العبيد السابقون في موريتانيا يتظاهرون للمطالبة بحقوقهم

زعيم مناهضة العبودية يدعو أنصاره لمقاطعة مسيرتهم

TT

في سابقة هي الأولى من نوعها منذ استقلال موريتانيا، دعا العبيد السابقون أو (لحراطين) كما يسمون محليا، مساء أمس إلى تنظيم مسيرة شعبية في شوارع العاصمة نواكشوط تحمل شعار «الحقوق»، من أجل لفت الانتباه إلى معاناتهم، وانتزاع قدر من الحقوق التي يطالبون به.

وتأتي المسيرة بمناسبة مرور عام على تأسيس ميثاق حول الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية لشريحة العبيد السابقين (لحراطين)، من طرف بعض المثقفين المنحدرين من الشريحة. وأثار تحرك العبيد السابقين في موريتانيا الكثير من الجدل، حيث تباينت المواقف منه في أوساط النخبة الموريتانية، وإن كانت في أغلبها إيجابية؛ إلا أنها لم تخل من بعض القلق رغم الشعارات الوطنية التي يؤكد منظمو المسيرة أنها هي سمتهم البارزة، وأن ما يرفعونه ليس مطالب فئوية ضيقة، وفق ما يقول المسؤول الإعلامي لهيئة قيادة ميثاق «لحراطين» عبيد ولد إميجن، أحد منظمي المسيرة.

وأكد ولد إميجن أن «الأمل الكبير لدى المنظمين يكمن في المساهمة في إحداث التغيير نحو الأفضل، وفي إقناع أولئك الذين يفضلون العيش في الظل بالخروج إلى نور الشمس الحارقة». وأضاف «تماما كما هو شعور المواطن العادي بأن المسيرة من شأنها أن تشكل الخط الفاصل بيـن التفكير الاجتماعي العتيق وقيم المجتمعات ما بعد الحداثية، وقد يرفع المهمشون في المجتمعات المحلية شعار المساواة».

ونفى ولد إميجن لـ«الشرق الأوسط» أن يكون للمسيرة أي طابع فئوي أو عنصري، واستدل على ذلك بأن المسيرة شهدت مشاركة مختلف الأعراق الموجودة في موريتانيا من عرب وزنوج، رغم أن أغلب من شاركوا فيها كانوا من العبيد السابقين الذين ينتمون لطبقات المجتمع الهشة.

ويرى منظمو المسيرة في وثيقة وزعوها قبل عام من الآن، وأعدوا توزيعها أمس، أنه «على الرغم من مضي أكثر من نصف قرن من الاستقلال، لا تزال موريتانيا (الدولة المتعددة الأعراق والثقافات بامتياز) تواجه تحديا حقيقيا يتمثل في افتقارها إلى عقد اجتماعي جاد ومؤسس على قاعدة الانتماء المشترك لأمة موحدة»، وعدوا أن «واقع وتاريخ البلد يكرسان في جميع مراحلهما، إقصاء سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ممنهجا لشرائح عريضة من السكان؛ وذلك على أساس الأصول أو التصنيف الاجتماعي، وبالأخص (لحراطين)».

وشددت الوثيقة الصادرة عن منظمي المسيرة على أن «شريحة العبيد السابقين هي المكون الرئيس للشعب الموريتاني، وتزداد أهميتها باطراد، حيث أصبحت تشكل نسبة 50 في المائة من مجموع السكان»؛ فيما تغيب أي إحصائيات رسمية ودقيقة مبنية على الانتماء العرقي.

في غضون ذلك، أكد منظمو المسيرة في وثيقتهم أن «ممارسة الاسترقاق لا تزال حقيقة ثابتة في موريتانيا ما بعد الاستعمار وحتى يومنا هذا، على الرغم من النفي الرسمي وشبه الرسمي لوجود الظاهرة»، في الوقت الذي حرمت فيه العبودية في أكثر من مناسبة من طرف الأنظمة التي تعاقبت على الحكم في موريتانيا، فصدر أول قرار يجرم العبودية سنة 1981، قبل أن يدعم بقوانين أخرى في عامي 2007 و2012، لكن المراقبين يرون أن هذه القوانين لا تزال حبرا على ورق.

وطالب المشاركون في مسيرة العبيد السابقين (لحراطين) بضرورة وضع تصور حل شامل «لقضية العبيد السابقين»، وهو ما أكدوا أنه «لن يجري إلا في إطار مجهود شامل على درب المساواة والإنصاف المنطقي، ووضع حد للإفلات من العقاب وللامتيازات القبلية التي لا تفيد إلا ثلة قليلة على حساب المصلحة العامة».

وأثارت مسيرة العبيد السابقين جدلا في الوسط السياسي الموريتاني، ففي الوقت الذي دعمتها فيه أغلب أحزاب المعارضة، ودعت أنصارها للمشاركة فيها، أعلنت جهات سياسية أخرى رفضها لتنظيم مسيرات ذات طابع عرقي واستغلالها سياسيا. ومن أبرز الأحزاب التي قاطعت المسيرة ودعت أنصارها لتجنب المشاركة فيها حزب التحالف الشعبي التقدمي الذي يقوده مسعود ولد بلخير، أحد المنحدرين من شريحة العبيد السابقين، وواحد من أبرز القيادات السياسية التي ناضلت خلال العقود الأخيرة من أجل تحرير العبيد.

من جهتها، أبدت مجموعة سياسية محسوبة على القوميين البعثيين الموريتانيين خشيتها من مثل هذا النوع من المسيرات، ورفضت ما قالت إنه «محاولة لسلخ شريحة العبيد السابقين (لحراطين) من انتمائها العربي الذي لا مراء فيه، على مستوى اللغة، والعادات، والتقاليد، والثقافة الشعبية والعالمة». وأشارت إلى أن هنالك «سعيا محموما لدى بعض رموز النخبة من هذه الشريحة. يريدون بتر (لحراطين) من الانتماء القومي العربي ورميهم في فراغ الهوية».

ورغم ما أثارته مسيرة العبيد السابقين من جدل، فإنها أظهرت نوعا من التماسك الخفي داخل المجتمع الموريتاني، حيث شاركت فيها مختلف الشرائح التي شددت على ضرورة محاربة ظاهرة العبودية التي وإن كانت قد اختفت من المدن الكبيرة، فإنها لا تزال تمارس في الأرياف وبعيدا عن أعين القضاء.