الرئيس الفرنسي يطفئ الشمعة الثانية من عهده في حالة من الضعف السياسي

استطلاعات الرأي والمؤشرات الاقتصادية لا تميل لصالحه

الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بجوار رئيس وزراء اليابان شينزو آبى الذي يزور باريس حاليا يحييان الجماهير في شوارع العاصمة باريس عقب مغادرتهما قصر الإليزيه سيرا على الأقدام (أ.ب)
TT

في مثل هذا اليوم «6 مايو (أيار)» قبل عامين انتخب فرنسوا هولاند رئيسا سابعا للجمهورية الفرنسية الخامسة، واضعا بذلك حدا لإبعاد اليسار عن قصر الإليزيه طيلة 17 عاما. لكن بعد 24 شهرا من ممارسة السلطة، يجد الرئيس الاشتراكي نفسه في وضع لا يحسد عليه. فالغيوم السوداء تتراكم فوق الإليزيه والشكاوى تتصاعد من كل حدب وصوب وخيبات الذين نزلوا إلى الشارع قبل عامين للاحتفال برئيس جعل من شعار «التغيير هو اليوم» تتراكم. ولذا فالسؤال الذين يطرحه الكثير من الاشتراكيين هو هل سيستطيع هولاند أن ينقذ ما تبقى من ولايته التي تنتهي عام 2017؟ وما هي الرافعة التي يمكنه الارتكان إليها ليستعيد بعضا من شعبيته الضائعة، ويأمل في أن يترشح للرئاسيات المقبلة في ظروف «معقولة»؟

أمس، نشرت صحيفتان فرنسيتان «نيس ماتان» و«كورس ماتان» نتائج استطلاع للرأي أفاد أن 35 في المائة من الناخبين الذين صوتوا للمرشح الاشتراكي قبل عامين لن يعيدوا الكرة في حال طرحت المسألة مجددا عليهم. وتبين هذه النسبة مدى الخيبة التي ألمت بناخبي هولاند وفي الوقت عينه تدني شعبيته التي نزلت إلى أقل من 20 في المائة الأمر الذي لم يعرفه أي من الرؤساء السابقين منذ تأسيس الجمهورية الخامسة. والأسوأ من ذلك، بينت استطلاعات أخرى أنه لو جرت الانتخابات غدا، لما نجح الرئيس هولاند في التأهل للجولة الثانية إذ أن زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن يمكن أن تحل في المرتبة الثانية بعد المرشح اليميني ما يعني عمليا إبعاد مرشح اليسار، وهو المصير الذي عرفه المرشح الاشتراكي ليونيل جوسبان في عام 2012 عندما حل في المرتبة الثالثة بعد الرئيس جاك شيراك وجان ماري لوبن، والد مارين لوبن.

ولا يبدو أن الأمور ستتوقف عند هذا الحد. فبعد الهزيمة المدوية التي لحقت بالحزب الاشتراكي وباليسار بشكل عام في الانتخابات البلدية في شهر مارس (آذار) الماضي والتي خسر الاشتراكيون بسببها عشرات المدن، يتهيأ هؤلاء لتلقي صدمة الانتخابات الأوروبية. فالمؤشرات تدل على أنهم سيتراجعون إلى المرتبة الثالثة بعد اليمين الكلاسيكي «الاتحاد من أجل حركة شعبية» والجبهة الوطنية التي تؤكد أنها ستحل في المرتبة الأولى. وإذا تحققت هذه التوقعات تكون فرنسا البلد الأوروبي الوحيد الذي سيحتل فيه اليمين المتطرف العنصري والمعادي للعرب والمهاجرين المرتبة السياسية الأولى.

يأخذ الفرنسيون، يمينا ويسارا، على هولاند إخلاله بالوعود التي قطعها إما إبان الحملة الرئاسية في ربيع عام 2006 أو خلال الأشهر الماضية من ولايته. ومن بين أهمها الوعد القائل بأن أرقام البطالة ستتوقف عن الارتفاع لا بل إنها ستبدأ بالتراجع مع نهاية العام الماضي. والحال أنها ما زالت تقفز من رقم قياسي إلى رقم آخر ولا أحد يعرف متى ستستقر عند نسبة معينة قبل أن تبدأ بالتراجع. أما وعد العدالة الاجتماعية الذي رفعه هولاند عاليا، فلم يتحقق منه شيء، وما تحقق هو زيادة كبيرة في الضرائب التي أخذت تطال الطبقات الوسطى والشعبية بشكل لم تعرفه سابقا، وتجميد رواتب الموظفين الحكوميين، وتراجع القدرة الشرائية، وغياب النمو الاقتصادي، الذي وحده كفيل بإيجاد فرص عمل جديدة وإنعاش الخزينة العمومية.

والواقع أن النقمة على هولاند والحكومة ليست محصورة باليمين «وهذا أمر طبيعي ويدخل في إطار اللعبة السياسية» ولكنها تطال اليسار بكل تلاوينه المتشدد والاشتراكي والوسطي. فالقاعدة الاشتراكية التي تشكل عصب الحزب فقدت بوصلتها السياسية إلى درجة أن 41 نائبا اشتراكيا صوتوا ضد الخطة الاقتصادية التقشفية التي تقدم بها مانويل فالس، رئيس الحكومة الأسبوع الماضي، والقاضية بتحقيق خفض في المصاريف يبلغ 50 مليار يورو للسنوات الثلاث المقبلة. كما أن هذه القاعدة ليست متحمسة بتاتا للنهج الاقتصادي «الجديد» للرئيس الذي أخذ يركز على مساعدة الشركات وخفض الضرائب والتقديمات الاجتماعية المفروضة عليها لتتمكن لاحقا من المساهمة في إيجاد مزيد من فرص العمل.

ويرى كثيرون في صفوف اليسار أن الرئيس اليساري ينتهج سياسة يمينية لا تختلف كثيرا عن سياسة سلفه اليميني نيكولا ساركوزي، فضلا عن ذلك، يشك الفرنسيون بقدرة بلادهم على الوفاء بالتزاماتها الأوروبية لجهة خفض عجز الميزانية إلى ما دون ثلاثة في المائة، وكذلك في قدرتها على خفض مديونيتها المرتفعة. وكانت مؤسسات التصنيف المالية قد خفضت موقع فرنسا مرتين متتاليتين في الأشهر الـ12 الأخيرة.

ويأخذ الكثير من الفرنسيين على الرئيس سلوكه الشخصي كما ظهر في قصة علاقته بالممثلة جولي غاييه وافتراقه عن رفيقة دربه السابقة فاليري تريرفيلر وكذلك الفضيحة التي لحقت بمستشاره السياسي أكيلينو موريل الذي اضطر للاستقالة قبل أسبوعين بعد أن نشرت صحيفة «ميديا بارت» الإلكترونية تحقيقا يبين أنه قبض أموالا من شركة أدوية دنماركية بينما كان يشغل وظيفة من ضمن مهامها الإشراف على شركات الأدوية. ولم ينس الفرنسيون أن هولاند عجل في إقرار إصلاحات اجتماعية منها زواج المثليين التي تقسم المجتمع الفرنسي الذي ما زالت فيه شرائح محافظة للغاية ومتمسكة بالتعاليم الدينية.

هكذا يلج هولاند السنة الثالثة من عهده وهو في وضع سياسي هش. وقبل أسبوعين أعلن أنه لن يترشح للرئاسة مرة ثانية إذا لم ينجح في محاربة البطالة. ولم يتردد أول من أمس في تأكيد أن الوضع الاقتصادي بدأ «يتبدل». وإذا لم تتحقق «أمنية» هولاند هذه المرة فإنه بكل تأكيد سيجد من يعارض ترشحه مجددا لا بل إن بعض الأصوات أخذت تطرح اسم فالس الذي يتمتع بشعبية مرتفعة ليكون حامل لواء الاشتراكيين حتى لا يبعدوا مجددا ولسنوات طويلة عن القصر الرئاسي. واليوم لدى هولاند موعد تلفزيوني - إذاعي مع الفرنسيين على امتداد ساعة كاملة. فهل سينجح في إقناعهم؟