«عملية الكرامة» تنتقل إلى طرابلس.. ومسلحون مؤيدون لحفتر يهاجمون مقر البرلمان والحكومة

أمين عام الجامعة العربية يكلف القدوة تمثيله للاتصال بالأطراف المعنية بالوضع الليبي

أعمدة الدخان تتصاعد من مقر المؤتمر الوطني إثر مهاجمته من قبل ميليشيات بأسلحة وصواريخ مضادة للطائرات أمس (رويترز)
TT

بدا أمس أن «عملية الكرامة» التي تشنها قوات اللواء خليفة حفتر القائد السابق بالجيش الليبي ضد المتطرفين في مدينة بنغازي (شرق) قد انتقلت للمرة الأولى إلى طرابلس، حيث اقتحمت مجموعات مسلحة مؤيدة لحفتر مقر المؤتمر الوطني العام (البرلمان) وحاصرته وأغلقت كل الطرق المؤدية إليه، كما شنت هجوما على مقر الحكومة، بينما سمع أصوات لإطلاق النار بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة في عدة مناطق بالعاصمة.

وأبلغت مصادر في المدينة «الشرق الأوسط» أن اشتباكات عنيفة اندلعت لاحقا بين لواء المدني في الزنتان، أحد الألوية الداعمة لجيش حفتر، وعناصر ميلشيات ما يسمى «غرفة ثوار ليبيا» في كوبري طريق المطار، لكن لم ترد أي معلومات عن حصيلة هذه الاشتباكات.

وتوقعت المصادر ذاتها حدوث المزيد من الاشتباكات الدامية بين الميلشيات الداعمة لحفتر، والكتائب الموالية للمؤتمر الوطني وغالبيتها من الميلشيات الإسلامية المسلحة.

وقال موظفون في مقر البرلمان الليبي لـ«الشرق الأوسط» إنه جرى اقتحام قصور الضيافة وحرق القصر الإداري لرئيس المؤتمر نوري أبو سهمين والمقابل لمقر المؤتمر، بالإضافة إلى اقتحام مقر أعضاء المؤتمر.

وترددت شائعات عن اعتقال أبو سهمين رئيس المؤتمر، لكن المصادر ذاتها، التي اشترطت عدم تعريفها، نفت هذه المعلومات وقالت إنه جرى فقط اعتقال بعض الأعضاء والموظفين ومديري الإدارات.

وبينما أعلن خالد الشريف وكيل وزارة الدفاع الليبية أن أبو سهمين يوجد في مكان آمن، مؤكدا خبر اختطاف موظفين ونواب بالبرلمان، قال عضو في البرلمان إن المسلحين اقتحموا مقر المؤتمر وداهموا مكاتب الأعضاء وأضرموا النيران في المبنى.

وقالت وكالة الأنباء الليبية إن مجموعة مسلحة اقتحمت المقر، بعد رفع جلسة المؤتمر وخروج الأعضاء، كما سمعت أصوات إطلاق النار بالأسلحة المتوسطة في المناطق المحيطة بالمقر، وهي أحياء أبي سليم والهضبة وباب بن غشير وطريق الشط وطريق السكة والنوفليين وصلاح الدين.

وأعلنت كتيبة الصواعق مسؤوليتها عن اقتحام المؤتمر الذي يعد أعلى سلطة سياسية ودستورية في البلاد، وقالت عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»: «لعيون إخوتنا في بنغازي قمنا بأقل ما يمكن فعله ضد هذا المؤتمر الإخواني الذي قرر دعم أنصار الشريعة».

ودعمت الصفحة إعلانها بنشر مجموعة صور قالت إنها لسرايا مختلطة من الشرطة العسكرية وكتيبتي القعقاع والصواعق، تظهر سيطرة عناصرها على مقر المؤتمر من دون أي مقاومة تذكر.

وقال العقيد محمد حجازي الناطق الرسمي باسم قوات حفتر إن عناصر هذه القوات أعضاء في الجيش الوطني الليبي، مستعملا الاسم الذي يطلق على القوات غير النظامية التي يقودها حفتر، والتي تخوض منذ ثلاثة أيام اشتباكات مع إسلاميين متشددين في مدينة بنغازي.

وقال مقيمون في طرابلس إنهم سمعوا إطلاقا كثيفا للنار، ولم يتضح على الفور هدف النيران التي انطلقت من أسلحة مضادة للطائرات وتضمنت قذائف صاروخية، علما بأن طرابلس لم تشهد عنفا من النوع الذي شهدته بنغازي، ولكن أكثر من 40 شخصا قتلوا في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي خلال اشتباكات بين ميليشيات ومواطنين مسلحين.

وقبل اقتحام مقر البرلمان كان أبو سهمين قد أعلن تسلمه رسميا تشكيلة حكومة أحمد معيتيق، رئيس الوزراء الجديد، لنيل الثقة بعد أن عاشت البلاد قرابة شهرين بلا حكومة فعالة.

ولفت أبو سهمين إلى أنه نظرا لتعذر تمكن أعضاء المنطقة الشرقية من الحضور، ونظرا لأن هذه الجلسة خصصت لمناقشة موضوع الأحداث الأمنية في مدينة بنغازي، فإنه سيدعو، وفقا للمادة 136 من النظام الداخلي للمؤتمر، لعقد جلسة عامة في أجل أقصاه ثلاثة أيام اعتبارا من أمس. وقال المكتب الإعلامي لمعيتيق إنه قدم تشكيلة حكومته للمؤتمر لكنه لم يكشف عن أسماء الوزراء.

من جهته، قال اللواء حفتر إن العملية العسكرية التي بدأتها القوات الموالية له يوم الجمعة الماضي في مدينة بنغازي، تحت اسم عملية الكرامة، «ليست انقلابا ولا سعيا إلى السلطة ولا تعطيلا للمسار الديمقراطي الذي اختاره الليبيون». وقال حفتر في بيان تلفزيوني مساء أول من أمس إن العملية تأتي «استجابة لنداء الشعب الليبي، وهي معركة الدفاع عن الشعب وصيانة لأرواح ضباط وجنود الجيش الليبي التي تزهق كل يوم».

وبعدما اتهم جزءا من السلطة الحاكمة في ليبيا حاليا بالتواطؤ مع الإرهاب، انتقد حفتر اتهامات السلطات الليبية له بالخروج عن الشرعية. وأضاف: «شرعيتنا من الشعب، ونحن نريد ليبيا خالية من الإرهاب، ونريد جيشا وشرطة وننفذ إرادة الشعب الليبي». وتابع: «لم نكن نريد أن يحتكم الليبيون إلى السلاح، لكن ما دام الإرهاب قد فرض علينا المواجهة فلتكن بالسلاح».

وكان حفتر يرد بهذا البيان على البيان المشترك الذي أصدره المؤتمر الوطني والحكومة المؤقتة ورئاسة الأركان العامة للجيش الليبي الذي تضمن «دعوة أهالي مدينة بنغازي إلى التماسك والوقوف صفا واحدا لدحر الانقلابيين والمحافظة على أمن المدينة وتفادي الانجرار وراء ما تبثه بعض وسائل الإعلام المغرضة التي تدعو إلى بث الفوضى وشق الصف داخل المدينة».

وقال البيان إن ما يحدث في بنغازي الآن من بعض ضباط ومنتسبي الجيش «هو خروج على شرعية الدولة وانقلاب عليها يقوده المدعو خليفة بالقاسم حفتر أحد قادة الانقلاب في 1969، والذي صدرت بحقه مذكرة اعتقال من المدعي العسكري، وسيلاحق قانونا كل من شارك في هذه الأحداث».

كما وصف أبو سهمين العسكريين الذين قاموا بأحداث بنغازي بأنهم أشخاص خارجون عن القانون وانقلابيون على ثورة 17 فبراير.

وأضاف في بيان منفصل أصدره مساء أول من أمس: «هؤلاء الأشخاص العسكريون الذين قاموا بهذا العمل حالمون بحكم ليبيا وإرجاعها إلى زمن الظلم والعبودية وحكم الفرد، غير عابئين بالدماء التي سالت جراء أعمالهم الطائشة والتي نحملهم مسؤوليتها، ضاربين بذلك عرض الحائط بأمن وأمان الوطن والمواطن».

وقال أبو سهمين، الذي يتولى نظريا منصب القائد الأعلى للجيش الليبي، إن من قام بهذه الأعمال من بعض منتسبي القوات الجوية أو الضباط والأفراد الذين تحركوا على الأرض من العسكريين للاستيلاء على مدينة بنغازي يعدون خارجين عن القانون وعلى شرعية الدولة وانقلابا على ثورة 17 فبراير، مضيفا أنه «يجب على وزارة الدفاع ورئاسة الأركان العامة القيام بواجباتهم والتصدي لهم والقبض عليهم وتقديمهم للعدالة وفق الإجراءات القانونية المتبعة».

من جهة أخرى، أعلن مدير مطار بنينا الدولي إبراهيم فركاش أن إدارة المطار قررت تمديد إغلاقه لمدة 48 ساعة كإجراء احترازي على خلفية الأوضاع الأمنية المضطربة بمدينة بنغازي، وقال إن تعليق العمل في المطار قد يجري رفعه في أي وقت بمجرد ظهور بوادر انفراج في الأزمة الأمنية التي تشهدها المدينة.

واستمرت المناوشات المتقطعة بين قوات حفتر والميلشيات الإسلامية المتطرفة في شوارع بنغازي لكن دون اشتباكات خطيرة، بينما فجّر مجهولون مقر إذاعة محلية تابعة لجماعة إسلامية بمنطقة الليثي في المدينة، ما أسفر عن إصابة المبنى بأضرار بسيطة دون وقوع إصابات بشرية.

وحلقت طائرات موالية لحفتر فوق معسكرات تابعة لكتائب تابعة لمتطرفين إسلاميين، بينما كان الحذر الشديد والتوجس هما سمة الوضع الراهن في المدينة التي تعد معقل الثوار ومهد الانتفاضة الشعبية ضد نظام العقيد الراحل معمر القذافي عام 2011.

من جهته، أحاط عبد الله الثني، رئيس الحكومة الانتقالية، سفراء كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا والاتحاد الأوروبي المعتمدين لدى ليبيا علما بالأوضاع الجارية في ليبيا وخصوصا في مدينة بنغازي.

وقال الثني وفقا لبيان أرسله مكتبه لـ«الشرق الأوسط» إن التحركات العسكرية التي جرت بالمدينة جرت خارج شرعية الدولة ومؤسساتها مما يعد انقلابا على الشرعية وعلى ثورة 17 فبراير.

ونقل البيان عن السفراء تجديد وقوفهم ودعمهم لشرعية الدولة واستمرار التعاون مع ليبيا في إعداد وتأهيل الأطر الأمنية والعسكرية الليبية لتساهم في بسط الأمن في كل ربوع البلاد، مشيرا إلى أن الثني أعلن أن حكومته تولي موضوع حماية البعثات الدبلوماسية في ليبيا عناية فائقة وتتخذ كل الإجراءات التي من شأنها تأمين الحماية لها.

على صعيد ذي صلة، كلف الدكتور نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور ناصر القدوة وزير خارجية دولة فلسطين الأسبق بتمثيله في القيام بإجراء المشاورات والاتصالات اللازمة مع مختلف الأطراف الليبية والعربية والإقليمية والدولية المعنية بالشأن الليبي، وذلك بهدف وضع استراتيجية عربية شاملة لمساعدة الأشقاء الليبيين على تحقيق المصالحة الوطنية الليبية وإعادة بناء مؤسسات الدولة بما يحقق تطلعات الشعب الليبي بجميع مكوناته وأطيافه.

وقالت مصادر دبلوماسية إن العربي اجتمع مع وزير خارجية ليبيا محمد عبد العزيز أول من أمس، في لقاء حضره القدوة، مشيرا إلى أنه اتفق خلال الاجتماع على تحرك جديد بتكليف القدوة الاتصال بمختلف الأطراف المعنية بالشأن الليبي.

وأوضحت المصادر أن الجانب الليبي رحب بتكليف القدوة المهمة، لافتا إلى أن اللقاء الذي عقد في القاهرة استعرض تطورات الأوضاع في ليبيا بشكل عام، مؤكدا أن الحكومة الليبية أبدت استعدادا للتعاون التام من أجل تسهيل ونجاح هذه المهمة، كما رحبت باعتزام القدوة زيارة ليبيا خلال الأيام القليلة المقبلة.

وكان القدوة قد قام خلال الأسابيع الماضية بإجراء المباحثات والمشاورات اللازمة، والتقى نبيل فهمي وزير الخارجية المصري، وعددا من سفراء الدول العربية والأجنبية المهتمة بالشأن الليبي والمعتمدين في القاهرة، وخصوصا سفراء دول الجوار الليبي، وذلك لتبادل وجهات النظر والاطلاع على الرؤى المختلفة لبلورة محاور التحرك العربي بشأن دعم ليبيا في هذه المرحلة الهامة التي تمر بها.

وخلال زيارته المرتقبة إلى ليبيا، من المقرر أن يعقد القدوة سلسلة من المباحثات واللقاءات مع المسؤولين الليبيين ومختلف الأطراف الوطنية الليبية، بالإضافة إلى ممثلي المجتمع الدولي في البلاد.