التنظيمات الإرهابية المستهدفة للسعودية.. واجهة القيادة لسعوديين و«الإمرة» لأجانب

فشل الاندماج طبقا للنموذج الشيشاني أضعف شوكة الجماعات

جانب من آثار أحد التفجيرات الإرهابية التي نفذها تنظيم القاعدة في الرياض («الشرق الأوسط:)
TT

ما هو ثابت أن توجهات تنظيم القاعدة وما شابهه من تنظيمات وجماعات متطرفة ليست قُطرية، بمعنى أنها لا تركز على بلد دون آخر ولا تؤمن بالمناطقية ولا الوطنية والحدود بل تسعى إلى إلغاء أي هوية وانتماء وطني، فالآيديولوجيا التي يحملها التنظيم تتجاوز الدول العربية والإسلامية، وبالتالي فإن وجود عدد كبير من أعضاء تنظيم القاعدة ينتمون إلى مختلف الجنسيات أمر لا يثير الدهشة.

هذه الجزئية المحورية لدى أدبيات «القاعدة» وتنظيمات التطرف هي إرث ثقافي- شعوري تلقته من أدبيات تنظيم الإخوان التي تدعو للأممية ومسح الهوية الوطنية المحلية والدعوة إلى الوحدة في مقابل إلغاء الانتماء الوطني الخاص، ولا شك أن الشعور الأممي والوحدة الإسلامية أمر مطلوب ومرغوب لكن ليس في مقابل المحلية والوطنية وليس على حساب الهوية الذاتية.

بيد أن عبد المنعم المشوح، وهو مدير «حملة السكينة» التابعة لوزارة الشؤون الإسلامية السعودية، يقول: «إن إلغاء الدائرة الأقرب سيلغي الدائرة الأكبر؛ لذلك فشلت هذه الجماعات والتنظيمات في تطبيق هذه النظرية (العاطفية) فنجدهم الآن يتمركزون مناطقيا ووفق الجنسيات في مناطق الصراع، ففي سوريا على سبيل المثال، مخيمات ومعسكرات للمغاربة وأخرى للتوانسة وثالثة للمصريين كما للعراقيين معسكراتهم، وهكذا مع وجود معسكرات وخلايا مختلطة لكن في داخلها صراعات شرسة، ولم تنجح عمليات الدمج بين جنسيات مختلطة لأنها تؤول في النهاية إلى صراعات على السلطة مناطقية كالفشل والصراع الذي حدث في أفغانستان، فرغم جهود المجاهدين العرب في دعم حركة المقاومة الأفغانية، لكننا نجدهم طردوا بعد استتباب الوضع للأفغان في بعض الأماكن، وفي أماكن أخرى جرى تهميشهم عوضا عمّن جرى بيعهم».

في الوقت نفسه، يعد «القاعدة» تنظيما مفتوحا، عابرا للحدود والقيود، كان في قيادته سعودي هو أسامة بن لادن، ونائبه أيمن الظواهري (الزعيم الحالي)، وأركانه فيهم السوري والأردني والموريتاني والباكستاني والكويتي واليمني، وأبي مصعب السوري، والزرقاوي، وأبي حفص الموريتاني، وخالد شيخ محمد، ورمزي بن الشيبة.

ومنذ أعلن في عام 1998 في بيشاور عن نشأة التحالف الأصولي العسكري، امتزجت الوجوه والجنسيات من حينها، واستمر هذا التمازج والذوبان يسري في «القاعدة» دون اعتبار لجنسية هذا الشخص أو ذاك، فالأرض كلها مسرح مفتوح لـ«القاعدة»، وبلاد المسلمين كلها مثل بعضها، ولكل مجاهد، بصرف النظر عن جنسيته، ولاية ودالة عليها.

يرى عبد المنعم المشوح أنه يستحيل هذه الأيام إعادة تكرار نموذج المجاهدين العرب في البوسنة والشيشان في الدول العربية، فالإرهابيون المغاربة لم يندمجوا مع الليبيين والجزائريين، بل تقاتلوا كما يتقاتلون الآن في العراق وسوريا، ورغم عدم نجاح هذا الدمج لكنه يظل موجودا ومؤثرا ويحقق أهدافا لدى التنظيمات المتطرفة، وهو ما أضعف شوكتهم في كل الأحوال، بحسب تقرير خاص حصلت عليه «الشرق الأوسط» من حملة السكينة.

ويقول المشوح «هكذا في كثير من الخلايا نجد دائما عنصرا غير سعودي يكون له التأثير الأقوى سواء في المجال الفكري أو الميداني، ففي المجال الفكري مؤلفات (غير السعوديين) الموجّهة للسعودية وضد السعودية وفي تكفير أهلها». ويضيف «هذه الإصدارات تعد الأكثر تأثيرا بين شباب وأتباع الجماعات المتطرفة، فكتاب (الكواشف الجلية في كفر الدولة السعودية) لأبي محمد المقدسي واسمه عاصم البرقاوي (أردني من أصل فلسطيني) يشكل مُنطلّقا فكريا للغلاة والخوارج، وخلايا (القاعدة)، وغيرها، وهي التي روجت وتبنت أفكاره ومحاوره، ويعد مُستنَدا فكريا يرجعون إليه رغم أنه تراجع عن بعض أفكاره، ورغم تناقضاته الكثيرة، لكنه يظل من أشعل إحدى أهم جذوات التطرف الفكرية والإرهاب داخل السعودية... والقائمة الفكرية من الإنتاج العلمي طويلة التي تزاحمت من مصريين وأردنيين وغيرهم، وهي موجّهة للداخل السعودي والسؤال المُتبادر للذهن لماذا يترك هؤلاء الكتابة عن بلدانهم ويكتبون عن السعودية».

ونشرت «الشرق الأوسط» الأسبوع الماضي أن فلسطينيا قاد آخر خلية لتنظيم القاعدة كشف عنها، والتي ضمّت باكستانية ويمنية و103 سعوديين منهم 44 هاربون.

هذا الفلسطيني يصلح تقديمه كأنموذج واضح لأدوار الأجانب في الخلايا السعودية، حتى وإن كانت إمرة التنظيم أو الخلية أو الكتيبة – كما يحلو لهم تسميتها – في الظاهر لسعودي، لكن المحرّك الأساس لها والمؤثر الأقوى هو هذا الفلسطيني.

وحول مناقشة شبهات الغلاة الواردة في كتبهم، وعلى المستوى الميداني ما من رمز من رموز «القاعدة» في السعودية أو الجماعات المتطرفة الأخرى إلا ونجد خلفه غير سعودي يوجهه، فأسامة بن لادن رمز «القاعدة» الأول تأثر بشكل كبير بعبد الله عزام (الفلسطيني) ومن ثمّ بالظواهري المصري.

وليس الهدف من هذه القراءة تبرئة (السعودي) فالمتورط بالإرهاب والغلو ليس بريئا أيا كانت الدوافع والأسباب، لكننا نحاول تلمّس ملامح خريطة هذه الجماعات والخلايا والمؤثرات عليها وهذا يخدم في طرق المعالجة والتعاطي الفكري.

ففي نوفمبر (تشرين الثاني) 2010 فككت السعودية شبكة عنقودية من الخلايا الإرهابية (19 خلية) مكوّنة من 149 شخصا بينهم 25 غير سعودي تركزت مناشطهم ومهماتهم على «تكوين وتشكيل وقيادة الخلايا، والإشراف على تجنيد السعوديين فيها»، و«تنسيق سفر المغرر بهم إلى مناطق مضطربة للتدريب أو المشاركة في نشاطات وجرائم (القاعدة)»، وهذه الخلايا الـ19 المتناثرة تركزّت فكريا على قضية (الغلو في التكفير) فهم يكفرون ولاة الأمر وكبار العلماء وطلبة العلم ويكفرون كل من يساهم في بناء هذه الدولة وحفظها.

وكان لغير السعوديين المهمة الكبرى في تسويق كتب ومنشورات وفتاوى أيمن الظواهري، وأبو يحيى الليبي، وأبو بصير الطرطوسي. كما تأثر الكثيرون بما يكتبه هاني السباعي، الذي لا يمل من تكرار كفر الدولة السعودية وبث ذلك على الإنترنت، بل ويدخل في حوارات ومناقشات لإقناع المُتلقي بذلك.

من العجائب التي تثير الكثير من التساؤلات – عودة إلى الخلايا الـ19 – من بينها خلية رقم 12. والمكونة من ستة أشخاص كلهم غير سعوديين، وتعد حلقة الوصل مع تنظيم القاعدة، وبقية الخلايا اشترك فيها ما بين عنصر أو اثنين ومهمتهم اغتيالات ونشر فكر التكفير واستهداف عسكريين ومدنيين وبعض الخلايا قادها أجانب.، ولو استعرضنا بقية الخلايا والمجموعات المتطرفة لا نكاد نجد مجموعة إلا وفيها غير سعودي وله مهمة ذات تأثير وربط بخلايا أخرى وارتباط بالخارج.

في يناير (كانون الثاني) 2014 قضت المحكمة بقتل تشاديين تعزيرا لإقدامها على قتل معاهد فرنسي في منطقة جدة وهما كانا ضمن خلية شرسة خمسة تشاديين ويمني وأربعة سعوديين.

والأمثلة كثيرة.. بل وصلت في بعض الخلايا إلى التبعية والتوجيه من قبل شخصيات إيرانية وفقا للموقع الإلكتروني لحملة السكينة.

وفي المقابل، نجد السعودي المتطرف يشارك في بقاع الأرض في مناطق الصراع ويجري استدراجه وتقديم إغراءات له، سواء فكرية أو حسية للمشاركة ضمن جماعات متطرفة.

يشار إلى أن أدبيات تنظيم القاعدة والتنظيمات المتطرفة المشابهة تتضمن فكرة الأممية وإلغاء أي حس وطني أو مناطقي وعدم الاعتراف بالدول، ومسح هوية المُشارِك فتجد السعودي بزي أفغاني وبلهجة يمنية والباكستاني بزي سعودي، واللباس مؤشر على الانتماء، ومن الوقائع تجد سعوديا يمزّق هويته أو جواز سفره في ضواحي حلب بسوريا ويُعلن ذلك.. ثم بعد أن تتبين له الحقائق يجد نفسه معزولا بلا هوية مما يصعّب عليه عملية الرجوع والتوبة وإن كان بعضهم تجاوز هذه المرحلة فمجرد وصوله السفارة يجري إصدار بدل تالف.

الذي يحدث داخل التنظيمات والخلايا في السعودية هو طمس هويّة.. تهجير وتصدير لسعوديين وسعوديات وتعبئتهم بالتطرف ثم إعادتهم أو جعلهم تائهين بين الخلايا والكهوف والقفار بلا هوية أو هدف.. واستيراد لأجانب داخل السعودية لإدارة دفة الإرهاب وربط الحراك الفكري والميداني المتطرف بأصول وقواعد الإرهاب العالمية.

وعندما فشل تنظيم القاعدة في السعودية مباشرة جرى حله وتكوين تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، والذي يشمل السعودية واليمن وبعض دول الخليج وجعل القيادة والتحكم في اليمن كمصدر انطلاق وتصدير واستقبال وتعبئة فكرية وميدانية حسيّة؛ لأن السعودية نجحت في مواجهتها مع الإرهاب والإرهابيين مما صعّب عليهم التحكم من داخل السعودية.

ووفقا لحملة السكينة، فإنه لا يوجد الآن أي موقع في الإنترنت إرهابي يُدار من داخل السعودية، ولا منصّة إرهابية في شبكات التواصل الاجتماعي تُدار من السعودية – وفقا للمعطيات لدينا – رغم كثافة التحريض للداخل السعودي ورغم وجود حسابات ومشاركات (فردية) من الداخل السعودي، لكن تظل القيادة ومراكز التحكم والسيطرة والتعبئة خارج السعودية وبأيدي غير سعوديين بما نسبته 95 في المائة. ولعل شخصية السعودي المحبة للخير و(الفزعة) كما يحلو للسعوديين تسميتها، إلى جانب التعاون والشعور الإسلامي العالي، تجر الشبان المتحمسين إلى الانخراط والتورط مع جماعات متطرفة، فعند تحليل وسبر الحركات المتطرفة نجد أنها تسير في إطار يُمكن التعامل معه أو تفهّم تشدده والحد منه لكنها في نقطة تغيّر نلحظ أن هذه الحركات أو المجموعات تنحى منحى العنف والغلو في التكفير ومما يشد الذهن دائما نجد شخصية غير سعودية ساهمت بشكل كبير في تحوّل هذه الجماعة أو المجموعة من مسار التشدد إلى مسار أكثر خطورة وهو العنف وممارسة الإرهاب وهو تطوّر طبيعي لأي فكر متطرف متشدد لكنه يحتاج إلى نقطة تحوّل تحفّزه نحو الإرهاب والعنف. يذكر هنا أن سلطات الأمن السعودية وضعت قوائم مزدوجة داخلية وخارجية، من خلال قائمة الـ36 الشهيرة في يونيو (حزيران) 2005. التي كان فيها المغربي يونس الحياري، وقبلها قائمة الـ26 التي كان فيها المغربي الآخر كريم المجاطي.

وكان خالد الحاج وهو يمني الجنسية ولد في مدينة جدة ونشأ فيها، ويكنى بأبي حازم الشاعر وكان أحد الحراس الشخصيين لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن.

خالد علي حاج سبق أن اعتقل في السعودية على خلفية قضية أمنية وصدر قرار بترحيله إلى بلاده اليمن إلا أنه سافر من هناك إلى أفغانستان والتحق بمعسكرات تنظيم القاعدة، وأعلنت وزارة الداخلية اسمه ضمن قائمة الستة والعشرين الإرهابية والتي أعلنت عام 2003 وتمت تسميته قائدا فعليا لخلايا التنظيم بعد مقتل يوسف العييري رغم تعيين عبد العزيز المقرن صوريا حيث تركت المهمة القيادية للأول في حين تصدر اسم المقرن المواقع الإرهابية على الإنترنت كقائد للخلايا الإرهابية رغم أن الرأس المدبر وهو حاج ليس له أي ظهور إعلامي.

وتمكنت قوات الأمن إثر مطاردة لخالد علي حاج في السادس عشر من أبريل (نيسان) 2004 في حي النسيم شرق العاصمة الرياض من قتله.

أما كريم المجاطي وهو مغربي الجنسية دخل إلى السعودية بطريقة غير شرعية. وزار الولايات المتحدة بين 1997 و1999. لديه عدة أرقام لجوازات سفر صدرت في فرنسا. وأصدرت السلطات المغربية مذكرة بحث دولية في حقه وعدته بأنه العقل الدبر للتفجيرات التي وقعت في مدينة الدار البيضاء المغربية في مايو (أيار) 2003. وتفجيرات قطارات مدريد في العام 2004.

أدرجت السلطات السعودية اسمه ضمن قائمة المطلوبين الـ26 التي عممتها عام 2003، وقتل في مواجهات مع قوات الأمن السعودية بمدينة الرس بداية أبريل 2005.

ونجد يونس الحياري وهو مغربي الجنسية أيضا، والمطلوب الأول على قائمة الـ36. التي أصدرتها الداخلية السعودية في 28 يونيو 2005، وقدمته الصحف السعودية على أنه أحد قادة الفرع المحلي لتنظيم القاعدة الإرهابي في السعودية «القاعدة في شبه الجزيرة العربية»، لا بل وقائده، وكان دخل البلاد في عام 2001 بجواز سفر بوسني وذلك لأداء فريضة الحج في مكة المكرمة، لكنه بقي داخل السعودية، وبالتحديد في الرياض، خطط لعملية احتجاز الرهائن في الخبر ومجمع الواحة في مايو 2004. قتل في عملية أمنية في حي الروضة شرق العاصمة الرياض يوليو (تموز) 2005.

ويجدر ذكر حسين الحسكي وهو مغربي الجنسية، وأحد المطلوبين الكبار في لائحة من 26 إرهابيا، سبق لوزارة الداخلية السعودية إعلانها في أوائل ديسمبر (كانون الأول) 2003 لعلاقتهم بتفجيرات وقعت في بعض المناطق السعودية. وأعلنت السلطات البلجيكية نبأ اعتقاله في أكتوبر (تشرين الأول) 2004 على خلفية أنه كان يستعد لأمر ما هناك.

هذا الخليط من الجنسيات داخل الخلايا الإرهابية في السعودية كتفسير فكري، يعد منطقيا وطبيعيا نظرا للخلفية الفكرية والأدبيات التي تنتهجها هذه الجماعات، وعند الدخول بشكل أعمق وتحليلي نجد أن هؤلاء الأجانب شكّلوا (معابر تواصل) بين هذه الخلايا والجماعات الأم أو التنظيم الرئيس، وشكّلوا كذلك مُحرّكا ميدانيا لأكثر العمليات تطرفا وشراسة، ومارسوا مهمات التدريب، وفي المجالات الفكرية شكّلوا أحد محفّزات نقاط التحوّل من التشدد والتطرف إلى العنف والإرهاب.