عودة سفير الأردن إلى عمان.. والمتطرف الليبي «حر» في طرابلس

ناصر جودة: لم تكن هناك صفقة.. والإفراج عن الدرسي «لا يعنينا»

السفير الأردني فواز العطيان يلوح لمستقبليه لدى وصوله إلى مطار ماركا الحربي في عمان أمس (أ.ب)
TT

أكد وزير الخارجية الأردني ناصر جودة أن بلاده كانت تسير على مسارين متوازيين لحل أزمة اختطاف سفير الأردن لدى ليبيا، فواز العطيان، الذي اختطف قبل بضعة أسابيع في العاصمة الليبية طرابلس، موضحا أن المعلومات حول إفراج السلطات الليبية عن المعتقل الليبي محمد الدرسي «أمر لا يعنينا».

كما نفى جودة وجود وساطات من دول أخرى لإتمام العملية، بينما تحدثت أمس مصادر ليبية عن أن قطر لعبت دورا رئيسا في الاتصال بقادة ميلشيات مسلحة ليبية، لإقناعهم بالتوصل إلى صفقة لإطلاق سراح السفير، مقابل متطرف ليبي يدعى محمد الدرسي الشهير بـ«النص» الذي كان مسجونا في الأردن بتهمة التورط في أعمال إرهابية.

وأوضحت المصادر، التي طلبت حجب هويتها، لـ«الشرق الأوسط» أن السفير الأردني كان نقل فور اختطافه من العاصمة طرابلس إلى مدينة الزاوية المجاورة، وهي أيضا مسقط رأس أبو عبيدة، قائد ما يسمى بـ«غرفة عمليات ثوار ليبيا»، الذي اضطرت السلطات المصرية إلى إطلاق سراحه بعد توقيفه في مدينة الإسكندرية مقابل الإفراج عن خمسة من أعضاء بعثتها الدبلوماسية في طرابلس قبل بضعة شهور.

وأشارت المصادر الليبية إلى أن قطر بحكم علاقاتها واتصالاتها القديمة مع قادة الميلشيات المسلحة في ليبيا منذ مشاركتها في الانتفاضة الشعبية ضد حكم العقيد الراحل معمر القذافي، أجرت اتصالات مكثفة مع قادة غرفة ثوار عمليات ليبيا بقيادة أبو عبيدة، والتي تضم أيضا وسام بن حميد قائد ما يسمى بقوات درع ليبيا في مدينة بنغازي بشرق ليبيا.

وقال مسؤول ليبي لـ«الشرق الأوسط»، طالبا حجب هويته: «بالقطع ثمة دور قطري من خلف الأبواب»، مشيرا إلى أن الصفقة جرت بمعرفة الحكومة الانتقالية في ليبيا برئاسة عبد الله الثني، التي أقرت في 8 مايو (أيار) الحالي اتفاقا لتبادل معتقلين مع الأردن، وذلك بعد ثلاثة أسابيع على خطف العيطان، الذي طلب خاطفوه لقاء الإفراج عنه إطلاق سراح الدرسي المعتقل في الأردن.

وقالت الحكومة الانتقالية الليبية في بيان مقتضب أصدرته مساء أمس إنها تشكر الأردن حكومة وشعبا وملكا على تعاونه في معالجة هذه القضية بكل حكمة وروية وتفهمهم العالي للظروف التي تمر بها ليبيا. وفي محاولة لطمأنة البعثات الدبلوماسية العربية والأجنبية المعتمدة في طرابلس من تكرار عمليات الخطف، قالت الحكومة إنها «تود طمأنة كل البعثات الدبلوماسية بأنها حريصة على توفير الأمن لهم ولن تدخر جهدا في سبيل ذلك».

ورفض الناطق باسم وزارة الخارجية الليبية سعيد الأسود التعليق على صحة الدور القطري في هذه الصفقة، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه لا يستطيع التكلم بأي شكل من الأشكال حول القضية برمتها. واكتفت وزارة الخارجية الليبية بإصدار بيان رسمي مقتضب صباح أمس، أعلنت فيه عن إطلاق سراح السفير العيطان ووصوله إلى بلاده الأردن بحالة جيدة، مؤكدة في المقابل على عمق العلاقة بين البلدين الشقيقين.

وقالت مصادر ليبية غير رسمية إن أعضاء في المؤتمر الوطني العام (البرلمان) يمثلون التيار الإسلامي، التقوا الدرسي فور عودته إلى ليبيا، مشيرة إلى أنهم لعبوا أيضا دورا في إبرام هذه الصفقة.

وطبقا لما أعلنه ناصر جودة، وزير الخارجية الأردني، فإن التفاوض مع خاطفي السفير العيطان في ليبيا جرى من خلال مسؤول مكلف من قبل الحكومة الليبية بمتابعة الملف، وإن دائرة المخابرات العامة الأردنية قامت بدور التفاوض، إضافة إلى الدور الأمني الذي تقوم به. وأوضح أن محمد عبد العزيز، وزير الخارجية الليبي، كلف سفير ليبيا لدى الهند علي العيساوي، للاتصال والتنسيق في عملية التفاوض، مشيرا إلى أن العيساوي ومجموعة من الشخصيات الليبية قدموا مع السفير العيطان على متن الطائرة التي أقلته من ليبيا.

ونفى جودة أن تكون عملية الإفراج عن سفير بلاده قد جرت في إطار أية صفقة أو عملية تبادل. وقال جودة خلال مؤتمر صحافي إنه كان هناك مساران متوازيان لحل أزمة اختطاف السفير، تمثل الأول في تسريع وتيرة تسليم المحكوم الليبي محمد الدرسي، بعد توقيع مذكرة تفاهم مع السلطات الليبية في إطار اتفاقية الرياض الخاصة بالسجناء، وأن المسار الثاني تمثل في تسريع وتيرة إطلاق سراح السفير، وضمان عودته سالما إلى بلاده. وأوضح أنه كان هناك في الأصل، ومنذ أشهر، مسار للوصول إلى صيغة في شكل مذكرة تفاهم لتسليم الدرسي لبلاده ليكمل محكوميته هناك، وأنه في أثناء هذا المسار حدثت عملية اختطاف السفير العيطان، مما ساهم في تسريع وتيرة السير في المسارين معا.

وأشار جودة إلى أن عملية تسليم الدرسي لبلاده جرت أول من أمس بقرار سيادي للأردن، نافيا أن تكون بعض الدول قامت بوساطة بين الخاطفين والسلطات الأردنية، وأن جهود المؤسسات الرسمية الأردنية، وفي مقدمتها جهاز المخابرات العامة ووزارة الخارجية، وبمساعدة من بعض الأشخاص الليبيين، تكللت بالإفراج عن السفير العيطان.

وردا على سؤال حول خشية الأردن من تكرار سيناريوهات الاختطاف في دول أخرى تشهد اضطرابات، أجاب جودة أن «السفراء يقومون برسالة.. ونحن لسنا أول دولة تواجه خطر الاختطاف، ونأخذ احتياطاتنا الأمنية. وما حدث نأخذه استثناء، وليس أساسا». كما رد جودة على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول معلومات عن إفراج السلطات الليبية عن الدرسي، قائلا: «هذا الأمر لا يعنينا».

ونقل صحافيون محليون عن أحمد الدرسي، شقيق الليبي المفرج عنه، أمس قوله: «شقيقي طليق حر، ولن يقضي باقي عقوبته في السجون»، نافيا ما تردد سابقا عن قيام السلطات الليبية بوضع شقيقه في أحد السجون لاستكمال مدة عقوبته وفقا للاتفاق الذي أتم إبرامه مع الجانب الأردني. وأشار إلى أن إطلاق سراح شقيقه كان بفضل ما وصفه بـ«الضغط الذي مثلته عملية اختطاف السفير الأردني في طرابلس».

ولم يرد المستشار صلاح الميرغني وزير العدل الليبي، ولا أحمد الأمين الناطق باسم الحكومة الليبية، على محاولات للحصول منهما على تعليق رسمي في هذا الصدد. لكن مصادر محلية في بنغازي قالت في المقابل لـ«الشرق الأوسط» إن السلطات الليبية حذرت عائلة الدرسي من إقامة أي احتفال بعودته إلى مسقط رأسه، نظرا لما وصفته بـ«حساسية الوضع»، وتجنبا لإثارة غضب السلطات الأردنية وحفيظة المجتمع المحلي.

وتسكن عائلة الدرسي بحسب نفس المصادر في المنطقة المعروفة باسم الليثي القديم، وهي الجزء الأكثر فقرا، والذي يوجد به مسجد الأوزاعي المركز الرئيس لتجمع المتشددين والمتطرفين الإسلاميين في بنغازي. من جانبه، قال السفير الأردني فواز العيطان، إنه لم يتلقَّ أي تهديدات في وقت سابق لاختطافه، مضيفا في تصريحات لشبكة «سي إن إن» الأميركية: «الحقيقة عملية الاختطاف كانت مفاجئة. ولو كنا تلقينا تهديدات لاتخذنا تدابير أخرى.. لكن ثقتنا كانت كبيرة جدا بالقيادة الأردنية، ومواقف قيادتنا الحكيمة التي اعتدنا عليها، والتي امتدت مع ليبيا وغيرها من الدول».

وكشف النقاب عن التقائه مع السجين الليبي الدرسي، قائلا: «التقيته ربما لدقيقة في طرابلس، بعد وصوله بطائرة خاصة. وسلمت عليه حسب الاتفاق بين الجانبين، وحسب ما هو متفق بين كل الأطراف، وأعتقد أن القضية إنسانية، وبالفعل تعانقنا وتمنينا له كل الخير بغض النظر إن كان مخطئا أو مصيبا، الأمور بخواتيمها».

ووصل العيطان على متن طائرة أردنية إلى مطار ماركا في عمان، حيث كان في مقدمة مستقبليه نائب الملك الأمير فيصل بن الحسين وكبار المسؤولين الأردنيين وأفراد عائلته. وقال العيطان، الذي كان يرتدي بدلة كحلية وقميصا أزرق فاتح اللون وبدا عليه التعب، للصحافيين: «لقد عاملوني (يقصد الخاطفين) بطريقة حضارية وإنسانية». وحول هوية الخاطفين، اكتفى العيطان بالقول: «إنهم من قبل عائلة الدرسي». وأضاف: «ليس لدينا أي ثأر (في ليبيا)، وهم ليس لديهم أي ثأر عندنا».

وحول إمكانية عودته لممارسة مهام عمله في ليبيا، قال: «لِم لا؟ ولكن ستكون الأمور مختلفة»، مشيرا إلى أن «الأوضاع لا تسر كثيرا في ليبيا».

وخطف العيطان في منتصف الشهر الماضي في وسط طرابلس من خلال سيارتين من دون لوحات يقودهما مجهولون ملثمون، هاجموا السفير وسائقه، واختطفوا السفير واقتادوه إلى جهة غير معروفة. وأصيب سائق السفير جراء الهجوم برصاصتين. وهو ثاني هجوم يتعرض له دبلوماسيون وأجانب في هذا البلد الذي يعاني من انعدام الأمن منذ سقوط نظام القذافي في 2011.

والدرسي كان محكوما في الأردن منذ عام 2007 بالسجن المؤبد بتهمتي «القيام بأعمال إرهابية» و«حيازة مواد مفرقعة بقصد استعمالها على وجه غير مشروع»، بعد أن اتهم بمحاولة وضع متفجرات في قاعة استقبال في مطار الملكة علياء الدولي (30 كلم جنوب عمان).

ومنذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011، تستهدف البعثات الدبلوماسية باستمرار بهجمات أو عمليات خطف، حيث خطف مسلحون مطلع العام الحالي خمسة دبلوماسيين مصريين وأفرج عنهم بعد يومين. كما خطف موظف في السفارة التونسية في طرابلس قبل نحو شهرين. وأفادت مصادر دبلوماسية في طرابلس بأن عمليات الخطف غالبا ما ترتكبها ميليشيات تحاول من خلال ذلك التوصل إلى الإفراج عن ليبيين معتقلين في الخارج.

في غضون ذلك، أعربت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا عن قلقها البالغ من استمرار أعمال العنف في أنحاء متفرقة من البلاد، والتي تستهدف بشكل أساسي العاملين في الأجهزة الأمنية المختلفة والهادفة إلى زعزعة الجهود المبذولة لبناء مؤسسات الدولة الأمنية وضرب السلم الأهلي في البلاد. وأدانت البعثة في بيان لها أمس ما وصفته بالاعتداء الغاشم على أفراد من الشرطة القضائية في ضواحي العاصمة طرابلس والاغتيالات المستمرة والاعتداءات المتكررة ضد عناصر الجيش والشرطة في بنغازي، وكذلك الاعتداءات المسلحة على المتظاهرين. ودعت البعثة السلطات الرسمية الليبية لاتخاذ موقف حازم وفوري ضد مرتكبي هذه الجرائم، ووضع حد للانفلات الأمني بما يتماشى مع مبادئ القانون وإرساء دولة المؤسسات.