نتنياهو يرد على صلاة البابا عند الجدار الفاصل باصطحابه إلى نصب لقتلى إسرائيليين

البابا زار الأقصى و«ياد فاشيم» وقبر مؤسس الصهيونية

البابا فرانسيس يقوم بغرس شجرة زيتون في مقر الرئاسة الإسرائيلية وإلى جانبه الرئيس شيمعون بيريس (أ.ف.ب)
TT

لبى البابا فرنسيس، دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لزيارة نصب تذكاري لإحياء ذكرى إسرائيليين قتلوا في هجمات فلسطينية، في خطوة فسرت على أنها رد إسرائيلي على توقفه وصلاته عند جدار الفصل العنصري، أول من أمس، في بيت لحم، ومحاولة منه لخلق توازن.

وقال نتنياهو لبابا الفاتيكان عند النصب: «أود أن أشكرك على تلبية طلبي بزيارة النصب التذكاري لإحياء ذكرى ضحايا الإرهاب». وأضاف: «شرحت للبابا أن إقامة الجدار الأمني أدت إلى تفادي سقوط ضحايا كثيرة أخرى خطط الإرهاب الفلسطيني لاستهدافها، وهذا الإرهاب يستمر أيضا في هذه الأيام». ولم يكن مخططا لمثل هذه الزيارة، مثلما لم يكن مخططا لوقوفه عند الجدار في بيت لحم. وأنهى البابا أمس زيارته التاريخية للمنطقة والتي استمرت ثلاثة أيام بزيارة أماكن دينية وسياسية في إسرائيل وبالدعوة مجددا إلى استثمار الجهود لتحقيق سلام عادل ومستدام في المنطقة.

وكان البابا دعا قبل يوم واحد فقط الرئيسين الفلسطيني والإسرائيلي إلى الفاتيكان، كي يصليا معه من أجل إنجاح عملية السلام، وقبل كلا الرئيسين الدعوة في السادس من الشهر المقبل. وجاءت دعوة البابا بعد شهرين على انهيار تام للعملية السلمية. وهاجمت السلطة الفلسطينية إسرائيل بشدة أمس بعد مصادقتها أثناء زيارة البابا، لمدينة القدس، على مناقصة لبناء 50 وحدة استيطانية في جبل أبو غنيم في المدينة. وقال المحامي دانيال سيدمان، الخبير اليساري في شؤون القدس، في تغريدة على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: «لقد صادقت بلدية القدس على بناء 50 وحدة استيطانية جديدة في مستوطنة «هار حوماه».

ودانت الرئاسة، الفلسطينية، قرار بلدية الاحتلال في القدس، بناء 50 وحدة استيطانية في مستوطنة «هارحوما»، المقامة على أراضي جبل أبو غنيم، واصفة القرار بأنه «رد غير أخلاقي» على رسالة البابا. وقال بيان رئاسي: «إن الاستيطان برمته غير شرعي ويجب إدانته». وعد ناطق باسم الرئاسة، هذا التصرف «رسالة رد غير حضارية وغير منطقية ومخالفة للأخلاق»، تعليقا على توقف البابا فرانسيس الأول من أمس للصلاة عند مقطع الجدار غير الشرعي الذي يفصل جبل أبو غنيم عن مدينة بيت لحم.

وبدأ البابا يومه الطويل أمس بزيارة المسجد الأقصى، قبل أن يصلي عند الحائط الغربي المجاور (حائط البراق عند المسلمين وحائط المبكى عند اليهود) ويعده اليهود أقدس موقع يهودي ويقولون إنه من بقايا الهيكل الثاني الذي دمره الرومان عام 70 قبل الميلاد. وفي الأقصى سلم مفتي القدس محمد حسين، رسالة للبابا تشرح جوانب من معاناة الشعب الفلسطيني، مشيرا إلى ما تتعرض له المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس من اعتداءات وانتهاكات، متواصلة ومتصاعدة، وبخاصة ضد المسجد الأقصى، وتحدث المفتي عن إضراب الأسرى القابعين في سجون الاحتلال، وما يعانونه من تردي أوضاعهم الصحية والمعيشية، مطالبا البابا ببذل أقصى جهوده لإطلاق سراحهم.

ودعا البابا فرنسيس المسلمين والمسيحيين واليهود، إلى «العمل معا من أجل العدالة والسلام»، وقال في مسجد قبة الصخرة الذي زاره بعد خلع نعليه: «إن الأديان السماوية الثلاثة ترى في النبي إبراهيم أبا في الإيمان. لنحترم ونحب بعضنا بعضا كأخوة وأخوات، لنتعلم أن نفهم ألم الآخر ولا نستغل أحدا باسم الله لممارسة العنف، ولنعمل معا من أجل العدالة ومن أجل السلام».

وعند الحائط الغربي، دس البابا رسالة صغيرة بين الصخور القديمة للحائط، مثلما يفعل كثير من الزوار، تكون فيها عادة صلوات وأمنيات خاصة، كما التقى الحاخامين الأكبر لإسرائيل. وقالت الإذاعة الإسرائيلية إنه كتب في ورقته إنه جاء هنا ليدعو إلى السلام. وفي خطوة لافتة، زار البابا جبل «تيودور هيرتزل»، الذي يعد مؤسس الصهيونية الحديثة ووضع إكليلا من الزهور على قبره. ويعد البابا فرنسيس أول بابا فاتيكان يزور قبر هيرتزل، الذي بسببه قامت دولة إسرائيل التي عارضها الفاتيكان لسنوات طويلة. ووصل انفعال البابا ذروته أمس بزيارة متحف «ياد فاشيم»، الذي يخلد ذكرى اليهود الذين أحرقوا في أوروبا. وألقى البابا، الذي رافقه الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريس ونتنياهو، خطابا، عبر فيه عن أسفه العميق بسبب ما وصفه «الانحطاط» الذي آلت إليه البشرية بأسرها، حين ذبح يهود على يد النازيين. وقال البابا: «نحن هنا يا رب، نخجل مما كان يمكن أن يفعله الإنسان، الذي خلق على صورتك. اذكرنا برحمتك».

وأكد البابا على الحاجة إلى العودة إلى الله، قائلا: «نعود اليوم إلى هنا لنسمع صوت الله». وأثنى، نتنياهو، على زيارة البابا لقبر مؤسس الحركة الصهيونية، وعلى زيارته متحف «ياد فاشيم»، ونصب قتلى «الإرهاب»، وعبر نتنياهو عن أمله في أن تلاقي دعوة البابا إلى نبذ الإرهاب والتحريض ومظاهر اللاسامية «آذانا صاغية لدى جيران إسرائيل كافة».

وقال نتنياهو في اجتماعه مع البابا فرنسيس في فندق «نوتردام» في القدس: «لدينا في إسرائيل مئات الكنائس، وهي موجودة في كل من القدس والناصرة وكفار ناحوم وكورازيم - ونصون كلها، ولم يجر المساس ولو بحجر واحد فيها. إننا نصون بدولة إسرائيل حقوق المسيحيين، وهذا للأسف الشديد ليس موجودا بأماكن كثيرة بالشرق الأوسط. إننا نحترم موقف قداسة البابا من التسامح الديني وإسرائيل تصون هذا التسامح». وأضاف: «إننا نأمل في أن يصغي جيراننا جميعا إلى مناشدتكم إلى التسامح والتعايش ووقف التحريض والمعاداة للسامية وأود أن أشكر قداستكم على الزيارة المثيرة للمشاعر التي قمتم بها اليوم للنصب التذكاري لإحياء ذكرى ضحايا الإرهاب».

وتابع: «إذا توقف التحريض ضد دولة إسرائيل وتوقف الإرهاب، لن تكون هناك حاجة للإجراءات التي نتخذها مثل الجدار الأمني الذي أنقذ حياة آلاف الأبرياء. وأتمنى أن نشهد اليوم حين يقبل جيراننا مناشدة البابا فرنسيس إلى الاعتراف بدولة إسرائيل وبحق اليهود لدولة خاصة بهم وللعيش بأمان وسلام. وهذا سيؤدي إلى تحقيق السلام، إن ليس في كل بقاع الأرض، فعلى الأقل في هذه البقعة». وأهدى نتنياهو لبابا الفاتيكان، نسخة أصلية عتيقة تعود لعام 1698 لرسمة تظهر كنيسة القيامة في القدس، وتظهر الصالة الرئيسة في الكنيسة وفي وسطها «القبر المقدس» كما كان قبل خرابه.