عناصر «داعش» غادروا أعزاز.. لكنهم تركوا جروحا لن تندمل

عائلات تمزقت وصار أفرادها يقاتلون بعضهم بعضا بسبب اختلاف الولاءات

فارس ما زال يبحث عن نجله الذي اختطفته «داعش» من أعزاز («الشرق الأوسط»)
TT

بحكم العادة أو الخوف، يلجأ فارس إلى الاحتفاظ بأعز الصور لديه مخبأة خلف الأريكة. التقطها من مخبئها ثم وضعها على الطاولة ليكشف عن وجوه سبعة شبان «شهداء أعزاز» على خلفية تحمل ثلاث نجمات.

قال: «كان هذا العلم، العلم هو الذي تسبب في المشاكل. كانوا يقولون: إنه علم الكفار. وأرادوا ألا يكون في أعزاز سوى الراية السوداء».

ليست هذه الرايات سوى رموز ظاهرية تعبر عن انقسام آيديولوجي يزداد عمقا. ارتفع علم الثورة السورية ذي النجمات الثلاث في أعزاز منذ أن خلصها الثوار من قبضة النظام السوري، ولكنه كان يمثل إهانة لحكام البلدة الجدد المستبدين. كانت الراية السوداء التي اتخذها تنظيم القاعدة شعارا له هي العلم الوحيد المسموح به في أعزاز بعد أن سقطت البلدة في قبضة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي.

وفي مطلع مارس (آذار)، شن تحالف من الثوار يسمى الجبهة الإسلامية – وهي جماعة ذات انتماءات سلفية ولكنها معتدلة مقارنة بداعش – هجوما من أجل إعادة البلدة إلى سيطرة المعارضة السائدة. وانسحبت داعش من الشمال والشرق وخارج مدينة حلب والمناطق الريفية في غربها، وعادت إلى معقلها في الرقة. ويمر اليوم ما يزيد على شهرين على ارتفاع الراية السوداء فوق أرض أعزاز.

ولكن «داعش» تركت ميراثا مظلما خلفها. فقد فارس واحدا من أبنائه، ويدعى مالك البالغ من العمر 22 عاما ذي اللحية القصيرة والوجه المبتسم في الصورة التي ضمت الشبان السبعة. قتل مالك أثناء معركة مطار منغ في أغسطس (آب) الماضي، حيث كان يقاتل إلى جانب زملائه في الجيش السوري الحر. ولكنه لا يعرف حتى الآن ما حدث لابنه الآخر وسيم الذي اختطفه أربعة رجال مسلحين من أمام منزله بعد ذلك بشهر.

يروي فارس ما حدث قائلا: «جاءوا في سيارتهم وأطلقوا النيران في الهواء، لم يقولوا أي شيء، بل بدأوا في إطلاق النار ثم أخذوه». ولا تعلم الأسرة أي أخبار عنه منذ ذلك اليوم.

وسيم واحد من سبعة عشر شابا – جميعهم من مقاتلي الجيش السوري الحر – من المعتقد أنهم محتجزون لدى «داعش» وما زالوا مفقودين من أعزاز. في هذه البلدة الصغيرة التي تجمع سكانها روابط وثيقة، يجد كل شخص واحدا من معارفه مفقودا ولا يعلم مكانه. قال فارس في تعبير عن الأمل وليس إقرارا بالواقع: «إن شاء الله هو حي». لم تجلب له اتصالاته الهاتفية بـ«أمراء داعش» وزيارته الكثيرة إلى أقرب معاقلهم في بلدة الباب الصغيرة الواقعة في شمال شرق حلب، أي معلومات إضافية عن مكان ابنه أو أخباره.

ترك المختفون ستارا من الكآبة على أعزاز المحررة، ولكنهم ليسوا الرجال الوحيدين الغائبين عن هذه البلدة. تعرض عشرات آخرين لمنفى اختياري – حيث يعيشون بحذر على الحدود المجاورة في بلدات جنوب تركيا، أو هربوا إلى الشرق في داخل الأراضي الخاضعة لحكم «داعش». الحقيقة المؤلمة وغير المعلنة أحيانا في أعزاز هي أن كثير من الرجال الذين شاركوا في حكم «داعش» الإرهابي لم يكونوا من المجاهدين الأجانب، بل من أبناء البلدة ذاتها. وهم على عكس وسيم وزملائه، غير مرحب بعودتهم إلى البلدة.

وهناك عائلات تمزقت في أعزاز أثناء حكم «داعش»، إذ كان هناك من يقاتل تحت راية العلم ذي النجمات الثلاث، بينما يقاتل شقيقه من أجل الراية السوداء. كان أحمد أحد أفراد كتيبة الجيش السوري الحر في البلدة منذ بداية الصراع في عزاز، وظل يعمل ناشطا بها حتى بعد أن بدأت «داعش» في استهدافه واستهداف زملائه. ولكن كان الأسوأ من الشعور بالخوف والترهيب في تلك الأشهر من حكم «داعش» هو الشعور بالخيانة الذي أصابه بعد أن قرر شقيقه الانضمام إلى صفوف أعدائه.

يقول أحمد: «اعتقل بواسطة كتيبتي واتهم بجرائم يقول إنه لا علاقة له بها. وكان الانضمام إلى داعش وسيلته للانتقام». لكن شقيقه هرب من سوريا بعد انسحاب «داعش» من أعزاز، ولم يعد الرجلان يحادثان بعضهما الآخر.

يقال: إن بعض الرجال من أعزاز انشقوا عن الجيش السوري الحر إلى «داعش» لأسباب تتعلق بالانتهازية – أو القتال مع الفريق الأقوى، عندما بدأت قوة الثوار المعتدلين تخفت. في حين أصيب البعض بخيبة الأمل في الجيش السوري الحر، الذي اكتسب في بعض الأحيان سمعة سيئة بممارسة أعمال سلب واختطاف في أعزاز. وانضم آخرون إلى «داعش» لأنهم منذ البداية يؤيدون أهدافها – في إقامة دولة خلافة إسلامية تحكمها الشريعة الإسلامية – ولكنهم أبعدوا أنفسهم عندما تزايدت وحشية أساليبها. أيا كانت أسباب الانشقاق، وبغض النظر عن حجم الندم الذي قد ينتاب بعض الرجال الآن، إلا أن هناك غضبا واضحا تجاههم في أعزاز.

يقول فارس: «أشعر بغضب شديد تجاه أهل أعزاز الذين انضموا إلى داعش، إنهم يقتلون أشقائهم. وسوف يذهبون إلى الجحيم».