لبنان: نواب «14 آذار» اعتصموا في البرلمان.. وإجراءات طارئة أربكت عناصر الأمن

المواطنون لا يجدون فرقا بين الرئيس والفراغ ولا يهمهم إلا الاستقرار والهدوء

TT

على عكس زحمة السير التي كانت تعم شوارع بيروت بعد ظهر يوم أمس، الهدوء والترقب كانا سيدي الموقف في محيط مقر مجلس النواب بوسط بيروت. هنا رجال الأمن استعدوا لأمر ما مفاجئ قد يحصل بحسب المعلومات التي وصلت إليهم من دون إعطائهم أي تفاصيل، وفق ما يقول أحدهم لـ«الشرق الأوسط»، مضيفا: «ماذا حدث فجأة؟ البارحة كان النواب متقاسمين ولم ينجحوا في انتخاب رئيس في خمس جلسات واليوم أخبرونا أنهم سيجتمعون». ليعود ويسأل: «هل صحيح أنهم اتفقوا وسينتخبون رئيسا قبل منتصف الليل؟». هذه المعلومات المتناقضة والمتقطعة التي وصلت بطريقة خاطئة إلى رجال الأمن في محيط المجلس، هي في الواقع إعلان نواب 14 آذار أنهم سيعتصمون في مقر البرلمان حتى منتصف الليل، موعد انتهاء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد وانتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان. الأمر الذي استدعى إعطاء معلومات إلى الأمنيين لبدء اتخاذ الإجراءات اللازمة قبل توافد النواب عند الساعة السادسة مساء.

وقرار الدعوة إلى البرلمان للاعتصام أمس جاء وفق ما أكد النائب في كتلة «المستقبل» أحمد فتفت، على اعتبار أنه الفرصة الأخيرة لإنقاذ الاستحقاق الرئاسي من الشغور. وأشار إلى أنها «رسالة موجهة إلى الزملاء الذين عطلوا الجلسات». وأوضح أن رئيس مجلس النواب نبيه بري قال:« إن جلسات انتخاب الرئيس مفتوحة، ونحن سنبقى في المجلس حتى منتصف الليل»، متهما «حزب الله» وحلفاءه بتعطيل انعقاد الجلسات.

على طول الطريق المؤدي إلى البرلمان حيث تنتشر المطاعم، لا هم لأصحاب المحلات إلا أن تعود الحياة الاقتصادية إلى طبيعتها، ولا فرق بالنسبة إليهم إذا انتخب رئيس أو لم ينتخب. ما يعنيهم هنا فقط هو أن يتوقف المسؤولون عن إقفال الطريق المؤدي إلى المجلس في كل مرة يقرر فيها عقد جلسة، ويقطع الطريق أمام الزبائن.

المتنقل في هذه المنطقة لن يلتقي إلا الموظفين الذين لم يجدوا وسيلة لقضاء وقتهم إلا الجلوس أمام محلاتهم الفارغة من زبائنها، في الهواء الطلق، بينما النراجيل الجاهزة والمرصوفة لن تجد من يطلبها. والحال نفسه بالنسبة إلى الإعلان الذي يرفع على مدخل أحد المطاعم مقدما عرضا مغريا لغداء كامل من «المقبلات واللحم المشوي والمشروبات إضافة إلى النرجيلة» فقط بـ37 ألف ليرة لبنانية، أي ما لا يزيد على 25 دولارا أميركيا، علما بأن المطاعم في منطقة وسط بيروت وتحديدا بمحيط مجلس النواب لطالما كانت تعد في السنوات القليلة الماضية من أغلى المطاعم في بيروت.

تجلس سامية أمام محل لبيع الملابس حيث تعمل تبتسم عند سؤالها عما إذا كانت تعلم أن اليوم (أمس) هو اليوم الأخير للرئيس سليمان في منصبه قبل أن يدخل لبنان في الفراغ، وتقول: «الوضع لن يختلف مع رئيس أو من دونه، كل فريق يفتح على حسابه ولا قيمة لموقع الرئاسة». لا ترى السيدة الخمسينية في الوضع اللبناني ما يبرر أي تفاؤل، وإن كانت تعتقد أنه ليس من مصلحة أحد أن يلعب على وتر الوضع الأمني في هذه الفترة، وتقول: «ها هم يحاربوننا اقتصاديا وبالتالي لم يعودوا بحاجة إلى حرب السلاح». على عكس صديقتها، ترى أنطوانيت غريب أنه لا أمن ولا استقرار في لبنان من دون رئيس على رأس الدولة وفي المنصب المسيحي الأول، وتقول: «المهم أن يكون لنا رئيس، لا مشكلة من هو أو من يتبع، حتى لو كان شكليا فقط»، وتستدرك سائلة: «هل استطاع الرؤساء الذين تناوبوا على هذا الموقع أن يفعلوا شيئا طوال مدة ولاياتهم؟».

من جهته، يقف ظافر شمص على مقربة من الطريق المؤدي إلى البرلمان، في محاذاة سيارة الأجرة التي يملكها، ينتظر أي زبون يكون فاتحة يومه، ويقول: «نعمل كل النهار وبالكاد نستطيع تأمين ربطة الخبز لأولادنا. ماذا سنستفيد إذا انتخبوا رئيسا أم لن ينتخبوا؟». وقبل أن يعرف أن نفسه، يقول: «أنا شيعي، وأرى أن مسؤولية عدم إنجاز الاستحقاق الانتخابي تعود لرئيس مجلس النواب نبيه بري. الورقة بيده ولو أراد ذلك لكان فعل. الحل هو بأن يتسلم رئيس تيار المستقبل السابق سعد الحريري رئاسة الحكومة، ولا فرق من سيأتي رئيسا للجمهورية بعدما فرغت الرئاسة من صلاحيتها». ويوضح: «من اعترضوا على وصول رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون أو وزير الاتصالات بطرس حرب إلى الرئاسة هم خائفون من وصول رئيس قوي من شأنه أن يعيد هذه الصلاحيات إلى هذا الموقع».

كما في كل مرة تعقد فيها جلسة لمجلس النواب، تكون منطقة وسط بيروت، وتحديدا محيط البرلمان، «مكسر عصا» اقتصاديا، يدفع ثمنه أصحاب المحلات والموظفين. «وكان الشهران الأخيران من أصعب أشهر السنة بالنسبة إلينا بسبب كثرة عدد الجلسات التشريعية التي عقدت إضافة إلى تلك التي كان يفترض أن ينتخبوا خلالها رئيسا»، وفق ما يقول أحدهم، لـ«الشرق الأوسط»، ويضيف: «نجحوا في قطع باب رزقنا وفشلوا في انتخاب رئيس».