سوريون في مناطق خاضعة للنظام يعدون الانتخابات «محنة».. ويخشون عواقب المقاطعة

بعضهم ينوي الاقتراع بـ«ورقة بيضاء»

سوريتان تسيران قرب ملصق انتخابي في دمشق يروج للرئيس السوري بشار الأسد الذي أطلق حملته تحت شعار «سوا» (أ.ف.ب)
TT

بنظرات متحسرة تنظر أم محمد إلى موكب سيارات مؤيدي النظام السوري وهو يمر مطلقا أغاني تمجد الرئيس السوري بشار الأسد. وتقول: «نيال بشار شو همه، ليته عاش معنا يوما واحدا فقط ليعرف ما فعل بنا».

ثم تتوقف عن الكلام ليحكي وجهها المرهق قصة مأساتها، والتي إن قيست بغيرها من مآسٍ، حلت بأقاربها وجيرانها تكون الأفضل وتحمد الله على ما هي فيه. أم محمد لم يتجاوز عمرها العقد الرابع، لكنها تبدو وكأنها في شيخوختها جراء الأمراض التي أصيبت بها أثناء الحصار، فهي أرملة ولديها ثلاث بنات وولدان مراهقان. وحوصرت في الغوطة مع أسرتها لأكثر من سبعة أشهر من قبل القوات النظامية، حتى خرجت من المنطقة بعد التوصل إلى تسوية بين قوات النظام والمعارضة.

تقول أم محمد: «أكلنا في أول شهر برغل وعدسا، وخلال الأشهر الستة اللاحقة كنا نبحث عن بقايا الطعام بين النفايات، وآخر شهر لم يبق لنا سوى الملح والبهارات». وعندما تمكنت من الخروج إلى دمشق مع بناتها فقط بقي نجليها في الداخل المحاصر، وهي الآن تتأسف لأنها خرجت.. «فالجوع أرحم من ذل التشرد، بل أرحم من هؤلاء الذين يغنون في الشوارع من أجل انتخابات بشار».

فهل تشارك أم محمد في الانتخابات؟ تتجمد عيناها ولا تملك إجابة لهذا السؤال، لتستدرك بعد تفكير: «لا أعرف، عندما خرجنا من الحصار كنت مع مجموعة نسوة، وأجبرونا عند الحاجز الأمني أن نهتف لبشار فهتفنا، وإذا أجبرت على انتخابه سأنتخبه إذا كان المقابل أن أعود وأسرتي إلى بيتي».

وارتفعت في شوارع دمشق لافتات عملاقة تعلن «مبايعة» الأسد في الانتخابات المقررة في الثالث من يونيو (حزيران) المقبل، بالإضافة إلى لافتات «خجولة» للمرشحين الآخرين حسان النوري وماهر الحجار.

ويقول الحاج خالد (70 عاما): «لن أشارك في هذه التمثيلية السخيفة. لم يعد لدي ما أخسره، فأولادي وعائلاتهم تشردوا داخل البلد وخارجه. بيتي تهدم في حمص وورشة العمل نهبت وأحرقت وزوجتي قتلت ولم يبق لدي شيء، فلماذا أشترك بتمثيلية مفضوحة؟». وأضاف: «هم يكذبون على العالم، وأنا لا أريد أن أكذب على نفسي».

إلا أن الحاج خالد، وهو اسم مستعار، لا يصرح بهذا الرأي إلا أمام أشخاص موثوقين، ويكتفي بالتمني: «الله يخلص هالبلد من محنتها».

أما رانيا، جارته الطالبة الجامعية، فهي وزملاؤها لا يريدون الاشتراك في «المهزلة»، لكنهم يتخوفون بشكل جدي من تبعات مقاطعة الانتخابات التي يعدونها «محنة».

وتقول الشابة رانيا: «استشهد اثنان من أشقائي واعتقل الثالث وتشردت عائلتي. لن أنتخب الأسد أو أي مرشح هزيل من أعوانه، لكني لا أنكر أني خائفة في حال لم أشارك مما قد ألقاه. إذا اضطررت فربما أشارك بورقة بيضاء».

زميلتها سها تحضها على المشاركة لأن برأيها، أن «المقاطعة قد تجر تبعات سيئة، لكن مشاركتها لن تغير أي شيء في نتائج الانتخابات المحسومة سلفا لصالح الأسد، لذا فمن الأفضل اختيار السلامة الشخصية».

في المقابل تتحدث هالة. م (موظفة حكومية) عن الانتخابات الرئاسية بوصفها «انتصارا» ساحقا على «الإرهابيين». وتؤكد أنها ستشارك هي أولادها وجاراتها وزميلاتها في العمل، لأن سوريا برأيها «تستحق رجلا مثل الرئيس الأسد يحميها ويدافع عنها».

وعن رأيها بالمرشحين الآخرين تجيب ساخرة: «من؟ وهل هناك مرشحون آخرون غير الدكتور بشار». وتتابع: «لا بأس بأن يرشح آخرون أنفسهم للرئاسة، لكن لا أحد يعرف عنهم شيئا». ويتفق بدوان. ن مع زوجته هالة في كل ما تقول، لكنه يبدو أقل حماسا وأكثر منطقية، إذ يسأل بداية: «هل هناك خيار آخر؟ مبايعة الأسد تعني أن الوضع باق على ما هو عليه أو على الأقل لن يذهب إلى الأسوأ».

ويبث التلفزيون الرسمي السوري تغطية خاصة بالانتخابات تتضمن لقاءات مع موظفين حكوميين ومواطنين في الشارع. وأمس توجه بالسؤال إلى مواطنين عاديين: «ماذا تريد من المرشح الرئاسي؟». وجاءت مجمل الإجابات بأنها «تريد رئيسا قويا يضرب الإرهاب والفساد بيد من حديد». وهناك من قال إنه يريد رئيسا ينظر في الوضع المعيشي ويرفع رواتب الموظفين أو يخفض الأسعار، وإن تعود الليرة إلى ما كانت عليه، أما أغرب إجابة فكانت من أحد الموظفين بأن «الانتخابات ركيزة أساسية للحياة الديمقراطية وإنعاش السياحة».