أفقر منطقة في أوروبا ازدادت تدهورا رغم المال الأوروبي

الشبان هاجروا.. ووحدهم المتقاعدون بقوا في بلدة راسوفو منذ انضمام بلغلريا إلى الاتحاد

امرأة تنظر إلى إشعارات النعي على جدار مكتب حكومي سابق في راسوفو (شمال صوفيا) التي تعد أفقر منطقة في أوروبا (أ.ف.ب)
TT

في راسوفو الواقعة بمنطقة فقيرة جدا شمال غربي بلغاريا، ارتدت الكنيسة ناصعة البياض والساحة حلة جديدة بعد إعادة تبليطها بفضل أموال أوروبية، لكن رغم كل أعمال التجديد اشتد الشعور بالإهمال في المدينة. فأعمال التحديث التي جرت منذ انضمام البلاد إلى الاتحاد الأوروبي عام 2007 لم يكن من شأنها سوى زيادة الشعور بإهمال المدينة التي تخلو شوارعها عموما من المارة وتتجاور مبانيها المرممة مع منازل لفها الخراب.

ولفتت روزا إيفانوفا، (78 سنة)، المهندسة الزراعية المتقاعدة التي تقيم ابنتاها بصوفيا، إلى أن «كل شيء جرى تجديده بالمال الأوروبي: الساحة والحديقة العامة والمكتبة كما بني نظام للصرف الصحي، لكن الناس لم يعودوا هنا». كما ارتدت المدارس بدورها حلة جديدة، إلا أن بعضها أقفل لعدم وجود تلاميذ.

كانت بالمدينة نحو أربعة آلاف نسمة في الحقبة الشيوعية، يعملون في تعاونيات زراعية وفي الصناعة، لكن عددهم الآن لم يعد يتجاوز الألف، معظمهم من المتقاعدين الذين يعيشون من قطعة أرضهم أو عاطلين عن العمل، حسبما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية في تقرير لها حول الموضوع. وقال ستويان نايدينوف، (62 سنة)، وهو سائق متقاعد: «لم يعد هناك أي وظيفة للشبان. أولادي رحلوا، وبقيت وحيدا مع عنزاتي الثلاث هنا؛ إما نرحل وإما نموت».

وأشار الخبير الاقتصادي من معهد اقتصاد السوق في صوفيا يافور ألكسييف إلى حالة التدهور التي أصابت هذه المنطقة المتاخمة لرومانيا وصربيا والأكثر فقرا في الاتحاد الأوروبي منذ عام 2007. وقال: «إن بعض المؤشرات السلبية تفاقمت مثل انخفاض عدد السكان» وشيخوختهم، لا سيما بسبب الهجرة داخل الاتحاد الأوروبي.

وفي فيدين إحدى كبريات مدن المنطقة، تتجاوز أعمار 27 في المائة من السكان الـ65 سنة ونسبة الوفيات تبلغ 21 في الألف وهو مستوى قياسي تتقاسمه مع مدينة مونتانا الواقعة جنوبا. وقال جيفكو يوردانوف، (64 سنة)، وهو متقاعد كان يعمل في سكك الحديد بمدينة بروسارتسي الصغيرة، بلهجة لا تخلو من السخرية: «إن المصانع لم تعد موجودة. هنا الأحداث الرئيسة تقتصر على الجنازات».

وفي فيدين وفراتسا ومونتانا، تراوحت نسبة البطالة بين 20 و22 في المائة خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2013؛ أي ضعف المعدل الوسطي البلغاري. أما الاستثمارات، فحسنت البيئة والبنى التحتية، «لكن لم يكن لها أي وقع حقيقي على مستوى معيشة الناس» كما أوضح ألكسييف، مشيرا إلى نقص التفكير في استخدام الأموال الأوروبية.

والعام الماضي، أثار إنجاز بناء جسر على نهر الدانوب بهدف إعادة إحياء النشاط الاقتصادي نفحة من الأمل. لكن الكثير من السائقين ممن سلكوه لم يكرروا ذلك، لأن الجسر ينفذ إلى طرق غارقة في الخراب والإهمال. ويفضل السائقون العبور شرقا رغم الانتظار ساعات في المرفأ قبل الصعود إلى عبارات.

وفي هذا البلد الذي يواجه انتقادات بروكسل منذ زمن طويل لعجزه في محاربة الفساد وعدم فعالية قضائه، يجري في الغالب «اختلاس» المال الأوروبي، بحسب قول الخبير الاقتصادي. وتشير الأرقام الرسمية إلى أن أكثر من 80 في المائة من المساعدات الأوروبية توزع على ستة في المائة من المشاريع الكبرى.

والبلغار، على غرار جيرانهم الرومانيين أو مواطني دول أخرى في أوروبا الشرقية، موالون بغالبيتهم لأوروبا، لكنهم يؤكدون خيبة أملهم من بطء التقدم. وفساد نخبهم يدفعهم إلى وضع ثقتهم في الاتحاد الأوروبي أكثر من مؤسساتهم الوطنية. ويشير استطلاع للرأي، أجرته مؤسسة سوفا هاريس قبل الانتخابات الأوروبية المرتقبة في 25 مايو (أيار) الحالي، إلى أن 43.8 في المائة من الأشخاص المستطلعين، المقدر عددهم بنحو ألف، عبروا عن رأي إيجابي تجاه البرلمان الأوروبي، مقابل 31 في المائة فقط بحكومتهم.