صفقة الطائرات الروسية لسوريا تضاعف قدرات سلاحها الجوي في معاركها الداخلية

المعارضة تعدها «إجهاضا للحل السياسي»

TT

لا ينظر خبراء إلى الكشف عن نية روسيا تسليم طائرات حربية إلى نظام الرئيس السوري بشار الأسد، على أنه خارج سياق الدعم السياسي والعسكري والاستراتيجي للنظام، لكن هذا الإعلان الأول من نوعه لجهة تزويد دمشق بأسلحة تُستخدم في حربها الداخلية ضد فصائل المعارضة، «يندرج ضمن إطار الحرب النفسية». وفيما تشير تقارير دولية إلى أن الدعم الروسي لدمشق «ليس خافيا على أحد»، تنظر المعارضة إلى هذا الدعم على أنه «إجهاض للمساعي الدولية في إيقاف نزيف الدم السوري، وإصرار من الجانب الروسي على إطلاق رصاصة الرحمة على جهود الحل السياسي». ويعد الكشف عن نية موسكو تسليم النظام السوري نهاية العام الحالي أولى دفعات طائرات روسية من طراز «ياك 130» من أصل 36 طائرة تعاقدت سوريا على شرائها في عام 2011، الأول من نوعه منذ بدء الأزمة السورية التي اندلعت في مارس (آذار) من العام ذاته، وانخراط القوات الحكومية في حرب ضد فصائل المعارضة في البلاد. ولطالما اقتصر إعلان موسكو عن التعاون مع دمشق عسكريا، على الأسلحة الاستراتيجية، وكان آخرها منظومة صواريخ الدفاع الجوي «إس 300» التي أثارت موجة اعتراض إسرائيلية.

ويؤكد رئيس «مركز الشرق الأوسط للدراسات»، الدكتور هشام جابر، أن تجربة تزويد روسيا الدول العربية بالسلاح، تشير إلى أن موسكو «لا تسلم أسلحة قادرة على خلق توازن مع السلاح الإسرائيلي»، كما أن هذه المنظومة من الطائرات التدريبية التي طورت إلى قاذفات في ما بعد، «لا تحقق التفوق الجوي على سلاح الجو الإسرائيلي»، مما يؤكد أن هذه الدفعة من سلاح الجو «معدة للاستخدام الداخلي».

ويوضح جابر، وهو عميد ركن متقاعد من الجيش اللبناني، أن روسيا منذ أيام الاتحاد السوفياتي «لا تسلم جيلا من الأسلحة قبل أن تدخل الأكثر تطورا إلى ترسانتها»، مشيرا إلى أن تلك الصفقات «لا تغير في مسار المعركة مع إسرائيل التي تمتلك أحدث منظومات الدفاع والطائرات الأميركية».

وطورت طائرة «ياك 130» إلى قاذفة للإسناد الجوي، بعدما صممت لأول مرة في عام 1996 بوصفها طائرة تدريبية. وبفعل التطوير، تحولت إلى طائرة مقاتلة خفيفة، يمكنها أن تنفذ، بحسب مطوريها، مهمات الاستطلاع، أو يمكن تخصيصها لمهمات الدعم والإسناد، بفضل قدرتها على حمل ما يقارب ثلاثة أطنان تشمل أنواعا مختلفة من الصواريخ والقنابل.

وكانت دمشق عقدت الصفقة مع موسكو نهاية عام 2011 وتتضمن عقدا لشراء 36 طائرة من هذا الطراز. وفي يونيو (حزيران) الماضي، سددت سوريا نحو 100 مليون دولار من ثمن الطائرات، على أن تتسلم تسعا منها نهاية العام الحالي، بحسب ما نقلته صحيفة «كوميرسانت» الروسية عن مصدر قريب الصلة من شركة تصدير الأسلحة الروسية «روس أوبورون أكسبورت». وأوضح أن دمشق ستتسلم 12 طائرة منها في عام 2015، و15 طائرة في عام 2016 طبقا لخطة تسليم طائرات «ياك 130».

وينظر جابر إلى الكشف عن موعد تسليم الطائرات على أنه «جزء من حرب نفسية تمارسها موسكو، مقابل الإعلان عن تسليم أسلحة أميركية (صواريخ تاو المضادة للدروع) إلى مقاتلي المعارضة»، كون هذا الإعلان «مخالف لاستراتيجية روسيا السابقة». فمن جهة النظام السوري، يوضح جابر أن القوات الحكومية «لا تحتاج إلى تحديث سلاح الجو إلا بأسلحة كاسرة للتوازن مع إسرائيل، كون 80 في المائة من أسطولها الجوي الحربي لا يزال فاعلا، ويُستخدم في المعارك الداخلية»، فضلا عن أن سوريا تمتلك «طائرات الـ(ميغ) بأجيال مختلفة، وطائرات (سوخوي)، باستثناء الجيلين الأخيرين».

ومن جهة روسيا، يقول جابر، إن موسكو لم تتوقف عن تزويد النظام بالكثير من قطع غيار المعدات الحربية والذخيرة والعتاد العسكري، إضافة إلى أسلحة استراتيجية مثل صواريخ «يوخونت البحرية»، من غير أن تؤكد أو تنفي صحة التقارير عنها، معربا عن قناعته بأن تلك المنظومة من صواريخ الدفاع البحري «كانت سببا من مجموعة أسباب منعت الولايات المتحدة من تنفيذ عملية عسكرية على سوريا» في أغسطس (آب) الماضي.

أمام هذا الواقع، يرى إن الإعلان «أرادت منه موسكو توجيه رسائل ضمن حربها النفسية، تقول فيها إنه إذا زودتم المعارضة بأسلحة نوعية، فسنزود النظام بهذه الأسلحة».

وفي حين بدا استخدام هذه الطائرات، على نحو شبه مؤكد، محصورا في المعارك الداخلية، وصف عضو الهيئة السياسية في الائتلاف السوري المعارض نصر الحريري إعلان الخطوة الروسية بأنها «إجهاض للمساعي الدولية في إيقاف نزيف الدم السوري، وإصرار من الجانب الروسي على الولوغ بدماء السوريين، وإطلاق لرصاصة الرحمة على جهود الحل السياسي». وقال الحريري في بيان، «إن مثل هذه التصرفات ليست غريبة عن روسيا، فمن يرفع (الفيتو) من أجل إيقاف إدخال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة، ويستخدم تجويع الأهالي ورقة ضغط سياسية، لن يخجله الاستمرار في الدعم العسكري، بغية محاولة إيقاف عجلة الثورة السورية».