قمة باريس تقرر «حربا شاملة» على «بوكو حرام»

هولاند: سلاح الجماعة من ليبيا.. ولدينا القدرة العسكرية على التدخل إذا دعت الحاجة

هولاند (يمين) يتحدث خلال القمة التي التأمت في الإليزيه وخصصت لموضوع الأمن في نيجيريا أمس (أ.ف.ب)
TT

أربع نتائج رئيسة أسفرت عنها «قمة باريس للأمن في نيجيريا» التي التأمت في قصر الإليزيه أمس بدعوة من الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند وبحضور نظرائه رؤساء دول نيجيريا وجوارها (تشاد والنيجر والكاميرون وبنين)، إضافة إلى وزير خارجية بريطانيا ومساعدة وزير خارجية الولايات المتحدة وممثل عن الاتحاد الأوروبي ولكن في غياب ممثل عن الاتحاد الأفريقي.

وتتمثل النتيجة الأولى بالتوصل إلى قرار أفريقي عالمي بمواجهة جماعة «بوكو حرام»، التي خطفت 270 فتاة نيجيرية من مدارسهن قبل شهر، وهددت ببيعهن أو تزويجهن أو استعبادهن، ولاحقا عرضت مبادلتهن بأعضاء لها محتجزين في نيجيريا. وقال هولاند في المؤتمر الصحافي الذي أعقب انتهاء القمة إن المواجهة ستكون «شاملة». وأكد الرئيس الفرنسي وكذلك فعل الرؤساء الآخرون، أن المجتمعين توصلوا إلى خطة ثلاثية الأبعاد؛ قريبة، ومتوسطة، وبعيدة المدى، لمحاربة «بوكو حرام» أينما وجدت وبكل الوسائل. وللتدليل على جدية القرارات المتخذة، قرر المؤتمرون عقد اجتماع إضافي على مستوى وزراء الخارجية بعد شهر واحد في العاصمة البريطانية لمتابعة تنفيذ القرارات المتخذة وفق ما جاء في البيان الختامي الذي أجمل خلاصات القمة.

وتقوم الخطة الموضوعة على تعبئة سياسية دبلوماسية وأمنية عسكرية إقليمية ودولية، إذ اتفق المجتمعون على إنشاء غرفة عمليات مشتركة لتبادل المعلومات الاستخباراتية وللتنسيق المشترك سيكون مقرها في العاصمة التشادية إنجامينا والقيام بدوريات مشتركة وتشديد الرقابة على الحدود وتنسيق الاستعلامات وتقوية الحضور العسكري حول بحيرة تشاد. وأفادت خلاصات القمة بأن الأطراف المعنية ستباشر التعاون فيما بينها على الصعيدين الثنائي والمتعدد. واتفق المؤتمرون على إنشاء «فريق» يحدد الوسائل التي يمكن توفيرها لمحاربة «بوكو حرام» والمنظمات الإرهابية الأخرى وعلى رأسها القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ووضع «استراتيجية إقليمية لمحاربة الإرهاب» في إطار «لجنة بحيرة تشاد».

أما النتيجة الثانية فقوامها نجاح الوساطات الفرنسية والغربية في «تطبيع» الأوضاع بين الدول الأفريقية المعنية الخمس من أجل أن تعمل معا وخصوصا التغلب على «النفور» الذي كان قائما بين نيجيريا والكاميرون بسبب مشكلات حدودية مجمدة أو بسبب رفض الرئيس الكاميروني بول بيا سابقا إعطاء القوات النيجيرية «حق» ملاحقة مجموعات «بوكو حرام» داخل الأراضي الكاميرونية. وأعلن بيا في المؤتمر الصحافي أن «(بوكو حرام) أصبحت مشكلة إقليمية وللقارة الأفريقية بأكملها». وأضاف بيا: «نحن هنا لنؤكد تضامننا وعزمنا على محاربة هذه الجماعة بكل حرص وشدة وسنعمل على اتخاذ تدابير أقوى في مواجهتها». وردا على سؤال لاحق، أكد بيا أنه «سيتعاون» مع الرئيس النيجيري لكن من غير أن يوضح أشكال هذا التعاون. وأوصى هولاند الرئيسين بـ«الانخراط معا»، بشكل أكبر، معتبرا أن وجودهما معا في القمة دليل على رغبتهما في العمل المشترك. وذهب رئيس بنين توماس بوني يايي إلى حد القول إنه «أقسم» أمام هولاند والرؤساء الآخرين على تنفيذ كل الإجراءات المتخذة.

وكانت «بوكو حرام» قد هاجمت الليلة قبل الماضية مصنعا في الكاميرون يملكه مستثمرون صينيون ونتج عن العميلة مقتل أحد الأشخاص. واتهم بيا هذه الجماعة بأنها «تريد إرجاع الناس إلى العصور المتخلفة»، فيما رأى رئيس تشاد إدريس دبي أنها «تعمل ضد المبادئ الإسلامية وتسيء للإسلام» متوعدا إياها بـ«الحرب الشاملة».

وتتمثل النتيجة الثالثة في أن المجتمعين اعتبروا أن البعد الأمني على أهميته غير كاف، وبالتالي يتعين أن يواكبه عمل دءوب من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وقال رئيس النيجر محمد يوسف إن «الفقر حليف الإرهاب»، معبرا عن ارتياحه لأن المجتمعين «تناولوا حاجة المنطقة لخطة اقتصادية تنموية». بيد أن مصادر رئاسية كانت أعلنت قبل بدء القمة أنها تستبعد تحويل القمة إلى مؤتمر للمانحين رغم أهمية البعد الاقتصادي.

وبموازاة ذلك، وبالنظر لإجماع الحاضرين على تجريم «بوكو حرام» وما تسيء به للإسلام، دعا رئيس تشاد إلى وضع أسس لإطلاق حوار بين الأديان في المنطقة. وأثير في الاجتماع موضوع حصول «بوكو حرام» على السلاح وموضوع مصادر تمويلها. وبالنسبة للموضوع الأول، أفاد هولاند بأن السلاح يأتيها من ليبيا وأن أفرادها تدربوا في شمال مالي قبل أن تقوم القوات الفرنسية بعمليتها العسكرية هناك بداية العام الماضي وتطرد القاعدة والمنظمات الجهادية من تلك المنطقة. بينما الموضوع الثاني لم يحسم.

وعلى هامش القمة، عقد اجتماع لمسؤولين عن أجهزة الاستخبارات في الدول المعنية لتقييم المعلومات الخاصة بمكان احتجاز الفتيات. ورفض هولاند الكشف عن أية تفاصيل بشأنهن، لكنه اعترف أن الأجهزة لا تعرف ما إذا كن فرقن إلى عدة مجموعات أم ما زلن سويا.

وحتى الآن، تقول الدول الغربية إنها لن تقوم بأية عملية عسكرية، بل إن دعمها استخباري لوجيستي. لكن الرئيس الفرنسي لم يغلق أمس الباب كليا أمام احتمال المشاركة في عملية استعادة الفتيات، وأكد أن «تحركات ستحصل في الأيام القادمة» وأن باريس لديها «القدرة على التدخل العسكري عندما تدعو الحاجة» في إشارة لقواتها المرابطة في أكثر من قاعدة في أفريقيا، والتي أعيد تنظيمها لمزيد من الفاعلية في مواجهة الحركات الإرهابية. وتربط باريس بين «بوكو حرام» وبين «القاعدة» في بلاد المغرب الإسلامي، وترى أن غرضها «ضرب استقرار نيجيريا وبلدان الجوار وصولا إلى أوروبا». لكن وزير خارجية بريطانيا ويليام هيغ رأى من جانبه أن بوكو حرام «يجب أن تهزم على أيدي البلدان الأفريقية مع دعمنا». وحتى الآن، أرسلت الولايات المتحدة وسائل مراقبة وخبراء، كما فعلت باريس ولندن.

وتقوم النتيجة الرابعة فيما يخص التحرك الدولي على «تسريع» العمل من أجل فرض عقوبات دولية على «بوكو حرام» وعلى منظمة «الأنصار» المنشقة عنها وعلى المسؤولين عنهما في إطار الأمم المتحدة (مجلس الأمن) وربما في أطر أخرى. ويعني هذا التوجه أن نيجيريا، العضو حاليا في مجلس الأمن، لم تعد تعارض كما في السابق نقل الملف إلى الأمم المتحدة، إذ كانت تعده ملفا داخليا وتتمتع بالقدرات لمعالجته منفردة. لكن عملية الخطف والعمليات الأخرى الكبرى التي قامت بها «بوكو حرام» أثبتت عكس ذلك. ونقلت «رويترز» عن مصدر دبلوماسي غربي أن نيجيريا «وافقت من حيث المبدأ على مسودة قرار في مجلس الأمن لفرض عقوبات على بوكو حرام»، لكنه يتعين عليها أن تقدم أولا طلبا رسميا بهذا المعنى إلى المجلس قبل البحث في مضمون العقوبات.

أما على المستوى الفرنسي، فإن قيام باريس بالدعوة إلى القمة وإشراك بريطانيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بها وحضور خمسة قادة أفارقة يمثل نجاحا دبلوماسيا سياسيا من الدرجة الأولى، خصوصا أن نيجيريا ليست بلدا ناطقة بالفرنسية ولم يكن يوما من ضمن منظومة النفوذ الفرنسي في القارة السمراء. وحرصت الرئاسة الفرنسية على تأكيد أن الرئيس غودلاك جوناثان هو الذي طلب من هولاند الدعوة للقمة والعمل على تنظيمها. وأكد جوناثان «التزامه الكامل» بالسعي للعثور على التلميذات المخطوفات، وذلك بعد تلقيه مساعدة لوجيستية من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا لجمع معلومات.