حفتر وأنصاره يواصلون الحرب على المسلحين.. وطرابلس تعلن حظر الطيران فوق بنغازي

رئيس الحكومة: الأوضاع الأمنية تحت السيطرة.. ودار الإفتاء تحذر من «سرقة الثورة»

ليبي وسط الدمار الذي خلفته المواجهات بين ميليشيات إسلامية و قوات اللواء حفتر (رويترز)
TT

أخلى المئات من سكان عدة مناطق في مدينة بنغازي (شرق ليبيا) منازلهم أمس على عجل تحسبا لاندلاع اشتباكات جديدة بين قوات تابعة للواء خليفة حفتر القائد السابق للقوات البرية بالجيش الليبي وميليشيات متطرفة مسلحة في المدينة. في حين تجاهل نوري أبو سهمين رئيس المؤتمر الوطني العام (البرلمان) هذه التطورات وبدأ زيارة مفاجئة إلى الكونغو على رأس وفد رسمي للمشاركة في أعمال قمة لجنة العشر المعنية بإصلاح الأمم المتحدة. وانتقد أعضاء في المؤتمر الذي يعد أعلى سلطة سياسية ودستورية في البلاد، سفر أبو سهمين في ظل الوضع المحتقن والراهن في بنغازي، كما انتقدوا صمته الرسمي وعدم إصداره أي بيان بوصفه القائد الأعلى للقوات المسلحة الليبية.

وأعلنت رئاسة الأركان العامة للجيش الليبي حظر الطيران فوق مدينة بنغازي وضواحيها حتى إشعار آخر، وهددت في بيان لها أمس بأنه سيجري استهدف أي طائرات عسكرية فوق المدينة وضواحيها من قبل وحدات الجيش الليبي والوحدات التابعة للغرفة الأمنية المشتركة وتشكيلات الثوار التابعة لها. ويأتي هذا التهديد كما قالت مصادر عسكرية لـ«الشرق الأوسط» محاولة لكبح جماح عدد من الطيارين الموالين لحفتر والذين قاموا أول من أمس بطلعات جوية وقصف بعض مواقع تابعة لميليشيات إسلامية مسلحة، من دون الحصول على إذن رسمي وبشكل يخالف التعليمات.

لكن مصادر مقربة من حفتر قالت في المقابل لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك انشقاقات كبيرة في صفوف القوات الحكومية والنظامية»، مشيرة إلى أن عددا من قيادات الجيش الرسمي انضمت بالفعل إلى قوات حفتر. وأكدت أن الولاء الحقيقي لغالبية قيادات الجيش الوطني في مدينة بنغازي لم يعد لصالح السلطات المركزية في العاصمة طرابلس، موضحة أن هذا يفسر دعوة رئيس الأركان عبد السلام العبيدي أول من أمس للثوار والأهالي في المدينة وليس قوات الجيش للتصدي لقوات حفتر.

وكان محمد بوقفة الناطق الرسمي باسم كتيبة «17 فبراير» التابعة للإسلاميين في بنغازي، أعلن أن مقر الكتيبة تعرض لقصف جوي من قبل طائرات عسكرية مجهولة الهوية، دون أن يسفر عن إصابات بشرية في صفوف عناصر الكتيبة. وقال إن آثار الصواريخ التي أصابت مقر الكتيبة ما زالت موجودة وإن عناصر الكتيبة تمكنوا من إصابة طائرة هليكوبتر سقطت بمنطقة الطلحية على بعد 30 كيلومترا غرب مدينة بنغازي.

وشهدت شوارع المدينة حتى عصر أمس انتشارا مكثفا لقوات عسكرية من مختلف الاتجاهات، ودعا العقيد محمد حجازي الناطق باسم قوات حفتر في بيان تلفزيوني مقتضب، سكان مناطق القوارشة وسيدي فرج والهواري إلى إخلاء منازلهم حفاظا على حياتهم وسلامتهم، فيما بدا أنه بمثابة تحذير من احتمال تجدد المواجهات المسلحة في المدينة.

وطبقا لما أعلنه عمار محمد، المسؤول الإعلامي بوزارة الصحة الليبية، فإن حصيلة ضحايا اشتباكات بنغازي وصلت إلى 43 قتيلا و139 جريحا، لافتا إلى أن ستة مستشفيات استقبلت الجثامين والمصابين الذين سقطوا في الاشتباكات بالمدينة على مدار الساعات الـ24 الماضية.

في سياق ذلك، أعلن اللواء حفتر أن ما يسمى «عملية الكرامة لتطهير بنغازي من الجماعات الإرهابية والتكفيرية» مستمرة، نافيا قبوله أي وساطة لمنع المزيد من المعارك العنيفة. وقال حفتر لقناة محلية إن «العملية ستستمر حتى تطهير بنغازي من الإرهابيين».

وجرى تعليق الرحلات الجوية للخطوط المصرية والتونسية في بنغازي، وقال مسؤول إن مطار المدينة سيغلق 24 ساعة لدواع أمنية، فيما أوضح مدير مطار بنينا الدولي إبراهيم فركاش أن السلطات الليبية أغلقت المطار بسبب الاشتباكات ولضمان أمن المسافرين وسلامتهم، لافتا إلى أن إعادة فتح المطار ستعتمد على الوضع الأمني.

ويبدو الليبيون منقسمين إزاء الاقتتال في بنغازي، فالبعض يعتقدون أن عملية حفتر مقدمة لانقلاب عسكري وأن هدفه الاستئثار بالسلطة، بينما يراه آخرون رجلا قويا يمكن أن يخلص ليبيا من التطرف، وهي المهمة التي لم تتمكن السلطات المركزية من إنجازها رغم وعودها بذلك.

ولم يتحقق أي إجراء ملموس منذ وعود طرابلس في مارس (آذار) الماضي بحل المسألة بالقوة.

وأمام موجة الاغتيالات والهجمات التي تستهدف الجيش في الشرق الليبي، تحالفت قبائل وعسكريون مع قوة حفتر التي يدعمها أيضا ثوار انفصاليون قاموا بغلق منشآت نفطية لأشهر.

وحفتر من شرق ليبيا، وانشق عن قوات العقيد الراحل معمر القذافي في أواخر الثمانينات وأمضى نحو عقدين من الزمن في الولايات المتحدة، ولذلك يتهم باستمرار بتلقي أموال من الأميركيين.

وكانت بنغازي مهد الثورة التي انطلقت شرارتها في ليبيا في فبراير (شباط) عام 2011 وأدت إلى الإطاحة بنظام القذافي، قبل أن تصبح ملاذا للكثير من المجموعات الإسلامية المسلحة وبؤرة لأعمال عنف. من جهتها، سعت الحكومة الانتقالية برئاسة عبد الله الثني إلى طمأنة المواطنين إلى أن الأوضاع الأمنية في العاصمة طرابلس هادئة وتحت السيطرة، وطالبت الثوار بعدم الانجرار وراء الإشاعات التي تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار في المدينة، كما حثتهم على التزام أماكنهم وحماية المرافق الحيوية والمواقع التي كلفوا بحمايتها.

وكان العشرات من سكان العاصمة تظاهروا مساء أول من أمس بميدان الجزائر للمطالبة بالإسراع في بناء جيش وطني وشرطة يكون ولاؤهما لليبيا وللشعب الليبي.

وأعلن المشاركون في المظاهرة تأييدهم لما حدث في مدينة بنغازي، فيما نقلت وكالة الأنباء المحلية عن أحد منظمي المظاهرة أن هناك تنظيمات تملك السلاح وترفع الرايات السوداء وتعرقل قيام الدولة المدنية، وهو ما يرفضه الليبيون، وأن هذا التجمع هو لتأييد ما حدث في مدينة بنغازي من ضرب مقرات ومعسكرات هذه الكتائب.

من جهته، نفى آمر كتيبة «عمر المختار» بطبرق العقيد علي زكري، توجه عدد من أفراد الكتيبة إلى بنغازي وانضمامهم للقوة التي دخلت إلى المدينة. وأوضح أن الكتيبة ما زالت متمركزة في مواقعها بكامل معداتها في مدينة طبرق وعلى طول المنطقة الحدودية وتقوم بمهامها في تأمين الحدود الشرقية.

وأكدت دار الإفتاء الليبية أن «ما جرى في بنغازي هو من حلقات التآمر على البلاد، ومحاولة لسرقة ثورتها»، مؤكدة أن القائمين بهذه المحاولة لا تهمهم دماء الليبيين ولا مقدراتهم، بقدر ما تهمهم مصالحهم ومآربهم الخاصة. ونصح الشيخ الصادق الغرياني، مفتي ليبيا، في بيان منفصل، الثوار بإقامة البوابات في كل أنحاء ليبيا، لكنه حذر من التعامل بناء على الهوية.