خادم الحرمين: نشرات الأخبار خير شاهد على ما يحفل به العالم من صراعات ومآس

وزير الثقافة والإعلام افتتح نيابة عن الملك عبد الله القمة الآسيوية للإعلام

د. عبد العزيز خوجه وزير الثقافة والإعلام خلال إلقائه كلمة خادم الحرمين أمام القمة الإعلامية التي انطلقت في جدة أمس (واس)
TT

أكد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، أنه لا يخفى على الجميع ما يشهده العالم من صراعات ومآس إنسانية تحفل نشرات الأخبار بها، مشددا على أنه يأتي هنا دور الكلمة المسؤولة في كل وسائل الإعلام لتساهم في تعزيز قيم التواصل داخل الأطياف في المجتمع الواحد أو مع المجتمعات الأخرى.

جاء ذلك ضمن كلمة الملك عبد الله التي ألقاها نيابة عنه الدكتور عبد العزيز خوجه وزير الثقافة والإعلام السعودي، أمام القمة الآسيوية الـ11 للإعلام تحت عنوان «الإعلام والتنوع لإثراء تجربة البث»، التي تستضيفها السعودية، برعاية خادم الحرمين الشريفين صباح أمس في فندق هيلتون جدة، بمشاركة قادة إعلام يمثلون 50 دولة، وقال الملك عبد الله بن عبد العزيز «لقد آن الأوان لأن نتعلم من دروس الماضي القاسية وأن نجتمع على الأخلاق والمثل العليا التي نؤمن بها جميعا ولجعل ثقافة الحوار عملا ومنهجا مستمرا».

مبينا أن بلاده أنشأت بالتعاون مع الحكومة النمساوية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 بإطلاق مركز الملك عبد الله العالمي للحوار بين أتباع الديانات والثقافات في مقره الدائم في فيينا، والذي أنشئ بهدف استراتيجي محوره تعزيز ثقافة الحوار بين أتباع الأديان والثقافات ومد الجسور لتحقيق ذلك مع البحث عن حلول للصراعات لتعزيز قيم التعاون بين الجماعات المختلفة، آملا القمة الإعلامية أن تسعى لتكون رسول محبة وخير يحترم القيم الدينية ويقوي سياج المنظومة الأخلاقية ليظل شجرة طيبة تظلل البشرية جميعا، وفيما يلي نص الكلمة الملكية:

«يسرني أن أرحب بكم في المملكة العربية السعودية التي تستقبلكم وهي تتطلع أن تكون هذه القمة لبنة جديدة في صرح التعاون الإعلامي الآسيوي، وقد انطلقت من هذه الأرض الطاهرة آخر الرسالات السماوية رسالة الإسلام الخالدة التي جعلت من الكلمة الطيبة أساسا لنشر القيم الفاضلة ليرتقي الإنسان بسلوكه ويكون عامل بناء في الحضارة الإسلامية وأن الكلمة التي تحملون أمانتها اليوم مسؤولية كبيرة حيث يقول المولى عز وجل (ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون، ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار).

لقد أدرك مؤسس هذه البلاد الملك عبد العزيز (رحمه الله)، قبل ما يزيد على مائة عام أن رجال الإعلام وحملة الكلمة شركاء في مسيرة التحول والتحديث، بيدهم مفاتيح مؤثرة يمكن أن تساهم بشكل قوي في سرعة تقبل المجتمع لمشروعه الحضاري والتنموي للتحديث، فدعم رحمه الله النشاط الإعلامي في وقت مبكر رغم شح الموارد في ذلك الوقت فصدرت الصحيفة الأولى (أم القرى) منذ أكثر من 90 عاما واقتربت الإذاعة من عامها الـ70 واحتفل التلفزيون بمرور 50 عاما قبل عدة أيام.

تلك البدايات قادتنا إلى منظومة إعلامية متكاملة نسعى بها إلى خدمة الوطن والمواطن وتعزيز المبادئ السمحة للشريعة الإسلامية ولم يتوقف إعلامنا لتحقيق هذه الغاية عند استخدام الوسائل التقليدية وعندما انتشرت وسائل التواصل الاجتماعي بدأت تأخذ جزءا كبيرا من الساحة الإعلامية لم نكن بعيدين عنها ولا خائفين منها بل وفرت الدولة لها بنية قوية على امتداد مساحات المملكة الواسعة وارتفعت نسبة مستخدميها ووضعت الدولة لها تنظيما يضمن مساهمتها في التعليم والثقافة وتكون ملتقى لتبادل الآراء المفيدة بالحكمة والعقل.

وأنتم الآن في قمتكم الـ11 فإن مما لا شك فيه أن انتظام انعقاد هذه القمم دليل على أهميتها وعلى حرص المنظمين على أن تكون مهنية وتساهم في تطوير محتوى الوسائل الإعلامية فكما تعلمون أن منتجي التقنية في سباق دائم لإنتاج الوسائل السريعة والمريحة قد يسعد العاملين في الحقل الإعلامي لكنه يضعهم أمام تحديات صعبة ويفرض عليهم التجديد الدائم في شكل ومضمون رسائلهم الإعلامية لتكون قادرة على شد المتلقين لمحتواها مؤثرة تأثيرا إيجابيا في سلوكهم.

إن هذه القمة الإعلامية وما يوضع فيها من تصورات وخطط وما تنظمونه من لقاءات وورش تدريبية تساهمون بشكل فعال في رفع مستوى المنتج الإعلامي في وسائل الإعلام، ودول العالم تتعرض لمؤثرات ثقافية خارجية تهز قيمها الدينية والإنسانية بتشويه نقائها وتضعف منظومتها الأخلاقية بتسويق أعمال غير مسؤولة وكل ما نرجوه من هذه القمة وهي تضم خبراء متمكنين لهم مكانتهم وتأثيرهم أن تسعى ليكون المنتج الإعلامي رسول محبة وخير يحترم القيم الدينية ويقوي سياج المنظومة الأخلاقية ليظل شجرة طيبة تظل البشرية جميعا.

لا يخفى عليكم ما يشهده العالم من صراعات ومآس إنسانية تحفل نشرات الأخبار بها وهنا يأتي دور الكلمة المسؤولة في كل وسائل الإعلام لتساهم في تعزيز قيم التواصل داخل الأطياف في المجتمع الواحد أو مع المجتمعات الأخرى.

انطلاقا من موقع المملكة التي حباها وشرفها الله بوجود قبلة المسلمين في مكه المكرمة قبلة لأكثر من مليار مسلم في شتى بقاع العالم فقد سعينا إلى نشر ثقافة الحوار بين المسلمين مع بعضهم البعض ومع غيرهم من أتباع الديانات والثقافات فرعينا المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار الذي عقد في مكة المكرمة في شهر يونيو (حزيران) 2008 وصدر عن المؤتمر نداء مكة المكرمة الذي أكدنا فيه على أهمية الحوار في الإسلام وبأن الرسالات الإلهية قد دعت جميعها إلى خير الإنسان والحفاظ على كرامته وإلى تعزيز قيم الأخلاق والصدق وقيم الأسرة وتماسكها وأخلاقياتها التي تفككت روابطها في هذا العصر حيث ابتعد الإنسان عن ربه وتعاليم دينه.. وتبع مؤتمر مكة المكرمة المؤتمر العالمي للحوار في مدريد بإسبانيا في شهر يوليو (تموز) 2008 وصدر عنه إعلان مدريد متضمنا عددا من المبادئ اتفق عليها المشاركون في ذلك المؤتمر.

لقد آن الأوان لأن نتعلم من دروس الماضي القاسية وأن نجتمع على الأخلاق والمثل العليا التي نؤمن بها جميعا ولجعل ثقافة الحوار عملا ومنهجا مستمرا، فقد قامت المملكة العربية السعودية بالتعاون مع الحكومة النمساوية في شهر نوفمبر 2012 بإطلاق مركز الملك عبد الله العالمي للحوار بين أتباع الديانات والثقافات في مقره الدائم في فيينا وأنشئ المركز بهدف استراتيجي محوره تعزيز ثقافة الحوار بين أتباع الأديان والثقافات ومد الجسور لتحقيق ذلك مع البحث عن حلول للصراعات لتعزيز قيم التعاون بين الجماعات المختلفة».

وكان الدكتور عبد العزيز خوجه وزير الثقافة والإعلام أوضح أن التطور التكنولوجي السريع في وسائل الإعلام أصبح تحديا للعاملين فيه، واختبر قدرتهم على تحقيق الموازنة والعمل بمهنية، وإيجاد مواد إعلامية مفيدة يتلقاها المشاهد دون المساس بالقيم الأخلاقية والدينية، وتقديم الأخبار الصحيحة بعيدا عن الإشاعات والإثارة والتحريض وكل المؤثرات التي تحدث خللا في المجتمع.

وتحدث خوجه عن أفق الحرية التي تتمتع بها القنوات السعودية، وأكد أن كل مجتمع له مفاهيمه ومعاييره الخاصة حول الحريات، بحسب تقاليد المجتمع، وظروفه وجغرافية بلده، واصفا سقف الحرية في السعودية بالعالي جدا، مقارنة بالكثير من الدول الأخرى.

وأكد على أن الحرية نسبية، ووجودها بشكل مطلق يعد فوضى، وأنها مسؤولية كبيرة لا تعطى، وعلى كل من يؤمن بها أن يتحمل مسؤوليتها، في كافة جوانب الحياة خاصة ما يكتب وينشر من خلال وسائل الإعلام، مشددا على ضرورة الأخذ في الاعتبار أن المجتمع السعودي يرتكز أساسا على الأخلاق والمبادئ الإنسانية، كون السعودية بلد الحرمين ومهبط الوحي، وأن هذه الخصوصية التي تتمتع بها الدولة يجعلها خارج منافسة الحريات في الدول الأخرى، وجاءت مداخلة وزير الثقافة والإعلام السعودي ضمن افتتاح القمة الإعلامية التي تستضيفها السعودية.

من جهته رأى الدكتور رياض نجم رئيس هيئة الإعلام المرئي والمسموع في السعودية، أن وسائل الإعلام أسهمت وبشكل مكثف خصوصا في الدول النامية في عمليات التنمية، بيد أن هذا الدور بدأ يقل مع تغير اهتمامات المجتمعات والتطورات المتلاحقة في عالم الاتصالات، ونتج عن هذا التحول تأثيرها على توجيه الرأي العام في اتجاه القضايا السياسية التي أضحت من أهم ما يطرح في وسائل الإعلام بالإضافة للقضايا الاقتصادية والاجتماعية، مؤكدا أن لوسائل الإعلام المقدرة على تشكيل الرأي العام في مختلف المجتمعات حيال جميع القضايا سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو خلاف ذلك من القضايا التي يتم تناولها.

ولفت إلى أن التطور الهائل والمستمر في تكنولوجيا الاتصالات والحواسيب والهواتف الذكية كان من نتائجه تغيير الطريقة التي تتلقى بها المجتمعات والأفراد المعلومات وأن هذا التطور غير الصورة التقليدية والكلاسيكية لعمليه الاتصال نفسها.

وأفاد أنه بسبب التطورات الهائلة أصبح الجميع يعيش في فضاء مفتوح تلاشت معه المسافات والحدود «وتحقق بلا جدل مصطلح القرية الكونية»، إلا أن هذه التطورات «لم تكن بلا ثمن سواء كان ذلك فيما يخص الأفراد أو المؤسسات الإعلامية»، مشيرا إلى أن الكثير من الأفراد يلاحظ عليهم ظاهرة سوء الاستخدام لتقنيات الإعلام الجديد الظاهرة، التي جعلت البعض يعيش بشخصيتين شخصية افتراضية عند ولوجه لشبكة المعلومات الدولية الإنترنت وتطبيقاتها المتعلقة بوسائل التواصل الاجتماعي، وشخصية أخرى تعيش الواقع اليومي بكل تفاصيله.

وأشار إلى أن البعض يعتقد أن له الحق في نشر كل ما يرغب فيه حتى وإن كان في ذلك نشر لقيم الكراهية والتعصب والإقصاء، وقال «وفات عليهم أن هناك حدودا لحرية التعبير عندما تبدأ بالتعرض لحقوق وخصوصيات الآخرين أو عندما تنشر قيما ومبادئ تضر بالسلم والأمن الاجتماعي».

ورأى أن المؤسسات الإعلامية هي الأخرى وقعت في هذا الفخ بسبب التنافس المحموم بينها في نقل الأخبار، وأصبح شعار كثير منها أن سرعة نقل الخبر يفوق في أهميته مصداقية الخبر وكان نتاج هذا السباق المحموم بروز إشكاليات وقضايا ملحة أدت إلى انتهاك الخصوصية وضعف المصداقية والإساءة للآخرين وهذا يضع مسؤولية أكبر على وسائل الإعلام العمومي في إيضاح الحقيقة واحترام المهنية في تغطيه الأحداث.

فيما شهدت الجلسة الأولى في مؤتمر القمة الآسيوية نقاشا حول القنوات الفضائية الدولية وتلبيتها لاحتياجات المجتمعات المختلفة، وتمحور النقاش حول «ارتفاع عدد القنوات الفضائية الدولية.. نعمة أو نقمة» برئاسة السيدة بونام شارما مديرة جورو الإعلامية بسنغافورة، وتحدث فيها صلاح الدين معاوي المدير العام لاتحاد إذاعات الدول العربية «أسبو» من تونس حول التزايد المهول للقنوات الفضائية وتكاثرها في المنطقة العربية، مشيرا إلى أنه اليوم لدينا 1300 قناة عربية ومع ذلك هي في ازدياد وذلك بسبب تأثير القطاع التجاري.

وأكد صلاح الدين معاوي لـ«الشرق الأوسط» أن الساحة الإعلامية تشهد وجود فوضى تسود قنواتها الفضائية الخاصة ناتجة عن غياب التشريعات والمعايير التي تنظم البث الفضائي.

ووصف التخوف من حرية التعبير بغير المبرر، مرجعا التخوف الحقيقي من غياب المعايير المهنية والأخلاقية، الذي أدى إلى انفلات الإعلام المرئي والمسموع، وأن هذا الغياب لا يوجد إلا في القنوات العربية فقط، عكس ما يحدث في القنوات الأوروبية والأميركية التي تحكمها تشريعات تنظم سير قنواتها، وتعمل بحرية مطلقة وفق هذه المعايير.

وعن سبب غياب التشريعات في القنوات الفضائية العربية أكد معاوي أن تسييس الإعلام تسبب في غيابها وخروج ما وصفه بـ«الغث والسمين» على الهواء للمشاهدين دون محاذير وضوابط، لافتا إلى أن اتحاد إعلام العرب تقدم بوثيقة لجامعة الدول العربية ولكنها لاقت هجوما شرسا رغم عدم قراءة محتواها، وخرجت من الجامعة على شكل وثيقة إرشادية وليست إلزامية.

وأشار إلى التزام ما يقارب 60 قناة فقط من أصل 1300 قناة فضائية إلى حد ما بالمعايير الأخلاقية، إلا أن جميع هذه القنوات تعمل تحت أجندة وخط تحريري معين، ولها الحق في خياراتها السياسية دون الاعتراض عليه، مرجعا هذا الأمر لعدم وجود حيادية مطلقة.