زيارة إردوغان لألمانيا اليوم قد تنقل انقسامات تركيا إلى شوارع كولونيا

تجدد المواجهات في ظل التحضيرات للانتخابات الرئاسية التركية

رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان يقف مع قيادات حزبه دقيقة حداد على أرواح ضحايا منجم سومو في مؤتمر لحزبه في أنقرة أمس (أ.ف.ب)
TT

بعد كارثة المنجم في سوما وقبل أسبوع من ذكرى الاحتجاجات المناهضة للحكومة، أشعل عنف الشرطة من جديد الغضب ضد حكومة رجب طيب إردوغان المرشح المرتقب للانتخابات الرئاسية. وقتل شخصان وجرح تسعة آخرون خلال مواجهات مساء أول من أمس بين متظاهرين معارضين للحكومة وقوات الشرطة في حي اوكميداني الشعبي في إسطنبول.

وأطلقت قوات مكافحة الشغب الرصاص الحي في الهواء بهدف تفرقة المحتجين، وفق ما أفاد شهود عيان لوكالة الصحافة الفرنسية، ليؤكدوا معلومات نشرتها الصحف. وقبل منتصف ليل الخميس، أعلن محافظ إسطنبول حسين افني موتلو وفاة الضحية الأولى اوغور كورت (30 عاما).

وكان اوغور كورت (30 عاما) يقف بالقرب من جنازة أحد أقربائه عندما أصيب برصاصة في الرأس فيما كانت الشرطة تحاول السيطرة على عشرات المتظاهرين في مكان ليس ببعيد.

وأدى إعلان محافظ إسطنبول حسين افني موتلو على حسابه على «تويتر» عن مقتل اوغور كورت إلى تفاقم الوضع ودفع مئات الأشخاص إلى النزول إلى الشارع لتواجههم قوات مكافحة الشغب طوال الليل. وخلال المواجهات الأخيرة جرح عشرة أشخاص من بينهم ثمانية عناصر من الشرطة. وفي وقت لاحق توفي أحد الضحايا متأثرا بإصابته ليرتفع عدد القتلى إلى اثنين خلال 24 ساعة.

وتجددت المواجهات صباح أمس في إسطنبول بعد الإعلان عن مقتل الشخص الآخر. وهاجم عشرة متظاهرين سيارة للشرطة، فلجأت القوات الأمنية داخلها مجددا إلى إطلاق النار في الهواء لتفرقة المجموعة. وبقيت الأجواء متوترة نسبيا خصوصا بانتظار تشييع كورت اوغور في اوكميداني.

وتمت مصادرة نحو 20 سلاحا للشرطة في إطار تحقيق حول ظروف الحادث ومطلقي النار.

من جهة أخرى ذكر تقرير إخباري أنه جرى اعتقال 30 طالبا في مداهمة ليلية قامت بها الشرطة لمبنى كلية اللغات الأجنبية بجامعة ايجه، في محافظة أزمير غرب تركيا.

وذكرت وكالة «دوجان» التركية أن الطلبة احتلوا المبنى أول من أمس. وأضافت أن الطلبة استنكروا وجود الشرطة داخل الجامعة واحتجوا أيضا على كارثة المنجم في سوما ووفاة الصبي بركن اليفان (15عاما) خلال احتجاجات متنزه جيزي العام الماضي وإطلاق النار على أحد المشيعين في جنازة خلال اشتباكات في إسطنبول أول من أمس، حسبما نقلت وكالة الأنباء الألمانية.

وقال طالب يدعى سردار جو: «يتم تقييد حقنا في الاحتجاج. نطالب الشرطة بالخروج من الحرم الجامعي»، بحسب ما أوردته «دوجان» في تقريرها الذي نشرته صحيفة «حريت» التركية الصادرة أمس. وكانت الشرطة حلت محل شركات أمن خاصة في الجامعات التركية مع بداية العام الجامعي، تنفيذا لأوامر من رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان.

ولم تشهد البلاد مواجهات مماثلة منذ الاحتجاجات ضد الحكومة التي هزت السلطة الربيع الماضي، حين تحولت احتجاجات للدفاع عن متنزه جيزي في إسطنبول إلى معارضة واسعة ضد حكومة إردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم منذ 2002.

إلى ذلك أشعلت كارثة منجم سوما (غرب تركيا) الأسبوع الماضي، والتي سقط ضحيتها نحو 301 عامل، غضبا شعبيا ضد الحكومة، حيث اتهمت السلطات وشركة «سوما هولدينغز» بإهمال أمن العمال وعدم التعاطف مع الضحايا. ووجهت السلطات التركية تهما إلى مالك منجم سوما ألب غوركان لكونه أعطى الأولوية للربح المالي للشركة على حساب سلامة العمال. كذلك اعتقل ثمانية من مسؤولي المنجم من بينهم المدير العام.

وتتزامن أعمال العنف الأخيرة، المستمرة منذ عشرة أيام في إسطنبول، مع الحملة الانتخابية الرئاسية. وفي خطاب ألقاه الجمعة وصف إردوغان المتظاهرين بـ«الإرهابيين» الذين يريدون «تقسيم البلاد مثل أوكرانيا».

ومن المفترض أن يعلن إردوغان في الأيام المقبلة ترشحه رسميا للانتخابات الرئاسية في عملية اقتراع مباشرة في أغسطس (آب) المقبل. وسيتوجه اليوم إلى ألمانيا في إطار حملته الانتخابية بأمل الحصول على أصوات ثلاثة ملايين تركي.

وقبل أيام قليلة من ذكرى المظاهرات الواسعة ضد الحكومة، 28 مايو (أيار) في ميدان تقسيم، نشرت الشرطة في المدن الكبرى الحواجز لمنع أي تجمعات.

وتهدد زيارة رئيس الوزراء التركي إردوغان لمدينة كولونيا الألمانية اليوم ليلقي كلمة أمام الآلاف من المغتربين الأتراك بنقل التوتر السياسي الذي تعيشه بلاده إلى شوارع ألمانيا رغم مناشدة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لإردوغان بأن يتبنى نبرة حذرة.

ويشعر بعض النواب الألمان بالقلق مما يرون أنها لغة تحريضية وسلوك سلطوي من إردوغان في تعامله مع المظاهرات وفضيحة فساد طالت وزراء سابقين. وقد يثير ترشحه المتوقع لانتخابات الرئاسة المقررة في أغسطس مزيدا من التوتر.

وعادة ما يلقي إردوغان كلمة أمام حشود من المغتربين الأتراك عندما يزور ألمانيا، حيث أثار غضبا عام 2008 عندما حذر الأتراك الذين يشكلون أكبر جالية في ألمانيا من الذوبان في نسيج المجتمع الألماني.

ومن المتوقع أن يشارك ما لا يقل عن 16 ألفا من مؤيديه في إحياء الذكرى العاشرة لتأسيس اتحاد الديمقراطيين الأتراك الأوروبيين.

ومن المنتظر أن يتجمع قرابة 30 ألفا من المتظاهرين المعارضين لإردوغان في منطقة قريبة اليوم بالإضافة لحزب ألماني يميني متطرف مما دفع صحيفة «يني شفق» المؤيدة لإردوغان في تركيا من التحذير في صفحتها الأولى أمس من «فخ». ولمحت الصحيفة إلى أن برلين تريد أن تحمل إردوغان مسؤولية إثارة المشاكل.

ويقول منتقدون في ألمانيا بأن إلقاء خطاب مثل هذا ينم عن عدم مراعاة لشعور الآخرين ولا سيما بعد 11 يوما من أسوأ حادث يشهده قطاع التعدين في تركيا قتل خلاله 301 من عمال المناجم. كما يعارضون منح إردوغان مساحة للحديث في الوقت الذي تشعر أوروبا فيه بشكوك عميقة تجاه المسار الذي تتخذه أنقرة قبل شهرين من ترشحه المتوقع لرئاسة الجمهورية.

ومن جانبه يصور إردوغان حكومته على أنها تحارب مؤامرة دولية لتقويض تركيا بوصفها قوة صاعدة في المنطقة.

وأبلغت ميركل صحيفة «ساربروكر تسايتونج» في مقابلة نشرت أمس «أعتقد أنه يعلم مدى حساسية هذا الحدث ولا سيما في هذا الوقت وسيتصرف بشكل مسؤول». لكنها أقرت بأن برلين «تشعر بالقلق من بعض التطورات في تركيا مثل الإجراءات ضد المتظاهرين والهجوم على مواقع التواصل الاجتماعي وأوضاع المسيحيين».

وقال جوكاي صوفو أوغلو أحد قيادات الجالية التركية في ألمانيا «نستطيع أن نأمل أن يتعامل إردوغان بحساسية لكن لا يمكننا توقع ذلك»، مشيرا إلى أن الناس منقسمون بشدة بشأن الزيارة. وأضاف: «سيستغل الحدث للفوز بأصوات».