قائد جديد لـ«الأطلسي» في أوج الأزمة مع روسيا

النرويجي ستولتنبرغ بدأ مسيرته معارضا قبل أن يصبح سياسيا توافقيا

ينس ستولتنبرغ
TT

اختار حلف شمال الأطلسي أمس، أمينا عاما جديدا في أوج الأزمة مع روسيا وقبل أشهر من انسحاب قوات الحلف من أفغانستان. وانتخب سفراء الدول الثماني والعشرين الأعضاء في الحلف، رئيس وزراء النرويج السابق ينس ستولتنبرغ أمينا عاما جديدا خلفا للدنماركي أندرس فوغ راسموسين. وأعلن الحلف في بيان مقتضب أن مجلس حلف شمال الأطلسي قرر تعيين ينس ستولتنبرغ أمينا عاما خلفا لأندرس فوغ راسموسين في ختام مهمته التي استمرت خمس سنوات وشهرين.

واتفقت دول الحلف الأطلسي على اسم ستولتنبرغ بأسرع من المتوقع، إذ كان ينتظر تعيين الأمين العام الجديد في يونيو (حزيران) المقبل. وحصل ستولتنبرغ على دعم قادة دول الحلف الرئيسة وأولها الولايات المتحدة وكذلك ألمانيا وفرنسا وبريطانيا. وجرى تداول عدد من أسماء المرشحين بينهم وزير الخارجية البولندي رادوسلاف سيكورسكي ووزير الدفاع البلجيكي بيتر دو كريم.

ويتولى ستولتنبرغ (55 عاما) مهامه رسميا في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، بعد قمة الحلف الأطلسي المقررة في 4 و5 سبتمبر (أيلول) في ويلز بالمملكة المتحدة. وجاء تعيين الأمين العام فيما يواجه الحلف الذي يحتفل بأعوامه الـ65 قريبا، تحديات جديدة مع الأزمة الأوكرانية ومغادرة القوات الأجنبية المقاتلة أفغانستان في أواخر 2014.

بدأ ستولتنبرغ مسيرته السياسية في الأوساط الراديكالية المعارضة للحلف قبل أن يصبح مؤيدا للتوافق الذي يمكن أن يتبلور اليوم عبر علاقات جيدة مع القادة الروس. ويعد ستولتنبرغ خبيرا اقتصاديا لم يكن أبدا من متابعي قضايا الدفاع والأمن بشكل خاص لكن السنوات العشر التي أمضاها في السلطة مترئسا مختلف الحكومات ساهمت في إثراء علاقاته الدولية وفن التفاوض. وهو أول أمين عام للحلف الأطلسي يتحدر من دولة حدودية مع روسيا، ويقيم المسؤول العمالي علاقات جيدة مع موسكو وهي ورقة مهمة في يده في أوج أزمة القرم التي خلفت أجواء تشبه حقبة الحرب الباردة. وفي ظل حكمه، أبرمت النرويج وروسيا اتفاقات مهمة حول رسم حدودهما في بحر بارنتس وإعفاء شعبي البلدين من تأشيرات دخول.

وكتبت صحيفة «افتينسوبستن» النرويجية في الآونة الأخيرة أن «خبرة ستولتنبرغ والنرويج بصفتها جارة لروسيا ستكون بالتأكيد مفيدة، لكن طبيعة العلاقة التي يجب أن يقيمها الغرب مع روسيا تتقرر في أماكن أخرى خارج هيئات حلف الأطلسي»، مشيرا إلى الاتحاد الأوروبي وبشكل خاص واشنطن. في شبابه ناضل ستولتنبرغ ضد حلف الأطلسي والمجموعة الأوروبية، الهيئتين اللتين أصبح لاحقا مؤيدا لهما. وفي مراهقته رشق بالحجارة السفارة الأميركية ردا على قصف سلاح الجو الأميركي في عام 1973 هايبونغ. وفي عام 1985 تولى رئاسة حركة الشباب العمالية التي كانت تدعو آنذاك إلى خروج النرويج من الحلف الأطلسي. وتحت إشرافه أيضا أصبحت هذه الحركة مؤيدة في نهاية الأمر للحلف الأطلسي. ورأى كاتب افتتاحية في صحيفة «وول ستريت جورنال» قبل أيام «يبدو أن أفكاره المتطرفة تلاشت مع مرور الوقت لكنها لم تختف تماما». وحين كان وزيرا، احتج ستولتنبرغ على التجارب النووية الفرنسية في موروروا عبر مشاركته في سباق دراجات هوائية بين أوسلو وباريس عام 1995 كما كتبت الصحيفة الأميركية المحافظة.

نشأ لدى عائلة سياسية حيث كان والده وزيرا للدفاع ثم للخارجية فيما كانت والدته وزيرة دولة. وهو متزوج وله ولدان وخصص القسم الأكبر من مسيرته للسياسة. وتولى مقعدا نيابيا في 1991 ثم كان وزيرا للطاقة وبعدها للمالية وأصبح في عام 2000 غداة عيد ميلاده الحادي والأربعين أصغر رئيس حكومة في النرويج. لكنه تولى هذا المنصب لفترة قصيرة فقط ثم عاد لرئاسة الحكومة من عام 2005 وحتى أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وفي ظل إدارته، شاركت النرويج في الحرب في أفغانستان والضربات الجوية على ليبيا ضد نظام معمر القذافي السابق.

والنرويج، الدولة المسالمة تقليديا التي تربطها في الوقت نفسه علاقات جيدة مع الأطلسي، وبفضل مواردها من الطاقة، تعد إحدى الدول القلائل في الحلف الأطلسي التي زادت موازنتها الدفاعية فيما كانت دول أخرى تقوم بخفضها تحت وطأة الأزمة المالية العالمية. ويحظى ستولتنبرغ بشعبية كبرى في بلاده ونال تقديرا كبيرا في العالم حين دعا إلى «المزيد من الديمقراطية» و«المزيد من الإنسانية» في وجه الهجمات المتطرفة التي نفذها أنديرس بهرينغ بريفييك الذي قتل 77 شخصا في 22 يوليو (تموز) 2011. وأصبح في الآونة الأخيرة يتقن جيدا كيفية التوصل إلى تسويات إلى حد انتقده البعض بأنه يهرب من النزاع. وقال غونار ستافروم المعلق في صحيفة نيتافيسن الإلكترونية «لا أحد يمكنه أن يرى في ينس ستولتنبرغ صقرا في مجال السياسة الأمنية. اختيار ينس ستولتنبرغ يظهر أنه في فترة تكثف النزاعات الدولية، ترغب دول حلف شمال الأطلسي بأمين عام مستعد للتسوية». ويخلف ستولتنبرغ في الأول من أكتوبر الدنماركي أندرس فوغ راسموسين مع انتهاء مهامه التي تكون قد استمرت خمس سنوات.