البغداديون يتهمون حكام البلاد بتخريب مدينتهم

الإهمال يحول العاصمة العراقية إلى مجموعة قرى متخلفة

شاب عراقي يدفع عربته وسط خراب شارع الرشيد أول شوارع بغداد («الشرق الأوسط»)
TT

لا تبقى في ذاكرة من يزور بغداد إلا صور الخراب، خراب الأبنية والشوارع والمعالم الحضارية التاريخية ولا يجد أي بارقة أمل في بناء جديد أو إعمار لصرح بات يتهدم تدريجيا دون أن تهتم المؤسسات المعنية، وفي مقدمتها أمانة بغداد، للحفاظ على مدينة كانت إلى ما قبل عقدين من الزمان حاضرة تتصدر واجهة خارطة المدن الحضارية العريقة.

ويتهم معماريون وناشطون مدنيون وبغداديون الحكومة العراقية والكتل السياسية التي «لم تهتم بإعمار عاصمة العراق بقدر اهتمامهم بسرقة الأموال وترك معالم بغداد تتهدم»، على حد قول الناشطة المدنية المهندسة المدنية مريم سلمان التي أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن «الفشل الذي يعانيه السياسيون في العراق وحروبهم فيما بينهم ضيعت معالم المدينة التي كان يجب أن تبقى أو تتطور باعتبارها تشكل مدرسة بارزة في تخطيط المدن وأسلوب العمارة الذي تتميز به»، مشيرة إلى أن «معماريين مهمين قاموا بتأسيس مدرسة بغداد المعمارية من خلال إنجازاتهم الإبداعية، أمثال قحطان المدفعي ومحمد مكية وقحطان عوني ورفعت الجادرجي وهشام منير وعدنان أسود، لكن ما جرى إنجازه في ثلاثينات وأربعينات وخمسينات وسبعينات القرن الماضي تعرض للخراب تماما».

ندخل شارع الرشيد، أول شوارع بغداد حيث جرى شقه عام 1910 وافتتح رسميا في يوليو (تموز) 1916، هناك يتجسد الخراب بأكثر صوره تشويها وتهديما، كما في منطقة البتاويين في الباب الشرقي، لا نتعرف في شارع الرشيد على أهم معالمه، لم تتبق أي مقاه أو مكتبات أو دور عرض سينمائي أو صالات للعرض التشكيلي، حتى محلاته السكنية مثل عقد النصارى والمعمار وعقد اليهود غابت وتشوهت معالمها.

تقول مريم: «إن ترك بغداد للخراب أو العمل على تهديم معالمها أمر يبدو مقصودا كون هذه المدينة تشكل عقدة حضارية بالنسبة للمتريفين الذين جاءوا من بلدات ريفية متخلفة ليحكموا واحدة من أبرز المدن الحضارية في العراق والمنطقة»، مشيرة إلى أن «التخريب حدث بشتى الحجج، منها طائفية وأخرى لجهل القائمين على حكم بغداد، وأعني مجلس محافظتها أو محافظها أو أمينها الذي وصف في لقاء تلفزيوني مدينة دبي بأنها عبارة عن (زرق ورق) وقال بأن الخدمات البلدية المقدمة ببغداد أفضل من خدمات بلدية نيويورك».

وكشف هذه المهندسة المدنية عن أن «بغداد التي قام على تخطيطها مهندسون عالميون وعراقيون فقدت اليوم هويتها كمدينة منظمة ومخطط لها وفق أساليب حديثة بسبب إهمال الحكومات المتعاقبة منذ سقوط النظام السابق في 2003 وجرى إهمال كل التوصيات والدراسات التي أجريت من أجل إنقاذ المخطط الحضري للمدينة».

ويبدي المعماري العراقي أنس زهير أسفه «لما يجري للعاصمة العراقية من إهمال متعمد رغم هدر مليارات الدولارات وسرقتها من دون إعمار أي جزء من مدينة بغداد»، مشيرا إلى أن «مجلس محافظة بغداد يخلو من أي اسم من البغداديين الأصليين، بل إن أمينها هو ليس من أبناء العوائل البغدادية التي دائما تبدي أسفها لما حل بمدينتهم ومدينتنا».

وأشار زهير إلى أن «السياسيين خربوا بغداد عن طريق عدم الوقوف بوجه العشوائيات التي انتشرت بعد 2003»، منبها إلى أن «رئيس الحكومة نوري المالكي وزع آلاف قطع الأراضي السكنية والعشوائيات لعراقيين قدموا من الأرياف بعد تغيير النظام السابق من أجل شراء أصواتهم ومن دون العودة إلى المخطط الحضري للمدينة أو خرائط أمانة بغداد، وهذا سيضع عقبات كبيرة من الصعب إزالتها مستقبلا أمام أي خطط لتطوير المدينة».

يعلق سائق سيارة الأجرة الذي تجاوز عمره الستين عندما أقلني وسط شارع السعدون وسط العاصمة العراقية، الشارع الذي كان يوصف بأنه «شانزليزيه» العراق، وأنا ألتقط صورا للخراب الذي لحق بأبنية الشارع، قائلا: «هل يمكن أن يكون هذا شارع السعدون الراقي الذي كنا نشعر بالسعادة عندما نمر به؟ إنه شارع خرب اليوم»، مستطردا: «إن كل ما فعلته حكومات العراق الجديد هو تحويل بغداد من مدينة راقية إلى مجموعة قرى خربة ومتخلفة».