سياسيون ومفكرون يبحثون أزمة الطبقة الوسطى في العراق

بعضهم حمل «الدولة الطائفية» مسؤولية تراجع دورها

TT

أقر سياسيون ومفكرون عراقيون بوجود أزمة حقيقية على صعيد الطبقة الوسطى في العراق، لا سيما في مرحلة ما بعد الاحتلال الأميركي عام 2003، وما تلته من أحداث وقضايا وإجراءات سياسية واقتصادية واجتماعية تركت بصماتها بشكل واضح على هذه الطبقة التي لا تزال تمثل الأمل المنتظر على صعيد التغيير في البلاد، لا سيما أن الانتخابات البرلمانية باتت على الأبواب.

ففي إطار ندوة نظمها «معهد التقدم للسياسات الإنمائية» في بغداد، أول من أمس، حضرتها «الشرق الأوسط»، وشارك فيها وزير التخطيط العراقي الأسبق مهدي الحافظ، ووكيل وزارة الخارجية السابق محمد الحاج حمود، قدم نائب محافظ البنك المركزي العراقي السابق مظهر محمد صالح رؤية لطبيعة ودور الطبقة الوسطى في العراق والعالم. وقسم صالح الطبقة الوسطى في العراق التي تقارب إلى حد بعيد مثيلاتها في العالم من حيث النسبة، وهي نحو 60 في المائة من عدد السكان، إلى ثلاث فئات هي الطبقة الوسطى العليا، وبدخل سنوي يبلغ 12 ألف دولار، وتشكل نحو 15 في المائة، والطبقة الوسطى المتوسطة وبدخل سنوي يبلغ سبعة آلاف دولار، والطبقة الوسطى الدنيا التي تشكل نحو 35 في المائة من السكان ومجموع دخلها السنوي خمسة آلاف دولار أميركي. وحسب صالح، فإن الفئة الأخيرة تعيش فوق خط الفقر من حيث الاكتفاء بالحد الأدنى من الاحتياجات.

وأضاف صالح أن «الطبقة الوسطى في العراق نشأت في ظل ما كان يُسمى الدولة - الأمة قبل عام 2003، لكن عند انتقال العراق إلى دولة المكونات حاليا، فقد تأثرت الطبقة الوسطى تماما، بعد أن تراجع وضع السوق والتنافس، بينما كانت قد بدأت أنواع الصناعات في العراق منذ أربعينات القرن الماضي، مثل صناعة الإسمنت والدباغة والنسيج، وهو ما أنعش هذه الطبقة»، مبينا أن «تأميم الصناعة الوطنية منتصف ستينات القرن الماضي شكّل ضربة قاصمة للطبقة الوسطى» وهو ما انسحب فيما بعد على نظام حزب البعث الذي تسلم السلطة عام 1968. وعد صالح أن «إجراءات تأميم النفط في السبعينات ترتبت عليها تقوية المركز المالي للدولة لكنه خلق طبقة وسطى هشة فضلا عن أن النظام العراقي السابق اهتم بعسكرة المجتمع أكثر من أي مسألة أخرى».

وطبقا لرؤية الباحث، فإن في مرحلة ما بعد التسعينات، وهي احتلال الكويت ومواجهة الآلة العسكرية الأميركية، وفرض الحصار على العراق، شهدت انسحاق الطبقة الوسطى تماما «حتى بدء عصر الاحتلال الأميركي وكان أبرز ما عمل عليه مشروع الاحتلال هو ربط العراق بالعولمة العالمية (...) وقد ترتب على ذلك أن أدت الحرية الاستهلاكية إلى عدم وجود ضوابط لنمو طبقة وسطى بمعايير اقتصاد السوق». وللتدليل على ما يعانيه العراق على هذا الصعيد، قال صالح إنه «يوجد في العراق اليوم نحو أربعة ملايين موظف في الدولة لا تتعدى إنتاجيتهم اليومية أكثر من 17 دقيقة فضلا عن وجود خمسة إلى ستة ملايين أسرة تعيش على الريع النفطي».

ويفسر صالح السبب الذي جعل الأميركيين يصرون على دخول العراق السوق العالمية من دون أرضية صلبة من الإنتاج ووسائله، وتشجيعهم دولة المكونات هو أن «الدولة - الأمة من وجهة نظرهم تحتوي على عيب أساسي، وهو سهولة تحولها إلى ديكتاتورية»، مشيرا إلى أن «الحل يمكن في بناء دولة المواطنة وخلق السوق الوطنية المنتجة، على الرغم من أن الدستور العراقي يتحدث صراحة عن دولة المكونات، لا عن المواطنة».

من جانبه، قال وكيل وزارة الخارجية السابق، محمد الحاج حمود، في مداخلته إن «الطبقة الوسطى في العراق في ظل النظام السابق كان وضعها أفضل من الآن، إذ كانت هناك على الرغم من الجو السياسي السائد، وما ترتب عليه من نتائج فيما بعد على مستويات أخرى، صناعة وطنية وزراعة، وهو ما كان يمثل جوهر الطبقة الوسطى، لكن الآن لم تعد هناك صناعة أو زراعة، بل توجد اليوم مجموعة من المرتزقة السياسيين، وأنا واحد منهم، ممن يتقاضون رواتب عالية فقط دون إنتاج».

بدوره، عدّ وزير التخطيط الأسبق والمفكر المعروف مهدي الحافظ أن «الطبقة الوسطى في العراق، ليست مرتبطة بالخلل المعياري الآيديولوجي، بل إن جوهر المشكلة التي نعانيها الآن هي أن الدولة في العراق دولة طائفية منذ تشكيل مجلس الحكم الانتقالي عام 2003، الذي تكون من 25 عضوا، 13 منهم شيعة، إلى الحد الذي عدّوا فيه ممثل الحزب الشيوعي في المجلس شيعيا»، مشددا على أن «الطبقة السياسية التي ظهرت بعد عام 2003 غريبة عن المجتمع العراقي، وهو جوهر ما نعانيه اليوم من اختل آلات وانتكاسات».

ودعا المشاركون في الندوة إلى إحداث التغيير المنشود، من خلال صناديق الاقتراع، بعد نحو شهر من الآن، لكي يتحقق التوازن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في البلاد التي تشهد اضطرابات وإشكالات لا حصر لها في ظل صراع على السلطة لا يحترم أدنى قواعد اللعبة الديمقراطية ومبدأ التداول السلمي للسلطة.