«تنظيم» دخول النازحين السوريين إلى لبنان قد يصل إلى «إقفال الحدود»

وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني لـ«الشرق الأوسط»: إجراءاتنا بعيدة عن الإطار الطائفي والمذهبي

TT

كشفت مصادر أمنية لـ«الشرق الأوسط» أن هناك توجها رسميا للتشدد في «ضبط» الحدود اللبنانية - السورية قد يصل إلى حد اتخاذ قرار بـ«إقفالها» للعمل قدر الإمكان على التخفيف من عبء اللجوء السوري، بعدما وصل عدد النازحين المسجلين في لبنان إلى مليون و50 ألفا.

وفي حين أكدت المصادر أن احتمال إنشاء مخيمات أمر غير مطروح وغير ممكن لغاية الآن، أشارت إلى أن عددا كبيرا من السوريين يذهبون إلى سوريا ومن ثم يعودون إلى لبنان مرات عدة، ما يعني أن بإمكانهم البقاء في بلدهم.

وكانت معلومات عدة وتصريحات لمسؤولين لبنانيين لمحت في الفترة الأخيرة إلى هذا الأمر، إضافة إلى القرار الأخير الذي صدر أول من أمس، عن وزارة الداخلية في لبنان منعت بموجبه دخول الفلسطينيين السوريين، وأوعزت إلى السلطات السورية المعنية بوقف إعطاء تصاريح السفر إلى لبنان لأصحاب الهوية الفلسطينية - السورية، وضرورة طلب موافقة مسبقة من الأمن العام اللبناني قبل منح التصريح.

أتى هذا القرار بعد يوم واحد على الإجراءات، التي اتخذتها الدولة اللبنانية، بترحيل 49 فلسطينيا وسوريا إلى سوريا، أول من أمس (الأحد).

ورفض وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس وصف الإجراءات التي تتخذ بحق النازحين السوريين بـ«التضييق»، مؤكدا أن ما تقوم به القوى الأمنية هو «تنظيم» وجود هؤلاء بما يتلاءم مع الوضع اللبناني وقدرة لبنان على التحمل، في ظل تزايد عدد النازحين يوما بعد يوم.

وأوضح درباس في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن المعايير التي سبق لوزارة الشؤون الاجتماعية والأمن العام أن أقراها لجهة مراقبة دخول النازحين بشكل دقيق، لم تنفذ أكثر من شهر واحد.

وفي حين أشار إلى أن اللجنة الوزارية تعمل على درس تقرير قضية النازحين وإمكانية تنظيم مخيمات لهم بدلا من المخيمات العشوائية التي تشكل خطرا على الأمن والبيئة، أكد أن أي إجراءات لم ولن تنطلق من خلفية عنصرية بل الهدف هو تطبيق القوانين بما يتوافق مع المصلحة الوطنية بعيدا عن الإطار الطائفي والمذهبي، علما بأن وزير الخارجية الحالي جبران باسيل، كان قد طالب في وقت سابق بإقفال الحدود اللبنانية - السورية، الأمر الذي استدعى ردود فعل لبنانية وسورية مستنكرة، متهمة إياه بالعنصرية.

وأضاف درباس: «هذه القضية كارثة إنسانية تتطلب حلولا جذرية»، لافتا إلى أن أبرز هذه الحلول هو تنظيم الدخول والخروج، لا سيما أن هناك أعدادا كبيرة من النازحين مسجلين في المفوضية يذهبون إلى سوريا، ويعودون، مرات عدة، إضافة إلى تنظيم العلاقة في هذا الإطار، مع المنظمات الدولية ومفوضية شؤون اللاجئين.

وقبل مشاركته في مؤتمر الوزراء المسؤولين عن ملف النازحين السوريين في دول الجوار الذي عقد في الأردن، أول من أمس، أعلن درباس أنه طرح موضوع إنشاء مخيمات في المناطق الآمنة داخل الأراضي السورية، وإقامة مراكز استقبال في المواقع الفاصلة بين الحدودين اللبنانية والسورية، أي بين جديدة يابوس والمصنع، وبين العريضة والدبوسية، لكن الأمر لم يلقَ تجاوبا من قبل المنظمات الدولية، بحجة أن هذه الأماكن ليست آمنة.

ووضع البعض ترحيل الـ49 سوريا وفلسطينيا إلى سوريا، أول من أمس (الأحد)، في خانة البدء بسياسة التضييق على النازحين السوريين متوقعين أن يعمل على تنفيذ إجراءات مماثلة بحق النازحين في المرحلة المقبلة، وهو ما عدته كذلك المؤسسة اللبنانية للديمقراطية وحقوق الإنسان «انتهاكا خطيرا وغير مسبوق للقوانين المحلية وللاتفاقيات الدولية المصادق عليها من قبل الدولة اللبنانية».

وكانت المديرية العامة للأمن العام أعلنت، السبت الماضي، عن توقيفها في مطار بيروت الدولي لهؤلاء الأشخاص الذي كانوا ينوون السفر إلى ليبيا بتأشيرات دخول مزورة.

وفي هذا الإطار، عدّ مدير المؤسسة اللبنانية للديمقراطية، نبيل الحلبي، أن ترحيل هؤلاء قرار تعسفي، مشيرا في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن تعامل الدولة اللبنانية الأمني والقضائي مع هؤلاء الأشخاص يدل على أنها تنفذ سياسة التضييق على النازحين السوريين.

وأكد أنه بناء على إفادات من المرحّلين، أكدوا أنهم دخلوا إلى لبنان بجواز سفرهم وبشكل قانوني، كما أن تأشيرات دخولهم إلى ليبيا ليست مزورة، وهم حصلوا عليها من السفارة في مصر، على غرار ما حصل مع مواطنين لهم تمكنوا من السفر إلى ليبيا بشكل قانوني.

وعدّ الحلبي أن إعادة هؤلاء إلى بلادهم يطرح علامة استفهام، لا سيما أنهم لم يُحالوا إلى القضاء، كما سبق أن حصل مع سوريين آخرين ثبت عليهم تهمة التزوير، وهو ما عدّه إجراء مخالفا للأصول والمحاكمات الجزائية، ودليلا كذلك على أن التهمة غير ثابتة عليهم.

ولفت الحلبي إلى أن لبنان، ووفق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ملزم بعدم ترحيل لاجئين معرضين للخطر انطلاقا من المادة 14 التي تشير إلى أنه يحق لكل شخص اللجوء إلى بلد آخر، هربا من الاضطهاد، ولا يحق لهذا البلد ترحيله إذا كان يتعرض لخطر التعذيب.

وإضافة إلى تصريحات عدة لمسؤولين ارتكزت كلها على وجوب حل قضية النازحين وبذل الجهود لمنع تأثيراتها السلبية على لبنان، كان وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق قال: «لن نرضى أن يكون النازحون أساسا لمشكلة في لبنان»، مشددا على ضرورة «وضع المعايير لتحديد النازحين والمناطق التي تستوعبهم والخدمات التي يمكن أن نقدمها لهم».

ولفت إلى أن اللجنة التي شكلت لدراسة قضية النازحين برئاسة رئيس الحكومة تمام سلام تعمل على «إيجاد تصور واضح لوضع معايير لمفهوم النازح السوري ومن أي منطقة أتى؟ هل هي منطقة بحالة حرب؟ وهل من تسجلوا يستحقون صفة النازح؟ ونسعى لمعرفة ذلك بالتنسيق مع منظمات الأمم المتحدة».

وأشار المشنوق إلى أن لبنان يستضيف أكثر من 40 في المائة من إعداد النازحين خارج سوريا، لافتا إلى أنهم باتوا يشكلون 27 في المائة من عدد السكان، بينما يشكلون عشرة في المائة من مجموع السكان في الأردن الذي يستضيف 600 ألف نازح، ولا يشكلون في تركيا أكثر من أربعة في المائة من عدد السكان، ويبلغ عددهم نحو 800 ألف نازح.