مخاوف مسيحية لبنانية من تغيير ديموغرافي جراء تفاقم اللجوء السوري

وزير الصحة حذر من أن يؤدي شحن النفوس تجاه النازحين إلى «شحذ السكاكين»

TT

لم تكن السنوات الثلاث الماضية من اللجوء السوري في لبنان كفيلة بتبديد هواجس المسيحيين اللبنانيين، الذين تتصاعد مخاوفهم من تغيير ديموغرافي، بعدما فاق عدد اللاجئين السوريين المسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة في بيروت المليون و56 ألفا، معظمهم من المسلمين. ولا يتخطى عدد اللاجئين السوريين من الطائفة المسيحية الموجودين حاليا في لبنان الـ35 ألفا وفق رئيس «الرابطة السريانية» حبيب أفرام، يعيش معظمهم في شقق مستأجرة في مناطق مسيحية. وبعكس أبناء جلدتهم من المسلمين، لم يسجل سكن أي منهم في المخيمات العشوائية المنتشرة على الأراضي اللبنانية كافة. ويتلقى هؤلاء المساعدة من الكنائس والجمعيات المسيحية ويتوزعون على مناطق البقاع الشمالي ويعيش قسم كبير منهم في مدينة زحلة البقاعية وفي مناطق وبلدات في جبل لبنان وبيروت. ويشير أفرام في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن معظم اللاجئين السوريين المسيحيين ينظرون إلى لبنان كمحطة «ترانزيت» ينتقلون منها إلى دول غربية، مما يطرح إشكالية وجودية لمسيحيي الشرق الأوسط، على حد تعبيره.

ولم يتردد النائب نعمة الله أبي نصر، عضو تكتل «التغيير والإصلاح» التكتل المسيحي الأكبر في المجلس النيابي والذي يرأسه النائب ميشال عون، بوصف النزوح الكثيف للشعب السوري إلى لبنان بـ«المؤامرة الخبيثة» التي تهدف إلى تبديل جذري بالواقع الديموغرافي في لبنان.واعتبر أبي نصر في بيان له أمس، أن لبنان بصدد «خطر وجودي» ومهدد بتبديل جذري لواقعه السكاني ولتوازنه الطائفي الدقيق، مطالبا بإقفال الحدود، والاتصال بالحكومة السورية لإعادة من يمكن إعادتهم إلى أرضهم التي استعاد الجيش النظامي السيطرة عليها، «أما الذين تصعب عودتهم فلا بد من إقامة مخيمات لهم داخل الأراضي السورية المتاخمة للحدود اللبنانية بإشراف وحماية الأمم المتحدة وبدعم من المجتمع الدولي».

وليست هذه المرة الأولى التي يدعو فيها نواب وقياديو التيار الوطني الحر، الذي يتزعمه عون إلى وجوب ترحيل اللاجئين السوريين وإقفال الحدود. وكان الوزير السابق نقولا صحناوي والقيادي زياد عبس، وفي مؤتمر صحافي سابق خصصاه للبحث بتداعيات النزوح السوري على منطقة الأشرفية المسيحية في بيروت، طالبا بـ«إجراءات تحمي المواطنين اللبنانيين بسبب تداعيات تزايد وجود اللاجئين السوريين في الأشرفية»، منبهين إلى ارتفاع نسبة جرائم القتل «بشكل مريب».

وفيما يفضل اللبنانيون المسيحيون تأجير شقق يمتلكونها للاجئين سوريين من الطائفة المسيحية، يقبل بعضهم على مضض بإيواء سوريين من طوائف أخرى لتأمين مداخيل ثابتة وشهرية.

ويعيش عدد لا بأس به من اللاجئين السوريين في بيروت في مناطق الأشرفية والدكوانة وبرج حمود، فيسكن معظمهم في شقق صغيرة في الأحياء الفقيرة فيما يعيش بعضهم الآخر بإطار مجموعات ليتمكنوا من تأمين الإيجار المطلوب. ويلاقي اللاجئون السوريون المسيحيون معاملة أفضل من المسلمين في المناطق المسيحية، بحيث يعمد أصحاب الشقق في بعض الأحيان إلى تخفيض بدل الإيجار أو إعطائهم امتيازات معينة.

ويتفادى جورج (32 عاما)، اللاجئ السوري الذي يعيش في الأشرفية الاحتكاك بمحيطه على الرغم من أنه يعلم تماما أنه مرحب به في المنطقة المسيحية بعكس أبناء بلده المسلمين. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «لا أحتك سلفا بجيراني وبأصحاب المحال التجارية حتى لا أتعرض لمواقف قد لا تكون بالحسبان، خاصة في ظل ما نسمع ونرى من عنصرية في تعاطي بعض اللبنانيين معنا كسوريين بشكل عام». وكان رئيس بلدية الدكوانة، في منطقة المتن المتاخمة لبيروت، أنطوان شختورة، أفاد بوجود «عشرة آلاف سوري في منطقته، 80 في المائة منهم من المقاتلين»، محذرا من العودة إلى المخيمات، في إشارة إلى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين الـ12 المنتشرة في المناطق اللبنانية.

وبدا لافتا أمس تنبيه وزير الصحة وائل أبو فاعور، والذي كان وزيرا للشؤون الاجتماعية في السنوات الثلاث الماضية وواكب عن كثب ظاهرة اللجوء السوري، من أن يؤدي «شحن النفوس تجاه النازحين السوريين إلى شحذ السكاكين». وشدد أبو فاعور في تصريح له على وجوب «التخفيف من حدة الخطاب العدائي تجاه النازحين، واتخاذ إجراءات عملية تساعد في الحد من تداعيات هذا النزوح لا تسعيره».

وفي محاولة منها لتنظيم دخول اللاجئين، بدأت الحكومة اللبنانية في الفترة الأخيرة تنفيذ سياسة متشددة في مراقبة دخول القادمين من سوريا، وأصدرت وزارة الداخلية الأسبوع الماضي قرارا يقضي بوضع معايير محددة لدخول الفلسطينيين الآتين من سوريا إلى لبنان، وذلك على خلفية ترحيل 49 شخصا في مطار بيروت بعد محاولتهم السفر من مطار بيروت الدولي بسمات سفر مزورة. وأعرب رئيس «الرابطة السريانية» حبيب أفرام، عن «تخوف مسيحي متصاعد في لبنان في ظل ما تشهده البلدان المحيطة من تعصب وأصوليات وتفتت»، لافتا إلى أن «ارتفاع حدة الصراع السني - الشيعي وتحوله عسكريا في كثير من الأحيان وتضخم أعداد النازحين، كلها عوامل تزيد من هواجس المسيحيين الذين لا يحملون إلا مشروع الدولة لحمايتهم».

ورفض أفرام الحديث عن «مؤامرة تسعى لتبديل الواقع الديموغرافي في لبنان»، مشيرا إلى أن «الحكومة السابقة لم تتعامل مع ملف اللاجئين ببعد نظر فيما كان المطلوب منها أن تضع سياسة واضحة لتنظيم دخولهم». وتابع: «المطلوب نظرة وطنية للملف أكثر منها مسيحية والانطلاق سريعا بورشة حكومية فنكون إنسانيين بالتعاطي مع ملف اللجوء ولكن وطنيين أولا».