مذابح ضد المسلمين في أوج العملية الانتخابية الطويلة في الهند

اتهامات لمودي المرشح لرئاسة الحكومة المقبلة بتأجيج النعرات ضد مهاجرين من بنغلاديش المجاورة

TT

يختبئ صفاء الإسلام في حظيرة للدواب وهو يتابع مذعورا مسلحين ملثمين اقتحموا قريته وقتلوا نساء وأطفالا برصاص البنادق الآلية وألقوا بالناجين المصابين وسط أطلال منازلهم المحترقة.

كانت شقيقة راعي الماشية المسلم وابن أخته البالغ من العمر سبع سنوات بين 41 مسلما قتلهم مهاجمون يشتبه في أنهم متشددون قبليون، الأسبوع الماضي، في ولاية أسام الهندية النائية في أحدث مذبحة يتعرض لها أشخاص يتهمون بالهجرة من بنغلاديش المجاورة.

قال صفاء الإسلام بينما كان ينصب هو والعشرات من سكان قرية نارايانغوري المصدومين خياما من أعواد البامبو على الضفة الأخرى من نهر بيكي: «لن نعود إلى القرية أبدا». وحسب إفادات الشرطة وسكان محليين، فإن متشددين من قبيلة بودو شنوا ثلاث هجمات منفصلة لمعاقبة المسلمين لأنهم لم يؤيدوا مرشحهم المحلي في الانتخابات التي لا تزال مستمرة في أنحاء الهند.

وأجج أسوأ تفجر للعنف الطائفي في شمال شرقي البلاد منذ عام 2012 مخاوف المسلمين الذين يعيشون على طول الحدود بين الهند وبنغلاديش ويشعرون بالتمييز ضدهم من قبل ناريندرا مودي المرشح الأوفر حظا لتولي رئاسة الحكومة الهندية. وأدلى مودي المرشح القومي الهندوسي بتصريحات مناهضة للمهاجرين غير الشرعيين من بنغلاديش، وقال إنه يجب عليهم «حزم حقائبهم» استعدادا للعودة إلى بلادهم في حال فوزه بالانتخابات. وأضاف مودي الأربعاء الماضي في ولاية البنغال الغربية: «يجب أن يرحل المتسللون. ألا تعتقدون أنهم جعلوا حياتكم بائسة؟».

وعلى بعد أميال قليلة من نارايانغوري وفي منطقة تتعرض لأعمال العنف الديني، أدلى مودي بكلمة مماثلة قبل المذابح ببضعة أيام وحذر من سيطرة أبناء بنغلاديش على الولاية. ولا يوجد دليل يربط تصريحات مودي بإراقة الدماء الأخيرة في الصراع الطويل، إلا أن خصومه يقولون إن خطبه التي استمرت بعد الهجمات قد تشعر الكثيرين من الأقلية المسلمة في الهند بالعزلة. ويصل عدد المسلمين في الهند إلى 150 مليون شخص.

وميز مودي بين المهاجرين الاقتصاديين من بنغلاديش واللاجئين الهندوس الذين وصفهم بأنهم «من العائلة» وفروا من الاضطهاد الديني في الدولة المجاورة ذات الأغلبية المسلمة.

وأثار احتمال فوز رئيس وزراء هندي يجبر المسلمين المنحدرين من بنغلاديش على العودة لوطنهم، القلق أيضا في داكا، حيث قالت الحكومة هناك إنها ستقاوم أي خطوة بهذا المعنى. وقال وزير التجارة في بنغلاديش طفيل أحمد: «إذا فعلوا هذا فإن العلاقة بين بلدينا ستصبح عرضة للخطر، وستتضرر. إن الهند بصفتها دولة كبيرة وديمقراطية، وبصفتها دولة مدنية لا يمكنها اتخاذ مثل هذا الموقف».

وينفي «حزب بهاراتيا جاناتا» الذي ينتمي إليه مودي تهمة إثارة التوترات في ولاية أسام، وأدان بشدة أعمال القتل. وتشير استطلاعات رأي إلى أن الحزب سيقود الحكومة الجديدة بعد أن تنتهي يوم الاثنين المقبل، انتخابات استمرت لمدة خمسة أسابيع. ويقول زعماء الحزب إن من حقه تناول ما يصفونها بأنه «قضية أمن قومي؛ لأن الهجرة جزء من محاولة من جانب بنغلاديش لتوسيع حدودها بطريقة غير رسمية».

وقال رانجيت كومار داس، وهو نائب عن بهاراتيا جاناتا في مجلس ولاية أسام ويعيش في بلدة قريبة للغاية من موقع المذابح: «إنه قتال بين قبليين وأجانب استولوا على أراضينا ووظائفنا. العنف نتيجة طبيعية. إذا لم يكن هناك حل دائم فسيتكرر مرة تلو الأخرى».

وتلقى خطب مودي صدى في وسائل التواصل الاجتماعي. وتصدرت تعليقات حملت شعار «نعم لترحيل مواطني بنغلاديش» قائمة التعليقات الأكثر استخداما في الهند يوم الاثنين الماضي. وطوال الحملة الانتخابية المضنية التي استمرت عشرة أشهر، ركز مودي (63 سنة) على مؤهلاته بصفته مسؤولا كفئا يمكنه وضع حد لأسوأ تباطؤ اقتصادي تعانيه الهند منذ عقود، إلا أنه أخفق في تبديد شكوك تتهمه بالتحيز لصالح الغالبية الهندوسية ضد المسلمين.

وترجع هذه الشكوك إلى صعود «حزب بهاراتيا جاناتا» في تسعينات القرن الماضي بعد أن دمر حشد مسجدا تاريخيا. ويتهم مودي بأنه لم يبذل جهودا كافية لوقف أعمال شغب طائفية في 2002 عندما كان رئيسا لوزراء ولاية غوجارات. وسقط أكثر من ألف قتيل في الأحداث معظمهم من المسلمين.

ويتفق كثيرون من سكان أسام مع مودي في الرأي. وزاد عدد المسلمين في الولاية خلال القرن المنصرم وأصبحوا الآن يشكلون نحو 30 في المائة من السكان. ويمثل المسلمون في الهند بشكل عام نحو 13 في المائة من السكان. وقال جولاب سايكيا وهو رجل أعمال في مدينة جواهاتي كبرى مدن أسام: «إن ناريندرا مودي تجرأ وقال ما لم يجرؤ السياسيون الآخرون على النطق به حتى الآن. دعونا نرَ إلى أي مدى سيلتزم بتعهده».

لكن حتى إذا أراد مودي ترحيل المهاجرين غير الشرعيين فإن تحديدهم سيمثل مشكلة كبيرة. وتشير التقديرات إلى أن ملايين عدة من أبناء بنغلاديش وأبنائهم المولودين في الهند استقروا في البلاد على مر السنين. وتنذر أي خطوة للترحيل الجماعي بإثارة التوتر وتدفع بالكثيرين من مسلمي أسام للدخول في نفق مسدود؛ لأن بنغلاديش لن تقبل بعودتهم على الأرجح، مما يجعلهم في وضع يشبه حالة مسلمي الروهينغا في ميانمار. وقال كانتشان غوبتا الذي شارك في وضع البرنامج الانتخابي لحزب بهاراتيا جاناتا إن الحزب قد يتطلع إلى تعزيز الأمن على الحدود التي تمتد لمسافة 3909 كيلومترات عن طريق بناء سور على طول الحدود وتزويده بكاميرات أمنية.