التحالفات السياسية في العراق ما بعد الانتخابات.. خرائط تلد أخرى

رئاسة الحكومة لن تخرج عن التحالف الشيعي

عراقيات يمشين وسط بغداد باتجاه مرقد الإمام الكاظم حيث تصادف زيارته بعد غد.. وقد قُطعت الشوارع وشلت الحركة في العاصمة العراقية، وجرى تجنيد القوى الأمنية لتوفير الحماية للزوار الشيعة الذين سيصلون للمرقد مشيا من جميع أنحاء العراق (أ.ف.ب)
TT

لم تتح النتائج التي أفرزتها الانتخابات البرلمانية العراقية التي جرت في الثلاثين من أبريل (نيسان) الماضي وظهرت نتائجها أخيرا، أي إمكانية لأي طرف بتشكيل الحكومة منفردا. ومع أن التحالف الوطني الشيعي الذي يضم ائتلاف دولة القانون (95 مقعدا)، والتيار الصدري (34 مقعدا)، والمجلس الأعلى الإسلامي (31 مقعدا)، بالإضافة إلى منظمة بدر والفضيلة والإصلاح، يتمكن من الناحية النظرية بتشكيل حكومة أغلبية في العراق، لكنها سوف تكون أغلبية طائفية وليست سياسية مثلما يدعو إليها المالكي، بالإضافة إلى أنها مرفوضة من خصميه الشريكين داخل هذا التحالف، وهما التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، والمجلس الأعلى الإسلامي بزعامة عمار الحكيم، واللذان يسعيان إلى تشكيل حكومة «شراكة قوية».

وإذا كانت قوى الائتلاف الشيعي تتقاذف الكرة الآن، سواء لجهة مفهوم الأغلبية أو المرشح لرئاسة الوزراء الذي يجب أن يكون طبقا لما بات عليه عرفا سياسيا في العراق من الطائفة الشيعية، وهو ما يعكس خريطة ملتبسة داخل اللون المذهبي الواحد، فإن المفارقة اللافتة للنظر أن الخريطة السياسية لدى الكتل والقوائم الأخرى لا تقل التباسا. ولعل السبب في ذلك هو النتائج التي أفرزتها الانتخابات. ففي الوقت الذي كان فيه خصوم المالكي من الشيعة والسنة يتمنون خسارته أو في الأقل تراجعه إلى ما لا يسمح له بالمنافسة على منصب رئاسة الوزراء الذي تولاه مرتين من قبل، وبالتالي يخطف خصومه داخل البيت الشيعي الولاية الثالثة منه، فإن النتائج أفرزت عكس ما اشتهت سفن الخصوم. فالمالكي حل أولا، سواء على مستوى التصويت الشخصي (700 ألف صوت في بغداد) أو بعدد المقاعد (95 مقعدا) بفارغ كبير عن كل القوائم والكتل. لكن ما يبدو وكأنه انتصار للمالكي الذي يرى خصومه أنه وظف المال والسلطة والنفوذ لصالح حملته الانتخابية، فإنه لا يكفي لتشكيل الحكومة.

وطبقا للتضاريس السياسية في العراق والتي يتداخل فيها المذهبي بالعرقي بالمدني فإنه في الوقت الذي تبدو فيه الخريطة السياسية موزعة على هذه المعالم الرئيسة، فإن التشظي فيها أدى إلى تناسل خرائط جديدة. فالمالكي الذي يراهن نسبيا على التحالف الوطني بوصفه هو الكتلة الأكبر فيه يتمنى أن يحسم ترشيحه طبقا لهذه القاعدة (قاعدة الأغلبية العددية داخل المكون الواحد) ربما بالرهان على الموقف الإقليمي (إيران) والدولي (الولايات المتحدة الأميركية)، لكنه من جانب آخر يعمل الآن وبلا هوادة من أجل رفع رصيده من الأصوات من الكتل والكيانات الصغيرة، سواء داخل التحالف الوطني (بدر والفضيلة والإصلاح)، وهو ما يجعل عدد مقاعده يربو على الـ115 مقعدا أو من خلال الانفتاح على كتل أخرى من طوائف وأعراق خارج الفضاء الشيعي.

رهان المالكي هنا يستند إلى ما يملكه من أوراق ضغط أو مساومة على الكتل الكبرى الأخرى مثل التحالف الكردستاني و«متحدون» للإصلاح بزعامة أسامة النجيفي (23 مقعدا) والعربية بزعامة صالح المطلك (عشرة مقاعد) مع استبعاد كتل الصدر والحكيم وإياد علاوي الذي حصل على (21 مقعدا) نظرا لعدم إمكانية حصول تفاهم مع هذه الأطراف حتى الآن. ويستند رهان المالكي هنا على ورقتين يبدوان بالنسبة له رابحتين، وهما مطالب الأكراد الذين شكلوا وفدا مشتركا للتباحث مع بغداد، وهو ما يعني أنهم قطعوا إمكانية تفككهم، وخصوصا أن المالكي كان يراهن على إمكانية انضمام الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس جلال طالباني الذي انتهت ولايته أخيرا ولا يزال يتلقى العلاج في ألمانيا لتشكيل حكومة أغلبية سياسية فإنه قد يراهن على كون الخريطة الكردية لم تعد متماسكة مثلما كانت عليه من قبل بل هي الأخرى رجراجة الآن، وذلك بأن يعطي مطالب للأكراد تسمح لموافقة طرف فيهم عليه مع اعتراض آخر. أما المسالة الثانية التي يراهن عليها المالكي فهي إمكانية تفكيك الخريطة السنية التي تعاني منذ فشل قائمتها (العراقية) في انتخابات عام 2010 بعدم تشكيل الحكومة، وهو الفوز الذي تحول إلى نقمة على المكون السني، وذلك بالتلويح بورقة رئاسة الجمهورية للسنة بدلا من الأكراد في حال لم تثمر مباحثاته مع الأكراد على نتائج حاسمة.

ولما لم يكن هناك طرف سني قوي الآن، لا سيما بعد تراجع كتلة «متحدون» للإصلاح التي يتزعمها أسامة النجيفي الطامح الأكبر بتولي منصب رئيس الجمهورية، فإن المالكي لو رمى بثقله البرلماني (أكثر من 115 نائبا مع حلفائه) باتجاه الموافقة على منح المنصب للنجيفي فإنه يكسب بذلك الكتلة السنية الأكبر باتجاه تشكيل حكومة الأغلبية السياسية والبقاء لولاية ثالثة، لكن في مقابل ذلك فإنه في حال أصر خصوم المالكي داخل البيت الشيعي على عدم التفاهم مع المالكي ونجحوا في فرض مرشح من داخل التحالف الوطني بديل للمالكي حتى لو أدى ذلك إلى خروج المالكي من هذا التحالف فإن بإمكانهم تكوين كتلة أكبر مع الأكراد والسنة بمختلف قوائمهم بالإضافة إلى ائتلاف الوطنية بزعامة إياد علاوي (21 مقعدا) وربما بعض الكتل الصغيرة مثل التحالف المدني الديمقراطي (ثلاث مقاعد)، وائتلاف العراق بزعامة رجل الأعمال فاضل الدباس (خمسة مقاعد)، والأخير تؤرجحه التوقعات بين الذهاب مع المالكي أو الانضمام إلى خصومه، وخصوصا أن عملية تشكيل الحكومة القادمة في ضوء هذه الخرائط الملتبسة لن تكون سهلة.