البرلمان الليبي يمرر حكومة معيتيق متحديا تهديدات حفتر بقصفه

تأجيل محاكمة 40 من مسؤولي نظام القذافي إلى الشهر المقبل

قوات ليبية تقوم بحماية «قصر ولي العهد» الراحل في طرابلس أمس أثناء لقاء أعضاء البرلمان (رويترز)
TT

تحدى أمس المؤتمر الوطني العام (البرلمان) في ليبيا تهديدات القوات التابعة للواء خليفة حفتر، القائد السابق للقوات البرية في الجيش الليبي، وعقد جلسة سرية بالعاصمة الليبية طرابلس أقر خلالها منح الثقة لرئيس الوزراء الجديد أحمد معيتيق، المحسوب على التيار الإسلامي، وسط إجراءات أمنية وعسكرية مشددة. وقالت مصادر برلمانية مساء أمس إن «المؤتمر الوطني العام صوت بمنح الثقة لأحمد معيتيق رئيسا للوزراء، بأكثرية 83 صوتا من أصل 94 نائبا حضروا الجلسة، فيما أكدت مصادر أخرى أن البرلمان ترك ثماني حقائب وزارية شاغرة للتفاوض بشأنها مستقبلا مع القوى السياسية والشعبية.

وكانت الجلسة تعطلت لبضع ساعات بسبب الحاجة إلى ثلاثة أعضاء لاستكمال النصاب القانوني اللازم لعقد الجلسة، وهو 93 عضوا من أصل 200 هم إجمالي عدد مقاعد البرلمان، الذي يعد أعلى سلطة دستورية وتشريعية في البلاد. لكن مصادر مقربة من اللواء حفتر قالت قبل انتهاء الجلسة لـ«الشرق الأوسط» إنه سيجري التعامل مع هذه الحكومة في حال إقرارها على أنها «غير شرعية»؛ كما هو الحال بالنسبة للبرلمان نفسه.

وجلسة الأمس هي الأولى من نوعها بعد أسبوع من اقتحام مقاتلين المقر الرئيس للمؤتمر لمطالبة النواب بتسليم السلطة. وتولى جنود من إحدى كتائب طرابلس حراسة «قصر ولي العهد» ذي الجدران البيضاء، والشوارع المجاورة في العاصمة، معتلين مركبات وشاحنات مصفحة مزودة بمدافع مضادة للطائرات.

وقالت رئاسة المؤتمر إن هذه الجلسة قد تكون «الأخيرة» التي سيعقدها أعضاء المؤتمر من دون أي تفسير، مشيرة إلى أن هدف الاجتماع هو استكمال الاستحقاقات والنظر في المبادرات والتأكيد على ما وصفته بـ«نجاح الانتقال السلمي للسلطة». وعين معيتيق رئيسا جديدا للوزراء قبل أسبوعين في عملية تصويت سادتها فوضى وشكك في شرعيتها عدد كبير من النواب، علما بأنه ينتمي إلى مدينة مصراتة في غرب ليبيا، وهو ذو صلة بالإخوان المسلمين، ومعارض شرس للميليشيات المناهضة للإسلاميين.

وعوضا عن إعلان مكان الاجتماع بشكل اعتيادي، أرسلت رئاسة المؤتمر برسائل نصية إلى الأعضاء عبر هواتفهم الجوالة لمنع تسرب أي تفاصيل تتعلق بمكان وتوقيت عقد الجلسة. وقال أعضاء شاركوا في الجلسة السرية، التي جرى التكتم على مكان انعقادها بقصر ولي العهد في طريق الشط على بعد نحو ستة كيلومترات شرق العاصمة طرابلس، لـ«الشرق الأوسط» إن ميليشيات مسلحة تابعة لـ«غرفة عمليات ثوار ليبيا» فرضت إجراءات أمنية وعسكرية في محيط المكان ومنعت الدخول إليه.

وقبل الجلسة، تحدث أعضاء في البرلمان عن مفاوضات غير رسمية جرت للتوصل إلى حل وسط يقضي بإقصاء وزيري العدل والثقافة من حكومة الثني، مقابل استمرار الأخير رئيسا للحكومة وتعيين معيتيق نائبا له. وقال محمد الكيلاني، عضو المؤتمر، إن الأعضاء سيمنحون الثقة لرئيس الوزراء الجديد إذا ما توفر نصاب من 96 من الأعضاء. وكانت «غرفة عمليات الكرامة» بالجيش الليبي، التابعة لحفتر في العاصمة طرابلس، أعلنت في بيان مفاجئ مساء أول من أمس أن مكان انعقاد المؤتمر الذي وصفته بـ«الفاقد للشرعية» بات طقة عسكرية، كما حذرت البرلمان من غياب الاعتراف بالأمر الواقع، ورأت أن التفويض الشعبي الذي حصل عليه الجيش ينزع الشرعية عنه.

كما حذرت الغرفة المؤتمر من أي محاولة للالتفاف حول إرادة الشعب والاجتماع في أي مكان آخر، وهددت بقصف واقتحام الجلسة. وعدت الغرفة في بيان تلاه النقيب جمال الهبيل، من الشرطة العسكرية وينتمي إلى الزنتان، أن تفويض الشعب للجيش عبر مظاهرات يوم الجمعة الماضي، هو بمثابة سحب الثقة من المؤتمر، مؤكدة أنها لن تسمح للمؤتمر بأن يعود للسلطة. كما توعد البيان الميليشيات المنتشرة في طرابلس بتنفيذ عملية عسكرية ضدها خلال أيام، لكنه دعاها في المقابل إلى تجنب استهداف المدنيين أو المناطق السكانية.

وسئل الهبيل عن موعد تنفيذ قوات حفتر مثل هذا الهجوم، فأجاب: «قريبا، عليهم أن ينتظرونا، حتما سنأتيهم إلى مقراتهم»، لافتا إلى أنه جرى رصد مواقع هذه الميليشيات بالإضافة إلى رصد المواقع التي انطلقت منها بضع صواريخ غراد أخيرا ضد منطقة سكانية بهدف إحداث الفتنة والوقيعة، على حد تعبيره.

وقالت صفحة «عملية الكرامة» على صفحة التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، إن عدد قوات الجيش الليبي في عملية «كرامة ليبيا» ضد الإرهاب والتطرف قد ارتفع إلى 74 ألف مجند على المستوى العام، وبإجمالي 23 ألف مجند ما بين أفراد شرطة والجيش بالمنطقة الغربية وحدها.

في غضون ذلك، أصدرت مصلحة الطيران المدني بوزارة المواصلات الليبية تعميما على جميع شركات الطيران المشغلة إلى مطار الأبرق بمدينة البيضاء، يقضي بحظر قبول المسافرين غير الليبيين على متن رحلاتها الدولية المقبلة إلى المطار ابتداء من يوم أمس وإلى حين إشعار آخر. ولم توضح المصلحة دوافع هذا القرار، لكنها قالت في بيان مقتضب إن القرار صدر لأسباب أمنية.

وقدم الثني لدى اجتماعه أمس مع المبعوث الخاص للاتحاد الأوروبي برناردينو ليون توضيحا عن مبادرة الحكومة، التي سبق أن تقدمت بها للمؤتمر الوطني والمجالس البلدية والمحلية، والتي تهدف إلى الخروج من الأزمة السياسية الراهنة في البلاد. وقال بيان لمكتب الثني إنه أكد على أهمية جلوس الأطراف كافة إلى طاولة الحوار، للوصول إلى توافق بين جميع فئات الشعب الليبي، بعيدا عن لغة السلاح، مشيرا إلى أنه جرى التأكيد على ضرورة التنسيق والعمل برؤية موحدة بين المبعوثين الخاصين، وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا والحكومة الليبية، لإنجاح عملية الحوار والمصالحة الوطنية. ونقل البيان عن ليون تأكيده على دعم الاتحاد الأوروبي لمبادرة حكومة الثني لتجاوز هده الأزمة.

من جهة أخرى، أجلت المحكمة الجنائية في طرابلس بعد جلسة استمرت ساعتين، مجددا محاكمة 40 من مسؤولي نظام العقيد الراحل معمر القذافي، بينهم نجله سيف الإسلام، إلى الشهر المقبل. وقررت المحكمة التأجيل بناء على طلب هيئة الدفاع عن المتهمين للاطلاع على الأوراق والمستندات الخاصة بالقضية وتمكينهم من الحصول على نسخ من قرارات الاتهام ومحاضر جمع الاستدلالات وشهادات شهود الإثبات.

وخلال الجلسة، التي نقلت عبر دائرة تلفزيونية مغلقة وبثتها بعض القنوات الفضائية بمحاكم استئناف طرابلس ومصراتة والزنتان، أكدت النيابة العامة تمسكها بما ورد في قرار الاتهام، مشيرة إلى أن قائمة أدلة الإثبات والأوراق تعج بالأدلة التي تثبت ارتكاب كل المتهمين الذين توجه إليهم المحكمة الاتهام - الجرائم الموجهة إليهم.

ويواجه المتهمون عدة تهم، أهمها ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية إبان ثورة 17 فبراير (شباط) 2011، وتشكيل كتائب مسلحة لقمع المدنيين وخلق الفتنة بين الليبيين وتمزيق نسيجهم الاجتماعي، إلى جانب دعم النظام بالأموال والفساد المالي والإداري. وقال علي الضبع، أحد محامي فريق الدفاع، إن «الادعاء طلب تأجيل المحاكمة إلى 22 من الشهر المقبل لإعداد لائحة الاتهام». كما طلب الدفاع مهلة إضافية وطالب بتمكينه من التواصل بحرية مع المتهمين الذين يلاحقون، وبينهم عبد الله السنوسي رئيس جهاز المخابرات في عهد القذافي لدورهم في قمع الثورة.

ومثل سيف الإسلام (41 سنة) عبر دائرة تلفزيونية مغلقة من الزنتان جنوب غربي العاصمة طرابلس، حيث هو محتجز منذ اعتقاله في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، وبدا سيف الإسلام الذي ارتدى لباس السجن الأزرق، خلال المحاكمة هادئا، لكنه لم يوكل محاميا عنه حتى الآن، ولم يحضر المحامي المعين من المحكمة للدفاع عنه، وقالت المحكمة إنه سيجري تعيين محام آخر. ومثل ثمانية متهمين، بينهم منصور ضو الرئيس السابق للأمن الداخلي، عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة من مصراتة التي تقع على بعد 200 كيلومتر شرق طرابلس حيث يحتجز هؤلاء.

وسيف الإسلام والسنوسي هما أيضا موضع مذكرتي توقيف دوليتين من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب مفترضة أثناء الثورة. وطلبت المحكمة الجنائية الدولية قبل أيام مجددا بأن يحاكم سيف الإسلام أمامها وليس في ليبيا، مؤكدة أنه لا يمكن أن يحظى بمحاكمة عادلة في بلاده. وعلاوة على حالتي سيف الإسلام والسنوسي، أعربت منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان عن «قلقها»، مشيرة خصوصا إلى «الحد من وصول المحامين إلى وثائق أساسية» وإلى المتهمين.