد الأسباب المحققة لتوفر هاتين النعمتين العظيمتين؛ نعمة أمن الناس على أرواحهم وعقولهم من كل عدوان أو تشويش يضر بالأمة في التمسك بثوابتها الدينية وقيمها الأخلاقية، ونعمة الاستقرار الذي في ظله يتيسر المعاش، وتكون محاربة الجهل بالتعليم الصحيح، وتجري محاربة الفقر بالتضامن.

وحضر صلاة الجمعة إلى جانب العاهل المغربي أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، والشرقي الضريس الوزير في وزارة الداخلية.

وجرت العادة أن يحضر وزير الأوقاف ووزير الداخلية صلاة الجمعة، إلى جانب عاهل البلاد. وفي سياق ذلك، وصف مراقبون صلاة الجمعة، أمس، بأنها «جمعة الأمن والإيمان».