أوكرانيا تتحدث عن خسارة 100 مليار دولار جراء فقدانها القرم

انطلاق «الحوار الوطني».. وكييف ترفض «ابتزاز» مناصري موسكو

الرئيس الأوكراني بالوكالة ألكسندر تورتشينوف (وسط) يتحدث في افتتاح «الحوار الوطني» في كييف أمس (أ.ف.ب)
TT

قال الرئيس الأوكراني المؤقت ألكسندر تورتشينوف لدى حضوره لقاء يهدف إلى خفض تصعيد الأزمة في بلاده، أمس، إن كييف «مستعدة للاستماع» إلى الناطقين بالروسية في الشرق، لكنها لن تخضع لـ«ابتزاز» المتمردين المسلحين الذين «يمثلون إرادة» روسيا. وقال: «نحن على استعداد للاستماع إلى أهل الشرق، لكن يجب عدم إطلاق النار والنهب واحتلال المباني الإدارية، والذين يحملون السلاح ويخوضون حربا على بلادهم ويمثلون علينا إرادة بلد مجاور سيحاسبون أمام القانون. نحن لن نخضع للابتزاز».

وقال تورتشينوف أيضا، إن الخسارة التي تكبدتها بلاده بسبب انضمام جمهورية القرم إلى الاتحاد الروسي في مارس (آذار) الماضي بعد استفتاء مثير للجدل، كلف كييف مائة مليار دولار. وقال إن «احتلال القرم تسبب في خسائر فاقت مائة مليار دولار»، مشيرا إلى «دمار البنى التحتية واحتلال شركات». وتضم جمهورية القرم بالخصوص احتياطي من الغاز. وأضاف تورتشينوف، أن «العدوان الروسي لم يتوقف» عند القرم، بل يمتد في الشرق. وتابع الرئيس الأوكراني بالوكالة: «الوضع متفجر في منطقتي دونيتسك ولوغانسك»، حيث أعلن الانفصاليون الاستقلال إثر استفتاء الأحد الماضي.

وجاءت تصريحات تورتشينوف خلال ندوة «حوار وطني» افتتحتها الحكومة بتشجيع من الغرب، لكن من دون مشاركة الانفصاليين، أملا في رسم رؤى لحل الأزمة التي تتخبط فيها البلاد، وآخرها التهديد الانفصالي في مناطق الشرق وما رافقه من حركة تمرد مسلحة موالية لروسيا وأعمال عنف دموية.

وإضافة إلى الرئيس المؤقت ورئيس الوزراء أرسيني ياتسينيوك، شارك في الندوة برلمانيون وقادة ومرشحون سابقون للانتخابات الرئاسية المقررة في 25 مايو (أيار) الحالي. وجاء هذا اللقاء غداة مقتل سبعة جنود أوكرانيين في كمين بالقرب من بلدة أوكتيابرسكي الواقعة بين مدينتي سلافيانسك وكراماتورسك (منطقة دونيتسك) المتمردتين شرق البلاد، في حادث يفسر سعي أوروبا الحثيث للدفع باتجاه وقف التصعيد على أبوابها. ولم يدع المتمردون الانفصاليون الذين سيطروا على أكثر من عشر مدن في الشرق منذ أبريل (نيسان) الماضي إلى هذا الحوار على الرغم من دعوات موسكو المتكررة في هذا الاتجاه.

وقال ناطق باسم وزارة الخارجية الأوكرانية، إن «القيادة الأوكرانية منفتحة على حوار شامل للوحدة الوطنية»، لكن سيرغي سوبوليف المسؤول البرلماني في حزب يوليا تيموشنكو المرشحة للاقتراع الرئاسي، قال: «بالتأكيد أشخاص مثل (بافلو) غوباريف (الذي أعلن نفسه حاكما لدونيتسك) ليسوا مدعوين للمشاركة في طاولات مستديرة، يجب أولا أن يوقفوا القتال ويخلوا المباني التي يحتلونها».

من جهتها، رأت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أول من أمس، أن «الموائد المستديرة» يجب أن تكون واسعة وتمثيلية قدر الإمكان، لكن العنف لا مكان له عليها. وأضافت: «أعتقد أن إمكانية عقد موائد مستديرة تشكل مناسبة جيدة لمحاولة التوصل إلى تسوية للوضع». أما وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير، فقال خلال زيارة إلى كييف ثم إلى أوديسا (جنوب): «بالتأكيد هذه ليست سوى بداية». واعترف شتاينماير الذي زار كييف ثلاث مرات حتى الآن بأن الجهود الدبلوماسية «تبقى صعبة». وقال: «لا أحد مستعدا لبدء حوار، والبعض يصر على العنف».

ويسعى الأوروبيون ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا منذ أيام إلى الدفع باتجاه الحوار بين الأوكرانيين، لكنّ بدءه يبدو أصعب مما كان متوقعا بعد مقتل العسكريين بالقرب من كراماتورسك. وقالت وزارة الدفاع الأوكرانية، إن ستة جنود أوكرانيين قتلوا وأصيب ثمانية آخرون في الكمين الذي نصبه متمردون موالون لروسيا في شرق البلاد. وأضافت أن المتمردين أطلقوا النيران من أسلحة ثقيلة من بينها قذائف صاروخية، مما دفع الجنود إلى الرد، مما أدى إلى «اشتباكات طويلة» قتل خلالها ستة جنود وأصيب ثمانية آخرون بجروح إصابة أحدهم خطرة.

من جانبها، رأت موسكو أن شروط «الحوار» لم تجتمع. وبعدما أكدت الضرورة القصوى لخارطة الطريق التي وضعتها منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، طالبت موسكو مجددا بوقف العملية العسكرية الحالية في شرق البلاد. وقالت وزارة الخارجية الروسية: «نطالب بأن توقف كييف فورا حملتها العسكرية وتقوم بسحب قواتها». كذلك، صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس بأن أوكرانيا على شفا حرب أهلية مما يجعل من الصعب إجراء انتخابات حرة ونزيهة في ذلك البلد في وقت لاحق من هذا الشهر. وقال لافروف في مقابلة مع تلفزيون «بلومبرغ»: «عندما يقتل أوكرانيون أوكرانيين أعتقد أننا نكون أقرب إلى حرب أهلية من أي وقت مضى. في شرق أوكرانيا وجنوبها تدور حرب بالفعل، حرب حقيقية. إذا كان بالإمكان إجراء انتخابات حرة ونزيهة في هذه الأجواء، فأنا لا أعرف إذن ما الانتخابات الحرة والنزيهة».

وتجري المعارك بين المتمردين الموالين لروسيا والجنود الأوكرانيين كل ليلة تقريبا في منطقة سلافيانسك معقل المتمردين. ودعا رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك أول من أمس إلى «تعبئة كل الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي في مواجهة خطر أو التهديد بسقوط الدولة الأوكرانية أو على الأقل تقسيم مؤلم جدا». وخطت أوكرانيا يوم الأحد الماضي خطوة جديدة نحو التقسيم مع تنظيم منطقتين شماليتين استفتاء حول الاستقلال نددت به كييف والغربيون بعده «غير قانوني». ومثلما كان متوقعا، أعلن الانفصاليون الذي نظموا الاستفتاءين عن تأييد شعبي كاسح للاستقلال عن كييف بلغ 90 في المائة. وبعد أقل من 24 ساعة أعلنوا «سيادة» المنطقتين اللتين أطلقوا عليهما اسمي جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك ووضعوا أنفسهم تحت حماية موسكو، مثلما سبق أن فعلت شبه جزيرة القرم في مارس الماضي.

وبدورها، طلبت «جمهورية دونيتسك الشعبية» من روسيا «النظر في ضمها من أجل إحلال العدالة التاريخية»، بحسب إعلان رسمي تلاه أحد القادة الانفصاليين في دونيتسك دينيس بوشيلين يوم الاثنين الماضي.

من جهة أخرى، هددت روسيا بقطع إمداداتها من الغاز لأوكرانيا اعتبارا من 3 يونيو (حزيران) المقبل إذا لم تعمد كييف قبل ذلك إلى تسديد فواتيرها مسبقا. وقال رئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف: «لديهم ما يكفي من الأموال لذلك». ورد ياتسينيوك بدوره بتهديد روسيا بملاحقتها في القضاء ما لم تخفض أسعارها للغاز واتهمها بسرقة ثروات الغاز بضمها القرم.