لاجئو «الأزرق» الأردني الجدد يستبشرون خيرا.. والمسؤولون يقولون إنهم تعلموا من أخطاء «الزعتري»

الجميع يؤكد أن المخيم في بداياته وبحاجة إلى بعض التحسينات التي يمكن تلبيتها

بعض اللاجئين في محيط مركز التسوق بمخيم الأزرق الأردني الجديد («الشرق الأوسط»)
TT

«إنني الآن مرتاح. لا أحد يزعجنا، ولم نعد نسمع أصوات المدافع والقذائف»، هكذا يقول الطفل عبد الكريم، البالغ من العمر 11 سنة، لـ«الشرق الأوسط» في يومه الأول، بعد أن قدم مع ذويه إلى مخيم «الأزرق» الأردني الجديد للاجئين السوريين، متابعا أنه في انتظار بداية السنة الدراسية للالتحاق بالمدرسة، كونه فقد عامين من دون دراسة، ولأنه «مشتاق جدا للتعلم، خصوصا أنني كنت من الأوائل في مدرستي قبل اللجوء».

واستعدادا منها لاستقبال أفواج جديدة من اللاجئين السوريين، افتتحت السلطات الأردنية، بشكل رسمي، أول من أمس، المخيم السادس من نوعه المخصص لهؤلاء اللاجئين، الذين يواصلون النزوح، فرادى وجماعات، من بلادهم فرارا من أعمال العنف والقتل. ويقع المخيم على بعد نحو 20 كيلومترا غرب بلدة الأزرق (شرق العاصمة)، وجهز بخمسة آلاف بيت متنقل في مرحلته الأولى لاستيعاب نحو 25 ألف لاجئ.

ووفق مدير إدارة شؤون المخيمات في الأردن، العميد وضاح الحمود، فإن «هذا المخيم هو ثاني أكبر مخيم في الأردن (بعد الزعتري)، ونأمل أن يكون الأخير»، موضحا أن أربعة مخيمات أصغر مساحة وتعدادا تحيط به. وأضاف أن «21 منظمة تابعة للأمم المتحدة ومنظمة دولية عملت معنا من أجل إقامة المخيم الجديد»، الذي انطلقت الأشغال به قبل نحو سنة.

وبحسب مصادر في المفوضية، فإن المخيم الجديد، الذي يستقبل حاليا نحو 600 لاجئ، سينقل إليه جميع اللاجئين الجدد الذين سيصلون إلى الأردن مستقبلا، مشيرا إلى أن كل لاجئ سيحصل شهريا على كوبون قيمته 24 دينارا أردنيا (نحو 34 دولارا)، لاقتناء احتياجاته من مركز تسوق عصري افتتح داخل المخيم.

وقال اللاجئ هاني، 22 عاما، الذي قدم من مدينة حلب مع أسرته المكونة من 14 فردا، إنه منذ عامين يعيش حالة اللجوء في الداخل السوري. وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «هربنا في البداية من قريتنا المسفرة بالقرب من مدينة حلب، بعد أن دمر منزلنا وخرجنا باتجاه مدينة الرقة شرق سوريا، وتنقلنا بين البلدات والقرى نهرب بأرواحنا من مكان إلى آخر، حتى كادت نقودنا تنفذ.. ونجونا من الموت المحقق أكثر من مرة جراء القذائف والصواريخ التي ألقتها علينا قوات النظام».

وواصل هاني قصته قائلا: «حضرنا من الرقة، واستغرقت الرحلة إلى الحدود الأردنية خمسة أيام قاومنا خلالها الجوع والعطش وانتابنا خوف رهيب من القصف المدفعي، ثم ساعدتنا قوات الجيش الحر في الوصول إلى الحدود الأردنية، حيث جرى إنزالنا من السيارات على بعد كيلومترين منها واستقبلتنا قوات حرس الحدود الأردنية، وقدمت لنا وجبة سريعة ومياه وبطانية، ونقلنا إلى مركز لاستقبال اللاجئين، حيث جرى تسجيلنا وإصدار بطاقة من قبل المفوضية لتلقي المساعدات».

وأكد هاني أن «مخيم الأزرق، بحسب ما وصل إلى مسامعنا، أفضل بكثير من مخيم الزعتري»، مشيرا إلى أن المخيم في بداياته، وبحاجة إلى بعض التحسينات التي من الممكن أن تلبى مستقبلا.

من جانبه، قال اللاجئ علي سليم (34عاما)، الذي قدم من مدينة حماه مع زوجته وأطفاله الثلاثة: «وصلنا إلى الأردن قبل أربعة أيام في رحلة استمرت أسبوعا بالسيارات هربا من القصف، لم يعد هناك مكان آمن في أي مدينة أو بلدة سورية.. فالطائرات الحربية التابعة للنظام تقوم بالقصف العشوائي على المدنيين أو غيرهم».

وأضاف سليم، الذي كان يتحدث مترددا أثناء خروجه من أحد المخازن التي تبيع المواد الأساسية والتموينية للاجئين، أن البنى التحتية في المخيم جيدة، رغم أنه شاسع ومترامي الأطراف، حيث يتطلب الوصول إلى المياه ومركز التسوق مجهودا مضاعفا. وتابع: «علينا أن نقطع مسافات لا يستهان بها كل يوم من أجل احتياجاتنا، إضافة إلى أن الكهرباء غير متوفرة وبحاجة إلى تمديد، كما أنه لا توجد محال لبيع البطاقات الخلوية للاتصال بأهلنا في سوريا»، معربا عن أمله في أن تتوافر هذه الأشياء «الأساسية» و«إلا بات الإنسان معزولا عن العالم».

أما اللاجئ وائل، الذي اكتفى بذكر اسمه الأول، وهو من ريف درعا وقدم إلى المخيم قبل يومين مع زوجته وأطفاله الثلاثة و24 فردا من أقاربه، فأشار إلى أنه «في البداية كل شيء صعب، خصوصا عندما تكون بعيدا عن بيتك.. ولكن مع الزمن نتغلب على كل شيء، والأهم أننا نشعر بالأمن والأمان». وأضاف وائل، الذي كان يتجول في مركز التسوق: «إننا بحاجة إلى الكثير من الخدمات، لكن القائمين على المخيم وعدونا بتلبيتها، خصوصا الكهرباء، لأننا نعيش في ظلمة معتمة كلما حل المساء».

أما أمل، أو «أم شهد» كما يدعوها رفاقها، فهي من مدينة إدلب. وتقول إن رحلة الوصول إلى الحدود استغرقت ثلاثة أيام: «عانينا فيها كثيرا، خاصة أطفالنا بسبب تقلبات أحوال الطقس، بين الحرارة نهارا، والبرودة ليلا. قدمت أنا وزوجي وأولادي (ستة ذكور وخمس إناث) بصحبة العشرات من السوريين إلى هنا قاصدين الأردن، لأنه لم يتبق لنا في سوريا سوى الخوف والمعاناة وترقب الموت كل لحظة».

ويرى مراقبون أن افتتاح مخيم الأزرق مؤشر على أن الأزمة السورية التي دخلت عامها الرابع، مرشحة للاستمرار، ومع استمرارها ستتفاقم معاناة الأردن ودول الجوار التي تئن تحت وطأة تحمل عبء اللاجئين الثقيل. وأن المخيم الجديد دليل آخر على فشل المجتمع الدولي في حل الأزمة، على الأقل في بعدها الإنساني؛ سواء كان ذلك من خلال إنشاء مناطق آمنة داخل الأراضي السورية، أو تأمين المساعدات الإنسانية للسوريين في مناطقهم، كما نص قرار لمجلس الأمن بهذا الخصوص.

وحسب ما عاينته «الشرق الأوسط» في المكان، فإن مخيم الأزرق أكثر تنظيما من مخيم «الزعتري»، كما أنه أكثر تحصينا من الناحية الأمنية، بحيث يصعب على اللاجئين التسلل منه، مثلما حصل مع آلاف الحالات في مخيم الزعتري، الذي تحول مع مرور الوقت إلى محطة «ترانزيت» ينتقل اللاجئ بعدها إلى داخل المدن الأردنية. ويستضيف الأردن في الوقت الراهن قرابة 600 ألف لاجئ سوري مسجلين لدى مفوضية اللاجئين، في حين يقول مسؤولون إنه يوجد 1.3 مليون سوري على الأقل في الأردن يعيش القليل منهم فقط في مخيمات.