السيستاني يجدد رفضه استقبال السياسيين لتشكيل الحكومة الجديدة

لقاء بين النجيفي والحكيم بحث تطورات الأوضاع السياسية > خصوم المالكي يصعدون ضد نتائج الانتخابات الأخيرة

TT

جدد المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله علي السيستاني رفضه استقبال السياسيين العراقيين بهدف الاتفاق على تشكيل الحكومة المقبلة بعد إعلان نتائج الانتخابات. في حين صعد منافسو رئيس الوزراء نوري المالكي اعتراضاتهم على نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في 30 أبريل (نيسان) الماضي، مما قد يعرقل تشكيل حكومة جديدة ستكون برئاسته على الأرجح.

ونفى مكتب السيستاني في مدينة النجف (160 كم جنوب بغداد) الأنباء التي تحدثت عن نية الأخير استئناف استقباله للقادة والمسؤولين السياسيين لبحث تشكيل الحكومة المقبلة. وقال مصدر في مكتب السيستاني في تصريح صحافي إنه «لا صحة للأنباء حول وجود نية للمرجع باستئناف استقباله السياسيين لبحث تشكيل الحكومة المقبلة». وأكد المصدر أن «المرجع ما زال محتجبا عن لقاء أي مسؤول»، داعيا «وسائل الإعلام إلى توخي الدقة في تناول هكذا أخبار».

وكانت بعض وسائل الإعلام قد تناقلت أنباء عن قرب انتهاء فترة احتجاب المرجعية عن السياسيين والسماح لهم بزيارتها خلال الأيام المقبلة، منهية بذلك قطيعة مع قادة القوى السياسية استمرت لعدة سنوات. يذكر أن السيستاني منذ عام 2011 قد أحجم عن لقاء قادة القوى السياسية نتيجة لعدم استجابتهم لإنهاء الخلافات التي رافقت العملية السياسية التي شغلتهم عن تقديم الخدمات الأساسية وخروج مظاهرات شعبية مطالبة بتحسين الواقع الأمني والخدمي.

من جهته أكد الأستاذ في الحوزة العلمية والمقرب من المرجعية الدينية في النجف حيدر الغرابي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «موقف المرجعية من العملية السياسية لم يتغير خلال السنوات الأربع الماضية التي رفض فيها المرجع الأعلى استقبال المسؤولين الكبار، بل إن الأوضاع من وجهة نظر المرجعية ازدادت تدهورا وعلى كل المستويات.. الأمر الذي جعلها تنصح بالتغيير خلال الانتخابات الماضية». وأضاف الغرابي أن «بعض كبار المسؤولين، ومنهم المالكي نفسه، حاولوا خلال فترة الحملة الانتخابية لقاء المراجع الكبار، ولكنه لم يجر استقباله لهذه الأسباب، فضلا عن أنه كان يريدها أن تكون بمثابة دعاية انتخابية له». وأضاف الغرابي أن «المرجعية الدينية العليا إذ تعبر عن هذا الإحجام باستقبال المسؤولين الكبار فإنها إنما تريد أن تبين للشعب عدم رضاها عما يجري لأنها تعلم بكل ما يجري وليس مثلما يتصور البعض، حيث تردها تقارير مفصلة عن كل شيء، ولعل ما يعبر عنه معتمدوها في خطب الجمعة خير دليل على اطلاعها على مجريات الأوضاع». وأوضح أن «المرجعية حددت الخطوط العريضة ودعت الشعب إلى التغيير سواء في المناهج أو الوجوه، وبالتالي فإنها لا تريد أن تزج بنفسها في التفاصيل»، مشيرا إلى أن «موقف المرجعية هذا يأتي من موقفها الأبوي من الجميع». وكان عبد المهدي الكربلائي معتمد مرجعية السيستاني قد طالب في خطبة الجمعة التي تلت إعلان نتائج الانتخابات بأهمية أن يجري تشكيل الحكومة المقبلة على أساس المهنية. وقال إنه «تجري حاليا محاولات للتحالف بين بعض القوى السياسية لكنه من الضروري أن تستهدف هذه المحاولات الوصول إلى تفاهمات لتشكيل حكومة جديدة تقوم على أساس المهنية، وليس على تقاسم المواقع الأساسية في الدولة من أجل تحقيق مكاسب سياسية خاصة بالكتل». وحذر بالقول: «إن هذا سيدخل العراق في مساومات تعطل وتؤخر الحكومة المنتظرة». ودعا الكربلائي إلى إحداث تغيير في نهج الكتل السياسية، وفي مجمل العملية السياسية برمتها. ورفض بشدة ما سماه «اتكاء الكتل على المصالح العامة لتحقيق مصالح خاصة»، موضحا أن «هذا النهج لن يمكن من بناء دولة ترتكز على مؤسسات قادرة على تحقيق التقدم وخدمة الناس». وتابع أن «هذا نهج خاطئ»، داعيا إلى «إنهاء حالة الجري وراء المصالح الحزبية والمناطقية والشخصية الضيقة».

في سياق ذلك يستمر الحراك السياسي الذي يهدف إلى بلورة المواقف المختلفة باتجاه المضي نحو تشكيل الحكومة المقبلة.

وفي هذا الإطار، بحث رئيس البرلمان العراقي الذي يتزعم كتلة «متحدون للإصلاح» أسامة النجيفي مع زعيم المجلس الأعلى الإسلامي عمار الحكيم، تطورات الأوضاع السياسية ونتائج الانتخابات الأخيرة. وقال بيان لمكتب الحكيم أمس إن «رئيس المجلس الأعلى الإسلامي عمار الحكيم استقبل في مقر المجلس الأعلى ببغداد رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي، لبحث تطورات الأوضاع السياسية ونتائج الانتخابات الأخيرة، فضلا عن بحث الأوضاع الإقليمية والدولية».

وصعد منافسو المالكي اعتراضاتهم على نتائج انتخابات أبريل، حيث قدمت أحزاب داخل وخارج الطائفة الشيعية طعونا تتراوح بين تشكيك في تنظيم عمليات الاقتراع، ومشاكل تخللت عملية نقل الصناديق وصولا إلى عمليات العد والفرز وتأخير إعلان النتائج. وتمكن ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي من الحصول على 95 مقعدا من أصل 328 في مجلس النواب العراقي في الانتخابات الأخيرة، فيما حصلت الأحزاب المنافسة على ما يتراوح بين 20 و30 مقعدا لكل منها.

ويقول الائتلاف إن عدد المقاعد التي حصل عليها مع حلفائه من الأحزاب الصغيرة بلغ 120، وهذا يعني أنه بحاجة على الأقل لاثنين من منافسيه الذين أعلنوا صراحة عدم رغبتهم في التجديد له لولاية ثالثة للانضمام إلى تحالفه من أجل تشكيل حكومة أغلبية سياسية ممثلة بنصف أعضاء المجلس زائد واحد.

وقال عضو مجلس المفوضين محسن الموسوي لوكالة الصحافة الفرنسية: «حتى يوم الخميس تسلمنا 30 شكوى من أحزاب ومرشحين في الانتخابات». وأضاف أن «المفوضية غير ملزمة بهذه الطعون وليست من واجبها، إنما من واجبات الهيئة القضائية»، قائلا: «دورنا ينحصر في الإجابة عن الاستفسارات التي تقدمها الهيئة القضائية لنا والتي قراراتها ملزمة للجميع».

وقال المالكي في خطابه الأسبوعي الأربعاء إن «نتائج الانتخابات ينبغي أن تقبل بشفافية وروح متسامحة وألا نسمع الصخب هنا وهناك من أجل التشكيك». لكنه أضاف أن «نجاح الانتخابات ووجوب الالتزام بنتائجها لا يعني أننا نبخس الناس حقوقهم.. فيما لو كانت لهم حقوق أو شكاوى أو طعون». وتابع المالكي: «إذا ما ثبت تزوير ينبغي أن يعاد الحق لأهله، وإن كانت الأجواء كلها توحي بشيء من الإيجابية»، مؤكدا أن «النتائج مقبولة وحق الطعن مقبول».

لكن الأحزاب المنافسة الشيعية والسنية التي فازت بمقاعد في البرلمان، تشكك في هذه النتائج وقدمت طعونا. وقال رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي، وهو أشد خصوم المالكي، خلال لقائه السفير التركي في بغداد، إن «الانتخابات جرت في ظروف قاهرة تخللتها الكثير من المخالفات والخروق». وأشار النجيفي في بيان «إلى أن الكثير من الطعون قدمت أثناء الانتخابات وبعدها».

وقدم الائتلاف الذي يقوده النجيفي الحاصل على 23 مقعدا في البرلمان، نصفها من محافظة نينوى التي ينتمي إليها، اعتراضات على 23 خرقا حصلت أثناء الانتخابات.

من جهته، عد ائتلاف الوطنية الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي أن «تبعية وخضوع أجزاء مهمة من مفوضية الانتخابات لهيمنة أطراف سياسية جهوية نافذة يفقدها بالتأكيد القدرة على الحيادية». وأضاف أن «انحيازها الواضح يخضع النتائج المعلنة لهذا التقدير المنحاز أيضا، مما يمنحنا الحق للمطالبة المشروعة لاستعادة الاستحقاق الوطني والانتخابي».

ودعا علاوي «القوى السياسية العراقية إلى الوقوف بحزم وبجدية ضد التزوير الذي حصل واللجوء إلى القضاء لتقديم الشكوى». وطالب بـ«إعادة العد والفرز اليدوي ومعاقبة كل من تسبب بالأذى للعملية الديمقراطية والوقوف ضد محاولات الاستئثار بالسلطة».

ولم تأت اتهامات التلاعب بنتائج الانتخابات من خصوم المالكي فحسب، وإنما جاءت هذه المرة من أبرز الأحزاب التي دعمته في ولايتيه الأولى والثانية، ألا وهو المجلس الأعلى بقيادة عمار الحكيم. وقال المتحدث باسم المجلس الأعلى بليغ أبو كلل: «جرى استخدام السلطة والمال العام في الدعاية الانتخابية لكسب الأصوات بشكل مفرط». وأضاف أن «أعدادا هائلة من قطع الأراضي وزعت على المواطنين، إضافة إلى وعود بتعيينات واسعة من قبل مرشحي أطراف محددة ذات نفوذ بالسلطة وتوزيع أموال طائلة تحت عناوين مختلفة». وأضاف أن «ذلك يعد مخالفة صريحة، وكان على المفوضية أن تتخذ الإجراءات القانونية بحق كل تلك الإجراءات المخالفة».