أهالي طرابلس يتهمون السياسيين باستخدامهم وقودا في معاركهم ويرحبون بعودة الأمن

المحكمة العسكرية تدعي على رفعت عيد.. والجيش يسيطر كليا على طريق رابط بين عرسال والهرمل

آليات الجيش اللبناني لدى انتشارها في حي باب التبانة في طرابلس (أ.ب)
TT

الطريق إلى باب التبانة سالك، لا قناصة يصطادون المارة، ولا مسلحون يتهددون المدنيين. المحلات في «شارع سوريا» الفاصل بين المنطقة (ذات الغالبية السنية) وجبل محسن (ذات الغالبية العلوية) فتحت أبواب بتثاقل. القذائف والرصاص أتى على كل مبنى، لم يبق شيء سالما هنا. الأهالي لا يزالون تحت صدمة انتهاء المعارك بسرعة مباغتة. وعند سؤال أحدهم عن الخطة الأمنية التي بدأ تنفيذها الثلاثاء الماضي، بعد سبع سنوات من الاقتتال المذهبي بين المنطقتين، وهروب المسلحين من الطرفين، يجيب مستنكرا: «اسألوا السياسيين: لماذا سمحوا بـ20 جولة من المعارك؟ هم يورطون الشعب في القتال، وهم الذين يوقفون المعارك حين يريدون».

في المقابل، يصف أبو عماد ما حصل بـ«مجرد هدنة»، ويرى أن «الحرب توقفت من أجل انتخاب رئيس للجمهورية، والجولة المقبلة آتية. تتحلّق مجموعة من الشبان يقولون إنهم شاركوا مع أبو عماد في القتال، معظمهم أصيبوا في المعارك، ويتفقون على أنه لم يكن أمامهم أي خيار آخر».

يقول محمود فخر الدين (16 سنة)، المصاب في رأسه: «في الجولة ما قبل الأخيرة، أصبت بقذيفة ضربت شريانا أساسيا في رجلي، ولا أزال أخضع للعلاج»، مضيفا: «تعبنا ونريد أن نرتاح». شاب آخر يرفع قميصه ليرينا ثلاث رصاصات اخترقت بطنه، ويقول: «لم يهتم لأمري أحد، خضعت لثلاث عمليات، ماذا استفدت من كل هذا الهراء». بلال السماك فقد عينه، ولا تزال الآثار بالغة في صدره. مصطفى (20 سنة) حين نسأله عن مستقبله، يجيب: «مستقبل فاشل. نريد عملا. لو كانت لي وظيفة لتزوجت، وأنجبت أولادا، ألاعبهم بدل أن أحارب».

أكثر من 15 شابا في مقتبل العمر يقولون إنهم بلا عمل، بينهم من افتتح محلا في باب التبانة، ثم عاد وتوقّف عمله منذ سنوات بسبب المعارك. آخرون طردوا من وظائفهم، لأن القنص يمنعهم من الوصول إلى مقر عملهم. يقول أحد الشبان: «بات الناس يرفضون توظيفنا بمجرد أن يعرفوا أننا من أبناء باب التبانة»، ويتساءل: «لماذا ليس عندنا شوارع مثل بيروت؟ لماذا لا يريدوننا أن نفرح؟».

يتكرر الكلام على ألسنة الشباب حول انتزاع السوريين النازحين لفرص عمل الشباب في طرابلس، وإلى تسبّبهم في غلاء الإيجارات. أصبح الزواج مستحيلا. يعلق أبو عماد: «النازحون السوريون يعيشون كل ست عائلات في بيت واحد، ويتقاسمون الأعباء. نحن لا نستطيع ذلك. أصبحت البيوت محرّمة علينا».

تمر سيدة بالقرب من الشباب يقولون إن ابنتها قُتلت في المعارك، فتلوح المرأة بيدها متأففة، لا تريد التعليق على شيء.

النقمة على السياسيين كبيرة هنا. الجميع يشتكي أن أولادهم لا يذهبون إلى المدرسة، 75 دولارا في السنة للطفل الواحد بدل تسجيل لا يستطيعون دفعها. يقولون إن 15 في المائة فقط يتعلمون، والباقون في الشوارع. يقول شاب: «ولماذا نتعلم، سياسيونا يوظفون من يحسبون عليهم فقط، ونحن لسنا منهم. الشهادات لم تعد تنفع. ومن هم مسجلون في المدارس يقضون أياما كثيرة من السنة في منازلهم بسبب المعارك».

جمال شقره، يملك محل كومبيوتر مقابل جبل محسن، يدخلنا إلى دكانه لنرى آثار الرصاص التي اخترقت الكومبيوترات، يقول: «هنا، مات طفل عمره 11 سنة كان يلعب، حين باغتنا الرصاص، أخرجناه من شباك خلفي لننقله إلى المستشفى».

رغم الشكوى العارمة حين تكون بين الجموع، لا يخفي الأهالي ارتياحهم لانتهاء الكابوس. ويقول أحد التجار: «معايشة المسلحين كارثة. لقد حولوا حياتنا إلى جحيم. صاروا أخطر علينا من مسلحي جبل محسن». ويتابع: «المجرمون بينهم، الذين كان مطلوبا توقيفهم، فعلوا المستحيل لجعل المعارك لا تتوقف. الذين اختفوا لا يتجاوزون الـ70 شخصا على ما اعتقد. هؤلاء هم الأخطر. حتى المقاتلون أصابهم الملل في الجولات الأخيرة، فهم الناس أننا في دوامة عبثية رخيصة».

يؤكد هذا التاجر الذي واكب كل جولات القتال، ولم يحمل سلاحا قائلا: «قادة المحاور كانوا يستفيدون من الأموال التي تُغدَق عليهم، ويوزعون بعضها على مقاتليهم. لكن هذا ليس حال أغلبية من حمل السلاح، واضطر أحيانا لشراء الذخائر من جيبه. هناك من لجأ لفرض (الخاوّات) على المحلات التجارية ليجمع مالا، ويشتري السلاح ويشكل مجموعته الخاصة المقاتلة». ويضيف: «في نهاية المطاف صارت المعارك تدور بسبب مصالح شخصية لمجموعة محدودة من الناس».

ثمة تأكيدات اليوم أن المقاتلين كانوا دائما من أبناء المنطقة، نادرا ما كانت تأتي مجموعات صغيرة من الخارج، لشهوة إطلاق الرصاص. المقاتلون الصغار يقولون إن السلاح كان يأتيهم على دفعات، وبالقدر الذي يحدده المصدر. ليلة انتشار إشاعة وفاة رئيس الحزب العربي الديمقراطي علي عيد من جبل محسن، اشتعلت طرابلس بالرصاص والقذائف ابتهاجا. قيل إن مليون دولار صُرفت تلك الليلة على الأسلحة. يعلق أحد الشباب قائلا: «أتوا لنا برصاص كثير وقذائف بأعداد هائلة، قالوا لنا عليكم أن تستنفدوها هذه الليلة، وفعلنا. بدأنا بإطلاقها حتى انتهينا منها».

في جبل محسن بدأت تدب الحياة. يتنفس الأهالي الصعداء، متمنين أن لا تكون الوعود وهما، على الرغم من قرار مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر، أمس، الادعاء على 12 شخصا، بينهم رفعت عيد، رئيس الحزب العربي الديمقراطي، المسيطر على المنطقة، وذلك بجرم الانتماء إلى تنظيم إرهابي مسلح يهدف إلى القيام بأعمال إرهابية والاشتراك في أحداث طرابلس وحيازة أسلحة وإثارة النعرات المذهبية والطائفية.

تتحسر أم علي على أيام كان العلويون يسكنون في باب التبانة. تقول: «جبل محسن ولد بالصدفة، صارت العمارات تبنى على طرف باب التبانة لقلة المساحات هناك، وتتسع رقعة المعمار على هذا الجانب، ويأتي العلويون ويسكنون في المنطقة. وبقي كثيرون في باب التبانة يسكنون ويعملون. بعض مَن لهم محال تجارية ذهبوا إليها الآن يتفقدونها، لأول مرة منذ أربع سنوات».

البعض يشعر بالضيم لمغادرة علي ورفعت عيد، زعيمي جبل محسن، لكن ثمة أيضا من يقول: «هذا لن يغير شيئا. في الفترة الأخيرة، لم يكن رفعت عيد يوجد كثيرا في الجبل. نحن نعرف أنه غالبا ما يكون غائبا حين تندلع الاشتباكات، كان يذهب إلى بلدة حصرون ويقيم هناك. الناس هم من يعانون، كان لا بد من تخزين الطعام باستمرار، والعيش على الأرز والخبز والمعلبات خلال فترة المعارك، لأن دخول الخضار والفواكه إلى الجبل يتوقف، تماما».

وفي سياق متصل، تمكّن الجيش اللبناني من بسط سيطرته بشكل كامل على طريق يربط بين عرسال والهرمل قرب الحدود السورية. وأفادت وكالة «أسوشييتد برس» بأن عناصر حزب الله اعتادوا تفتيش السيارات المارة بذلك الطريق بحثا عن الأسلحة والسيارات المفخخة.

وأكد وزير الداخلية نهاد المشنوق أنه «لم يعد هناك أي حواجز غير رسمية على طريق عرسال، وأن كل القوى المسلحة غير الرسمية لم تعد موجودة على الطرقات في منطقة بعلبك - الهرمل».

وقال إنه «سيُطرح في جلسة مجلس الوزراء يوم الثلاثاء المقبل، ضرورة فتح الطريق إلى قرية الطفيل اللبنانية، وهي قرية لا يستطيع اللبنانيون الوصول إليها، إلا من داخل سوريا، وعدد سكانها 4300 مواطن، ويبلغ طول الطريق 23 كيلومترا في الجبال على الحدود اللبنانية - السورية».