الأمن التونسي يعتقل عشرات الشبان بتهمة إحراق مراكز أمن

وزارة الدفاع تعلن مقتل عسكري في انفجار لغم زرعه مسلحون إسلاميون

شبان تونسيون في وقفة احتجاجية أمس في العاصمة من أجل إطلاق سراح المدون عزيز عمامي (إ.ب.أ)
TT

عارضت مجموعة من الأحزاب السياسية التونسية حملة اعتقالات نفذها الأمن التونسي خلال الأيام الأخيرة، ولا تزال متواصلة، ضد «شباب الثورة»، بتهمة حرق مراكز أمن تونسية إبان الثورة. وخلف هذا الإجراء جدلا سياسيا حادا بين أطراف تعارض اعتقال من ساهموا في نجاح الثورة، وأطراف أخرى تتهم فئة من الشباب بارتكاب أعمال إجرامية تحت غطاء الثورة.

واعتقلت قوات الأمن قرابة 50 من الشبان المحتجين، الذين هاجموا مراكز الأمن ما بين 17 ديسمبر (كانون الأول) 2010 و14 يناير (كانون الثاني) 2011. وحسب قيادات سياسية من الجبهة الشعبية (تحالف سياسي يضم 12 حزبا سياسيا)، فإن قوات الأمن نفذت خلال الأيام الأخيرة اعتقالات في صفوف شبان مدينة منزل بوزيان، وبئر الحفي، والرقاب، وهي مدن تقع في ولاية (محافظة) سيدي بوزيد، مهد الثورة التونسية. وتتوقع الجبهة أن تمتد حملة الاعتقالات إلى كبرى المدن التونسية، التي عرفت قوة الاحتجاجات الاجتماعية، على غرار القصرين وتونس العاصمة. ولم تعلق المؤسسة الأمنية على موجة الاعتقالات، ولم تقدم تفسيرا لما يحدث. وضمن أول أشكال الاحتجاج ضد حملة الاعتقالات، يستعد ناشطون سياسيون لتنظيم حملة مضادة تحت شعار «حتى أنا حرقت مركز»، في إشارة إلى المشاركة الجماعية للإطاحة بالنظام السابق، بالإضافة إلى تنظيم وقفة أمام وزارة الداخلية.

من جهته، قال جلول عزونة القيادي في الجبهة الشعبية لـ«الشرق الأوسط» إن اعتقال الشباب الذي أدت ثورته إلى الإطاحة بالنظام السابق لا يمكن قراءته إلا ضمن «تصفية الحسابات». وطالب السلطات بمراجعة تعاطيها مع هذا الملف الحساس، وبضرورة سن تشريعات تحمي شباب الثورة من المتابعة، والتصدي لحملة الإيقافات المنافية لحقوق الإنسان، على حد تعبيره. كما انضمت مجموعة من الأحزاب السياسية إلى قائمة المنادين برفع ما سموه «المظلمة» بحق شباب الثورة، مثل «التحالف الديمقراطي»، الذي يتزعمه محمد الحامدي، وحركة «وفاء» بقيادة عبد الرؤوف العيادي، وكذا المنظمة التونسية لحقوق الإنسان ومنظمة مناهضة التعذيب، التي انتقدت حملة الاعتقالات التي ينفذها الأمن ضد الشباب، وطالبت بإيقافها.

من جهته، تساءل فتحي العياري (ناشط سياسي) عن مدى التوظيف السياسي لملف شباب الثورة من قبل الأحزاب لأنها دافعت عن أعمال تعد إجرامية من الناحية القانونية. كما قدم منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية (هيكل حقوقي مستقل) لائحة تضم 150 شابا يوجدون على لائحة وزارة الداخلية بتهمة حرق مراكز أمن إبان الثورة.

ويتداخل ملف شباب الثورة، المتهم بحرق مراكز الأمن، مع ملف شهداء ومصابي الثورة بعد تخفيف العقوبات في 13 أبريل (نيسان) الماضي، من 12 إلى ثلاث سنوات سجنا في حق كبار القيادات الأمنية المتهمة بإطلاق الرصاص على الشباب المحتج إبان الثورة. ومن بينهم رفيق الحاج قاسم، وزير الداخلية السابق، وعلي السرياطي المدير العام السابق للأمن الرئاسي.

على صعيد متصل، أعلنت وزارة الدفاع التونسية أمس مقتل عسكري وإصابة خمسة آخرين، بينهم ثلاثة في حالة خطرة في انفجار لغم زرعه مسلحون إسلاميون بجبل الشعانبي في ولاية القصرين (غرب) الحدودية مع الجزائر.

وقال العميد توفيق الرحموني، الناطق الرسمي باسم الوزارة، لوكالة الصحافة الفرنسية إن اللغم انفجر عندما مرت عليه سيارة عسكرية، ولم توضح الوزارة بعد تفاصيل الحادث. ويعمل الجيش التونسي، الذي يحاصر الشعانبي منذ أشهر، على تعقب فلول الإرهابيين المتحصنين بالمناطق الغابية والكهوف في الجبل، كما ينفذ عمليات تمشيط مستمرة لنزع ألغام تقليدية، زرعتها جماعات مسلحة. وكان الناطق باسم وزارة الدفاع أعلن في أبريل عن وفاة ما لا يقل عن 30 عسكريا، وإصابة 120 منذ انطلاق عمليات مكافحة الإرهاب عقب الثورة. ومنذ نهاية ديسمبر 2012 يتعقب الجيش والأمن في جبل الشعانبي مسلحين، تقول السلطات إنهم مرتبطون بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وإنهم خططوا لإقامة «إمارة إسلامية» في تونس.

وفي 2013 أدى انفجار ألغام زرعها المسلحون بالجبل، ذي التضاريس والأحراش الوعرة، إلى مقتل وإصابة عناصر من الجيش والأمن. ويوم 29 يوليو (تموز) 2013 قتل المسلحون في كمين ثمانية جنود، في أسوأ حادثة في تاريخ المؤسسة العسكرية التونسية. وفي 11 أبريل 2014 أصدر الرئيس التونسي المؤقت محمد المنصف المرزوقي قرارا جمهوريا بجعل جبل الشعانبي «منطقة عمليات عسكرية مغلقة». وعزت وزارة الدفاع هذا الإجراء إلى تنامي نشاط شبكات الجريمة المنظمة في تجارة الأسلحة والذخيرة والمخدرات، وتهريب المواد الخطرة عبر الحدود، واستعمال السلاح ونصب الكمائن والألغام غير التقليدية ضد العناصر العسكرية والأمنية، بالإضافة إلى «تضاعف التهديدات من قبل التنظيمات الإرهابية المتمركزة بالمنطقة».

وفي السادس من مايو (أيار) الحالي وعد المرزوقي بالعفو عن المسلحين المتحصنين بجبل الشعانبي، إذا سلموا أسلحتهم شرط أن تكون أيديهم «غير ملوثة بالدماء، ولم يقتلوا تونسيين».