ممثل الداعية فتح الله غولن في تركيا: اتهامنا بالدولة الموازية هدفه التغطية على الفساد

مصطفى ياشيل يقول في حديث لـ («الشرق الأوسط»)إن السبب الرئيس للخلاف مع حزب إردوغان هو رفض الخضوع لإرادته

مصطفى ياشيل
TT

في مكان لا يبعد كثيرا عن منزل رئيس الحكومة التركية رجب طيب إردوغان، يقوم مبنى حركة «خدمة» التركية التابعة للداعية الإسلامي المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن المتهمة ببناء «دولة موازية» في تركيا قوامها الشرطة والقضاء، وبالضلوع في تدبير قضية الفساد التي انفجرت بوجه إردوغان في 17 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وبالوقوف وراء تسجيلات تنصت على مسؤولين كبار في الدولة بينهم إردوغان نفسه.

المبنى الهادئ، محروس جيدا على غرار الكثير من المؤسسات التركية التي تمتلك ثقافة الحراسة الذاتية وكاشفات المعادن، انطلاقا من الصراع الطويل مع حزب «العمال الكردستاني» وغيره من التيارات اليسارية المتطرفة. عند المدخل تستقبلك ثلاث نسخ من القرآن الكريم، والإنجيل، والتوراة، في إشارة من أصحاب المبنى إلى نشر مبدأ «التسامح» الديني والإنساني.

يضحك مصطفى ياشيل رئيس مؤسسة الصحافيين والكتاب، الذي يمثل مؤسسة فتح الله غولن في تركيا، عندما تسأله عن «الدولة الموازية»، عادا أن هذه الاتهامات «أسخف من أن تصدق» ويؤكد ياشيل في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» أن الحركة ليست دينية، لكنها «متأثرة بالدين»، مشددا على أنها «حركة سلمية تؤمن بالحوار ولا يمكن أن تقوم بانقلابات أو دسائس»، لكنه يشير إلى أن السبب الرئيس للخلاف الحالي مع حزب العدالة والتنمية هو «أننا لم نخضع للإرادة السياسية للحزب». وفيما يلي نص الحوار:

* ما هي حركة «خدمة»؟ وما مصادر تمويلها؟

- تأسست الحركة في تركيا، ولهذا لديها بعض الخصائص التركية، لكن بالتعريف العام هي حركة تستوحي الإيمان، لكنها ليست حركة دينية. إنها تركز على الإنسانية والقيم الإنسانية المشتركة، وهي حركة تركز على السلام وناشطة اليوم في أكثر من 160 بلدا. أما مصادر التمويل فهي تعتمد على التبرعات ومساهمات الأعضاء. والحركة لا تؤمن بالعنف ولا بالدسائس، وهي تسعى إلى معالجة كافة العقبات بالوسائل السلمية.

* ما الأسس العريضة لعملكم؟

- كحركة عابرة للحدود الوطنية، هناك ثلاثة خطوط أساسية تعمل عليها حركة «خدمة» وتعالج من خلالها المشاكل الرئيسة الثلاث في المنطقة، خصوصا، والعالم عموما. وهذه المشاكل هي: أولا، الجهل الذي تحاول الحركة محاربته بتعميم التعليم. والمشكلة الثانية هي الفقر، والحركة تحاول محاربته من خلال تطوير الأعمال ومنح فرص العمل والمساعدات الإنسانية والعمل الاجتماعي. والثالثة تتمثل في الصراع داخل المجتمعات وفيما بينها والحركة تحاول مواجهة هذا بالحوار.

إن قدرة الحركة على إدارة مشاريع مشابهة في أماكن مختلفة في العالم نابع من التزامها بمعايير أخلاقية وإنسانية وقيم، وأينما تعمل الحركة، فإن هذا هو الإطار الذي يعمل فيه متطوعوها في إدارة نشاطاتهم، وهذا هو أساسا ما يبقينا معا.

بالنسبة للقيم والمبادئ، فإن مبادئنا المشتركة هي أساس انضباطنا. أما بالنسبة إلى القيم، فإن هدفنا الأسمى دائما هو البحث عن رضى الله وهذا هو الدافع الأكبر لكل عملنا. لا يوجد لدينا مبدأ الربح من خلال الانضمام إلى الحركة، بل الأساس هو العطاء والمساهمة في خدمة المجتمع والناس. إن مبادئ، كالحب والتسامح، هي مبادئ أساسية في الحركة، وقد أصبحت كطبيعة ثانية لمتطوعي الحركة. ونحن في نهاية المطاف كلنا بشر، نأتي من توجهات مختلفة وطباع مختلفة، لكن ما يجمعنا هو المبادئ الإنسانية. الإنسان هو الفن الأسمى للخالق، وهكذا نقارب الأمور. الابتكار هو مبدأ أساسي في عمل الحركة التي تعمل في عالم متغير، وبينما تتمسك الحركة بمبادئها، فإنها منفتحة على الابتكار.

* ما آلية القرار في الحركة؟

- لا توجد فردية في الحركة. فبدلا من أن نأخذ المبادرات انطلاقا من أسس فردية، فإن حزمة تتعامل مع القرارات بطريقة ليبرالية، إذ يجتمع الناس ويتناقشون في القضايا الأساسية، ويقررون سوية كيفية التعاطي معها.

* أنتم متهمون ببناء دولة داخل الدولة..

- الحركة لا خطط لديها لبناء دولة ضمن الدولة، لأنها لا تمتلك التقليد الذي يقول بالسيطرة على المجتمع من خلال مؤسسات الدولة، بل هي من أصحاب نظرية الإسلام المدني. الحركة تنادي بالديمقراطية لأنها الطريقة الأفضل للعيش. نحن نؤمن بأن الاختلاف لا يجوز أن يكون سببا للصراع في أي مجتمع، والحركة لا تمتلك ثقافة إخفاء أجندتها الحقيقية، ونحن لا نمارس التقية بأي شكل من الأشكال. نحن لدينا مصداقيتنا، وهذه المصداقية هي كل ما نمتلك. ومن مبادئ الحركة السياسية الهامة جدا، الحفاظ على استقلاليتها، فلا تمتلك أي اتصالات مع أي منظمات حكومية أو مؤسسات أجنبية، لا ماليا ولا إداريا، وهذا سبب رئيسي كبير لخلافنا الحالي مع حزب العدالة والتنمية، أي أننا لم نخضع للإرادة السياسية للحزب.

* لقد دعمتم الحزب منذ انطلاقته، ثم تخليتم عنه..

- في الفترات الثلاث لحزب العدالة، دعمت الحركة ما رأت أنه كان صحيحا وانتقدت ما رأته غير ذلك. توقعاتهم كانت مختلفة، كانوا يتوقعون منا الولاء السياسي الكامل، وهو ما لم يكن متاحا. فولاؤنا هو للمبادئ والقيم، وليس للتنظيمات السياسية.

الحركة لم تفكر يوما بالتحول إلى حركة سياسية، ومن مبادئنا الأساسية عدم التورط في هذا، ويهمنا كثيرا البقاء هكذا. لكن هذا لا يعني أننا منفصلون تماما عن السياسة، ففي المجتمعات الديمقراطية تقوم المنظمات الأهلية بخلق نوع من التأثير على الإرادة السياسية، ونعم نحن نقوم بذلك. نحن نسعى إلى ديمقراطية أفضل، ونؤمن بأن الحياة السياسية يجب أن تكون بعيدة عن التسلط، المدني أو العسكري. نحن حركة بناءة، وليس لدينا طابع المواجهة، ونتجنب العنف بأي ثمن. نحن متهمون أساسا بأننا سلبيون لأننا لم نتورط في أي من أشكال العنف، وفي الأزمة الأخيرة مع حزب العدالة بقينا متمسكين بالقانون، وندافع عن أنفسنا بالطرق القانونية فقط. حاليا يجند حزب العدالة كل الموارد العامة لخدمة سياسته الحزبية، وهم يمارسون خطابا حاقدا حيال الحركة، لكننا ما نزال نحافظ على هدوئنا. لقد رددنا على هذا الخطاب ببيان قلنا فيه بأن كلام رئيس الوزراء يبث الكره، وقد يؤدي إلى العنف. هو لا يستطيع السيطرة على الناس، فيما هو طاقة سلبية بينهم.

* ما عدد أعضاء الحركة؟

- لا يوجد في الحركة نظام انتساب، وبالتالي لا توجد لدينا سجلات لانضمام الأعضاء أو انسحابهم. من يجد أن الحركة مفيدة، ويقتنع بمبادئها، يستطيع أن ينضم إليها، وهذا الانضمام يكون بشكل تدريجي وتزداد مسؤولياته مع الوقت.

* هل لديكم تنظيم معين للحركة؟

- نشاطات الحركة في مجال الحوار والتربية والتعليم وفي الإعلام تدار محليا على صعيدي التمويل واتخاذ القرار، لكن هناك منظمة تشكل مظلة لإدارة هذه النشاطات. فمثلا كل المدارس التابعة للحركة في تركيا تشكل اتحادا خاصا، اسمه اتحاد المدارس الخاصة، وكل مؤسسات الحركة متصلة ببعضها بطريقة ما من خلال عملها على مشاريع مشتركة في بعض الأحيان. ومن الأمثلة على ذلك، مؤسسة تركيا (تركيا در) التي تؤمن الدعم التقني للمعلمين الذين يدرسون اللغة التركية خارج البلاد، فهي تنظم لهم دروسا وتنشر كتبا، كما تنظم الأولمبياد التركية التي يشارك فيها طلاب من المدارس التابعة للجمعية في 160 بلدا.

* ما هي المؤسسات الإعلامية التي تديرونها؟

- الحركة تعمل منذ بداية سبعينات القرن الماضي، عندما كانت الأوضاع صعبة عليها ويبدو أنها لا تزال كذلك. وكانت النخبة العلمانية الحاكمة آنذاك متوجسة من عمل الحركة، فوضعوا الكثير من القيود علينا. وكانت وسائل الإعلام العلمانية أيضا مهتمة بنا ومتوجسة منا. أرادت الحركة أن تتوجه إلى عامة الناس، فأنشأت صحيفة «زمان» في عام 1986. لأنه كانت هناك حاجة للرد على الاتهامات التي كانت توجه لنا. بدأت الصحيفة ببيع 5000 نسخة، ثم ارتفع العدد حاليا لتصبح الصحيفة الأكثر توزيعا في البلاد، إذ تبيع نحو مليون ومائتي ألف نسخة حاليا، فيما تبيع أقرب الصحف إليها ما بين 400 إلى 500 ألف نسخة. هذا يظهر مشاعر المجتمع التركي حيال الحركة. وهناك صحيفة أخرى تدار من قبل رجل أعمال متعاطف مع الحركة، وهي صحيفة «بوغون» التي تبيع نحو 200 ألف نسخة، وهذا معناه أن صحف الحركة تبيع نحو 1.4 مليون نسخة من أصل نحو خمسة ملايين هو حجم توزيع الصحف التركية كلها.

أما في المجال التلفزيوني، فهناك المجموعة التلفزيونية «سمان يولو» التي تدار من قبل الحركة، والتي تمتلك الكثير من القنوات المتخصصة، كالأخبار والثقافة والاقتصاد والأطفال وغيرها، وهذه محطات تشاهد من قبل المجموعات المحافظة والليبرالية في البلاد.

* هل من عدد محدد لمنتسبي الحركة؟

- من المستحيل معرفة عدد أعضاء الحركة أو مؤيديها لسببين، أولهما هو أننا لا نمتلك نظام عضوية، وثانيهما، لأننا غير مركزيين. لكن هناك بعض المؤشرات مثل عدد قراء صحفنا وعدد تلاميذنا. نستطيع أن نقول هناك ملايين، البعض يقول 4 ملايين والبعض الآخر 6 ملايين، فيما هناك من يقول: إن 25 في المائة من الشعب التركي يؤيد الحركة على مستويات مختلفة.

* هناك حديث عن نفوذكم الكبير داخل القضاء والشرطة، أو ما يصفه البعض بـ«الدولة الموازية»، كيف استطعتم فعل ذلك؟

- (ضاحكا) لقد أخذ ذلك وقتا طويلا جدا... لقد أجبنا على هذا السؤال مرات عدة، حتى أننا أصدرنا إعلانا حوله. خلال 40 سنة كنا ندير أنشطة تربوية، والمتخرجون من مدارسنا اختاروا الذهاب إلى القطاع الخاص، فيما اختار البعض الآخر البيروقراطية، فالتحقوا بوظائف رسمية، وهذا حق لأي مواطن تركي، والتنوع في المجتمع يجب أن ينعكس في الإدارة الرسمية. في الإدارة التركية كانت هناك نخبة علمانية تنظر إلى الإدارة الرسمية على أنها دائرة مغلقة خاصة بها، ويجب أن تدار من قبلها، ولا يفسح المجال فيها للناس العاديين أو المتأثرين بالدين. هذا الشيء بدأ يتغير مع وصول الرئيس طورغوت أوزال، إذ انقلبت الأمور، وبدأ الناس المؤيدون للحركة دخول المؤسسات الرسمية.

أما الاتهام للحركة ببناء دولة موازية، فما هو إلا للتعمية على فضيحة الفساد التي اندلعت في 17 ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وهذا الفساد لم يكن كالفساد الذي اعتدنا رؤيته واعتدناه، فحجمه كان كبيرا، وقد بنوا نظاما له، كما أنهم يحاولون إيجاد فتوى دينية له. لقد وجهوا الاتهام من دون دلائل، علما بأنهم يمتلكون كل الوسائل لإحضار هذا الدليل عبر مؤسسات الدولة والاستخبارات وغيرها.

* لقد دعمتم حزب العدالة في ثلاث دورات، فلماذا هذا الفراق الآن؟

- 80 في المائة من مؤيدينا صوتوا لصالح العدالة والتنمية في انتخابات عام 2011. لأن الحزب وعد بالدخول إلى الاتحاد الأوروبي، ووعد بالتخلص من حكم العسكر، كما وعد بدستور مدني جديد يصون حقوق الفرد التركي. لكن بعد عام 2011 بدأ حزب العدالة يشعر بثقة زائدة بالنفس وبقوة فائضة، وبدأنا نشهد تغييرات راديكالية في الحزب، وبعد أن نال الأكثرية في مجلس النواب، بدأ يسعى للسيطرة على السلطة القضائية. ثم بدأنا نشم روائح الفساد التي انفجرت أخيرا وكانت أكبر من أي شيء نتصوره.

* هل تحضرون أنفسكم لإعلانكم منظمة إرهابية من قبل الحكومة؟

- إنهم يحاولون زرع الخوف في نفوس الناس. هذا الكلام قد يكون مجرد نكتة يمكن أن نضحك عليها. لقد اتهمنا بأننا سلبيون لأننا رفضنا الدخول في حروب الشوارع في السبعينات. كما أننا نروج للحوار والتفاهم، وكل مبادئنا تقوم على حل المشاكل بالحوار. لا يمكن لهم أن يبيعوا هذا الأمر للناس، فلا أحد سيصدقهم.